عزاؤنا في الأحياء لا في الأموات

15 ديسمبر 2014 - 17:03

السياسيون عندنا عموما بلا شعبية، وصورتهم عموما سيئة، وسمعتهم في غالب الأحيان ليست وردية، وقل ما يذكرهم الناس بالخير، سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، في اليمين أو اليسار أو الوسط، في الأحزاب أو الدولة.. هذه هي القاعدة وهناك استثناءات… أسباب هذا الوضع كثيرة، ومنها أن «سمكة واحدة تخنز الشواري»، فما بالك بأسماك كثيرة فاسدة وسط قلة غير متعفنة من أسماك تجد نفسها في غربة شديدة في بركة آسنة…

هذه هي القاعدة، أما بعض الاستثناء فهو ما رأيناه في شهر واحد في بوزنيقة والرباط، حيث حج مئات الآلاف من المواطنين، فقراء وأغنياء، لوداع أحمد الزايدي الذي غرق في بركة ماء في جماعة وادي الشراط، وعبد الله بها الذي مات في حادثة قطار في المكان نفسه… ما الذي جعل الآلاف من الناس الذين حضروا، والملايين الذين غابوا، يحزنون لوفاة سياسيين؛ الأول يساري في المعارضة والثاني إسلامي في الحكومة؟ ماذا حرك رحيل هذين الرجلين في دواخل المغاربة؟ هل الموت وحده من يصالح الناس مع السياسيين، أم إن القيم والأخلاق والسلوكيات التي عرف بها الراحلان هي التي جلبت لهما كل هذا التعاطف والتقدير والتحية والعرفان بالجميل؟

لا نكتب هنا للأموات، فهؤلاء في رحاب ربهم، نكتب لمن بقي من الأحياء لنقول لهم إن الشعب الطيب لا ينسى الأيادي البيضاء التي مرت من هنا، وإن الناس العاديين ربما لا يعبرون عن آرائهم ومواقفهم طوال السنة، لكنهم في لحظات معينة يخرجون المكنون في نفوسهم. الناس بهذا الحزن الكبير على الراحلين يقولون لمن بقي من السياسيين على قيد الحياة إن السياسة أخلاق، وإن الحياة ليست سلطة ومالا وجاها و«قوالب» و«تحرميات» وانتهازية… الحياة يمكن أن تكون نبلا وسعيا في الخير، وتضحية دون انتظار مقابل، وكفا دائماً عن إيذاء الناس، ومجاهدة مستمرة لترويض النفس الأمارة بالسوء…

 كان فقهاؤنا القدامى يقولون للسلاطين الظالمين، وما أكثرهم في تاريخنا، «بيننا وبينكم الجنائز»، أي أن الحكم بيننا وبينكم حضور الناس في جنازاتنا.. تلك اللحظة العاطفية المشحونة بالصدق والتأثر وألم الفراق، حيث تخرج المشاعر بلا «رتوش» ولا مصالح ولا حسابات معقدة ولا مجاملات ولا خوف…

تقول الحكاية العربية إن سياسيا جديدا دق باب سياسي قديم يشكو إليه ظلم الصحافة التي تكتب عن السياسيين الأكاذيب، فضحك السياسي المخضرم صاحب التجربة في كواليس الانحطاط السياسي، وقال لتلميذه: «يا صاحبي، اترك الصحافة تنشغل بكتابة الأكاذيب لكي لا تكتب عنا الحقائق، فحقائقنا أفظع من أكاذيبهم». ليست الألقاب هي التي تكسب الناس المجد، بل الناس هم الذين يكسبون الألقاب مجدا… هكذا تقول الحكمة القديمة، لكن من يسمعها… السياسيون في بلادنا، من كل لون وطيف وقبيلة وفكر وإيديولوجيا، غارقون في البحث عن الألقاب، ولا يهتم إلا القليلون منهم بالمجد، والمجد مسألة أخلاقية قبل أي شيء آخر، وهذه المسألة لا رقيب عليها إلا الإنسان نفسه، ولا ترمومتر لها إلا حكم الناس في آخر المشوار ساعة الحقيقة.. ساعة الموت…

حضرت جنازتي الراحلين، ورأيت بأم عيني علية القوم، من رجال ونساء السلطة والمال والنفوذ والوجاهة، جنبا إلى جنب مع الفقراء والبسطاء والعاطلين عن العمل ومن لا يملكون حتى قوت يومهم.. كل هؤلاء اجتمعوا في لحظة واحدة وأمام حقيقة واحدة وخلف نعش واحد في المقبرة وفي بيت العزاء وهم يرددون: «عزاؤنا واحد.. رحم الله السي أحمد. رحم الله السي عبد الله».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

TARTOR منذ 10 سنوات

!!A toto: Quelle modestie, quel civisme, BRAVO

لطيفة منذ 10 سنوات

"كان فقهاؤنا القدامى يقولون للسلاطين الظالمين، وما أكثرهم في تاريخنا، «بيننا وبينكم الجنائز»، أي أن الحكم بيننا وبينكم حضور الناس في جنازاتنا.. تلك اللحظة العاطفية المشحونة بالصدق والتأثر وألم الفراق، حيث تخرج المشاعر بلا «رتوش» ولا مصالح ولا حسابات معقدة ولا مجاملات ولا خوف…" سي بوعشرين أظن أن هذا الأمر لا يمكن اعتماده في زمننا هذا الذي أصبحت فيه المادة طاغية إلى درجة أنه حتى فاجعةالموت تستغل من أجل المصالح في حين أنه من المفروض أن الموت يجب أن تكون رادعا وعبرة لكثير من الناس.

toto منذ 10 سنوات

le problème d'une société caractérisée par la domination des Ar3abes est qu'elle veut croire en des idéaux à géométrie variable... on parle ici et là de valeurs, on parle de bons comportements et j'en passe ... mais ce qui est aujourd'hui d'actualité est la nécessité d'établir des régles que nous devons respecter.la vertu, la morale sont des concepts qui varient selon la géographie, selon l'histoire, selon le niveau d'éducation, selon la couleur de peau, ... mais un train qui écrase une personne est une réalité qui s'impose à tous que vaut la vie de mr X comparée aux centaines de vie qui ont été écrasées par un train au maroc? que vaut la vie de X comparée aux dizaines de personnes mortes noyées? que vaut la vie de X comparée aux dizaines de vie mortes sous les encombres. le responsable doit être puni...un office en charge de protéger les citoyens des dangers du train et sa tutelle doivent être punis ( un mur de protection devait être construit depuis maintenant 10 ans, où est il?). Un responsable de l'urbanisme et sa tutelle doivent être punis, un responsable de l'aménagement des routes et sa tutelle doivent être punis...quand vous fermez les yeux sur cete réalité on ne peut que vous félicitez pous vos valeurs , votre vertu, votre morale et tout le reste... mais de grâce laissez le peuple tranquille ne parlez pas en son nom il vous connaît mieux que quiconque d'autre...les ventes de journaux au Maroc sont les plus faibles au Monde ... Lorsque plus de 400 000 diplômés supérieurs marocains préférent l'exil cela vous donne une idée sur l'ampleur des dégâts et les commentaires sont des plus stupides que l'on puisse imaginer sur terre...vous devez avoir honte de ce que vous êtes de ce que vous dites et de ce que vous faites...

aziz منذ 10 سنوات

merci de regarder le contenu ou lieu d'être quelqu'un qui regarde juste la forme

aziz منذ 10 سنوات

je vous salue Mr bouachrine merci

badr منذ 10 سنوات

n'importe quoi, il analyse les chose d'une maniere pragmatique, c'est tout. Bonne continauation Mr. Bouachrine

mohamed منذ 10 سنوات

il y a plusieurs responsables qui méritent des hommages après leur décès et je souvient d'un agent d'autorité pas comme les autres:il s'agit du feu Hassan El Amrani le wali de Rabat (que Dieu yarhamou

bounifasse bouznika منذ 10 سنوات

اريد رد على خالد انا اتفق معك في امور كثيرة انت تكلمت عنها منها جنازة الاستاذ المهدي المنجرة وسالم يفوت رحمهم الله, انا من مدينة بوزنيقة اعرف ناس كثيرون بارعين في التملق, حضرت جنازة الراحل المرحوم احمد الزيدي ، ورأيت بأم عيني في بيت العزاء علية القوم من رجال ونساء السلطة والمال والنفوذ بينت لي اصناف كثيرة صنف اتى للعزاء في راحل بحكم لديه سمعة طيبة وسط السياسيين صنف الثاني اتي لرؤية الوجوه المؤترة في السياسة والاقتصاد الخ, وصنف الاخير قريب من المحيط هنا في المدينة ثلة من المتملقين يوريدون اظهار انهم مثأترين بموت المرحوم وهم ليس كذلك هم مجموعات هم مثأترين بمصالحهم التي ذهبت مع راحل يوجد الذي يريد بقع ارضية في الجماعة بالمجان يوجد اصحاب وداديات السكن وهم كثر يوجد الذي يفكر في الشطر الاول والثاني والثالث, والذي لا اتفق معك فيه ان تقول لبوعشرين الانتهازية فأظن أنك أستاذ كبير فيها جميعا وإلا لماذا كل هذا التملق للإسلاميين. لسبب معروف هو أنهم اليوم أصحاب مال وسلطة وجاه ونعم،وإلا ما نظرت إليهم ولو غفوة. انا التقيت السيد بوعشرين في بيت الزيدي انسان متواضع جدا هو لا يتملق للحكومة يكتب الجميلة والسيئة ليس كما الجرئد الاخرة التي غير [الخيبة] واش بغيتي ارجعو هادوك لي بينو ليك من رباح قنطار و راك عارف

Krimou El Ouajdi منذ 10 سنوات

C'est un honneur lui pour qu'il le soit. Et si vous n'êtes pas d'accord, il y'a d'autres moyens pour s'exprimer et dire ce que vous voulez.

Krimou El Ouajdi منذ 10 سنوات

Il faut ajouter qu'il mérite d'être salué. Me concernant, je vous salue, M. Bouachrine, de votre contribution quotidienne permettant à certains d'ouvrir les yeux avant qu’il ne soit trop tard. J'espère qu'un jour ces gens arrivent à comprendre que le respect des autres, en soit, est une expression de respect de soit même.

المكي قاسمي منذ 10 سنوات

شيء جيد أن تكون للإنسان المسئول أخلاق. لكن لا أعتقد شخصيا أن هذه لوحدها هي التي ترسم الفرق والبون الشاسع بين مسئولينا،مهما كان مستواهم: وبين المسئولين في البلدان ذات الأنظمة الديمقراطية. بل أن هذا الفرق يجد تفسيره بالأساس في كون المسئولين هناك حذرين على الدوام من سيف القانون المسلط على رقاب كل من يخالفونه، دون استثناء. الحل إذن،ودون إعادة اختراع العجلة، في الدولة الديمقراطية السائرة بالقانون وحده

bouzidane منذ 10 سنوات

bravo pour ce journal porte parole de benkirane bouachrine = benkirane

خالد منذ 10 سنوات

الجاه والسلطة وليست الأخلاق:ٍ الذي جعل كل ذلك العدد يسير في جنازتي المرحومين هو انهما من ذوي السلطة والجاه وليس بسبب اخلاقهما. لكن في هاتين الجنازتين هناك أيضا الطابع الاستثنائي لموتهما. الاول مات غريقا والثانب مات بطريقة أفظع من الأولى: مدهوسا بقطار. السيد بوعشرين فال إن ((الذي لا يملك قوت يومه مشى هو الآخر في جنازتهماٍ)). عندي سؤال للسيد بوعشرين وهو: (( هل تظن أن مثل هذا البئيس الذي لا يملك قوت يومه سيسير في جنازة بئيس مثله؟ لا...الفقير يحب دائما أن يخدم صاحب الجاه لجاهه حتى وإن لم يمنحه ((ضغمة خبز)). الامور هكذا. الناس ذهبوا بذلك العدد الكبير بسبب سلطة وجاه الرجلين. وليس لأخلاقهما. أعطيك مثالين: 1- افرض أن شباط أو العماري أو لشكر أو من شئت ممن تعتبرهم لا أخلاق لهم وتعتبرهم لا يحبهم الناس كما تتوهم ، إفترض أن أحدهم مات . هل تظن أن جنازته ستكون بلا مرافقين كُثْر ٍ؟ سيسير فيها كل الناس من أحزابهم وأحزاب منافسيهم ومن الأغنياء ومن الفقراء ومن رجال الدولة وسيوجه الملك لعائلاتهم التعزية وسيروح بنكيران هو والمكتب السياسي وجماعة العدل والاحسان إلخ إلخ إلى تقديم التعازي. حتى أنت يا سيد بوعشرين ستكتب عنهم كي تبيع جريدتك كما تفعل هذه الأيام. 2- أظن أنك تعرف الخطيبي، والمنجرة و....سالم يفوت . كم كان من الناس في جنازة هؤلاء؟ بضع عشرات. بل إن الذي كان ليس صاحب أخلاق جد عالية ( عالية جدا جدابحيث لا يمكن مقارنتها بأخلاق الزايدي وباها، لأن الذي يمارس اتلسياسة مهما سمت أخلاقه لا بد أن يخطيء ولا بد أن تكرهه جهة ما، حتى باها تجد كم يكرهه في حزبه في محيطه لسبب إما سياسي وإما أسري)، بل كان هو الأخلاق وهو سالم يَفُوت، مشت في جنازته 18 فردا لا غير. أما الجرائد فلم تكتب عنه شيئا باستثناء جريدة واحدة. 18 فردا حتى جيرانه لم يروحوا معه. نعم حتى جيرانه. الشعب الذي تفخرؤ به أنت يا سيد بوعشرين له أخلاق أخرى يستحيل أن تكتب عنها الصحافة بنزاهة لأنها ستتهم بأنها تُعَيِرُ الشعب. وكما تعرف الشعب كلمة مقدسة حتى وإن لم تكن لا من القرآن ولا من الأحاديث النبوية الشريفة. الشعب يُعْلي من قيمة النفاق والتملق وهو ما تفعله صحف كثيرة جدا جدا. الناس تعبد المال يا سيد بوعشرين . أما ((تحرميات )) و((التقوليب)) والانتهازية فأظن أنك أستاذ كبير فيها جميعا وإلا لماذا كل هذا التملق للإسلاميين. لسبب معروف هو أنهم اليوم أصحاب مال وسلطة وجاه ونعم،وإلا ما نظلرت إليهم ولو غفوة.

خبير منذ 10 سنوات

c'est un journal islamiste ????

بوناكة منذ 10 سنوات

فاعتبروا يا أولي الألباب ............... أما من لا لب له فأمره إلى الله

التالي