قرارات خاطئة

01 يناير 2015 - 21:30

ليس جيدا أن نبدأ السنة الجديدة ‘‘بالنكير’’ على حكومة بنكيران التي تستبشر خيرا بسنة 2015 بعد انخفاض ثمن البترول في السوق الدولي، وهطول كميات كبيرة من الأمطار هذه السنة، وارتفاع مستوى الانسجام بين أحزاب الأغلبية والتقنوقراط في الحكومة، ونزول أسهم المعارضة التائهة في كواليس السياسة. ليس جيدا أن نفسد أفراح نهاية السنة على المواطنين، ونحدثهم عن قرارات خاطئة اتخذت السنة الماضية، لكن ماذا نفعل؟ هذه هي وظيفة الصحافة.. أن تصور نصف الكأس الفارغ، أما المملوء فتترك تسويقه للحكومة ولوزير الدعاية فيها، الزميل مصطفى الخلفي، الذي أصبح متخصصا في صباغة السياسات الحكومية بالأبيض الناصع، وصار لسانه أقرب إلى الخشب منه إلى شيء آخر، وهذه مهمته على كل حال…

أول قرار خاطئ أنهى به المركز السينمائي المغربي ووراءه وزارة الاتصال وغيرها من الوزارات السنة الماضية هو منع فيلم «الخروج.. آلهة وملوك» للمخرج العالمي ريدلي سكوت. لماذا هذا القرار خاطئ؟ أولا، لأن الفيلم في نهاية الأمر فيلم وقصة وإبداع، قوامه الخيال، وليس كتابا في التاريخ أو اللاهوت أو علم الكلام، حتى نؤاخذ المخرج الكبير على رؤيته الدينية أو الفلسفية أو العقائدية. ثانيا، نحن بلاد اختارت الانفتاح والحرية، ومنع فيلم سينمائي يضعنا في خانة دول الخليج وأفغانستان وباكستان، وغيرها من الدول المنغلقة التي يتحكم الفكر السلفي أو الأصولي أو الوهابي في عقلها الأمني والسياسي، وهذا أمر لا يليق بمملكة تبعد عن أوروبا بـ12 كيلومترا. ثالثا، الفيلم معروض في قاعة سينما، وليس في قارعة الطريق، أو في تلفزة عمومية. بمعنى أن المواطنين المغاربة يملكون عقولا وليس أكياس عجين، ويستطيعون أن يتخذوا قرارا بمشاهدة الفيلم أو مقاطعته، والذي يشاهد الفيلم له عقل ومنطق وذوق ورؤية، ويستطيع أن يأخذ ويرد من الفيلم ومن الرؤية التي تحكمه، والحكومة والفاسي الفهري لا يملكان وصاية على عقول الناس حتى يحددا ما يروقهم وما لا يروقهم. الأمن لا دخل له في الأفكار والآراء والإبداع. رابعا، في البلاد حزب إسلامي يقود الحكومة، وهناك ما يكفي من سوء الفهم بينه وبين تيارات ودول وحكومات ومنظمات مازالت ترى أنه حزب معادٍ للحريات الفردية، وقد أبدى هذا الحزب مرونة كبيرة وحكمة في إبعاد أجندته الإيديولوجية عن عمله الحكومي وقراراته السياسية، والذي دفع إلى هذا القرار من داخل الحكومة أو من خارجها لمنع فيلم «آلهة وملوك»، بقصد أو بغير قصد، يريد أن يجر «البي جي دي» إلى معارك ‘‘خاوية’’. المعنى واضح، وقصة استقلال المركز السينمائي عن التأثير السياسي لا يصدقها حتى الأطفال. انتهى الكلام في هذه النقطة… 

القرار الخاطئ الثاني هو تأخر الحكومة في اتخاذ موقف واضح من فضيحة ملعب مولاي عبد الله. لقد أخبروا الرأي العام بأن التقرير سيكون جاهزا قبل يوم الثلاثاء ما قبل الماضي، والآن مر أكثر من 10 أيام، ولا أثر لهذا التقرير. الجميع يقول في الكواليس إن التقرير أسود، وهو يدين الوزير أوزين، لكن الجميع ينتظر الإشارات من فوق لاتخاذ القرار، وهذا أمر لا يخدم أحدا. عندما يخرج العنصر ويقول إن المسؤولية السياسية عما جرى يتحملها أوزين، فهذا معناه أن على الوزير أن يحرر استقالته، وإذا لم يفعل فعلى رئيس الحكومة أن يطلب إقالته، أما أن يستمر أوزين عضوا في الحكومة بهذه الطريقة معلقاً، لا هو متزوج ولا هو مطلق، فهذا معناه أن الحكومة والدولة لا تعيران اهتماما للرأي العام، وأن الدولة والحكومة معا لا تريدان للرأي العام والصحافة أن تصير لهما سلطة وكلمة وقرار، وهذا أمر لا يخدم علاقة الثقة التي كنا ننتظر أن تستقر في علاقة الحاكمين بالمحكومين بعد دستور 2011…

القرار الثالث الذي كان يجب أن نتريث فيه وأن نناقشه، وأن نطيل النظر فيه، هو قرار الامتناع عن تنظيم تظاهرة قارية مثل «الكان»، والدخول في مواجهة مفتوحة مع «الفيفا» و«الكاف»، والتعرض لعقوبات قاسية، ومنها إقصاء المنتخب الوطني لكرة القدم من المشاركة في تصفيات كأس إفريقيا، وأكثر من هذا إعطاء وسائل الدعاية ضد المغرب المادة الكافية لتصويره وكأنه يهرب من تنظيم عرس كروي كبير بسبب فيروس إيبولا، الذي لا توجد دلائل قوية على احتمال أنه سيشكل خطرا كبيرا على الصحة العامة في المغرب…

ماذا تعني هذه النماذج التي سقناها من قرارات سياسية خاطئة؟ هذا معناه أن العقل السياسي المغربي مطلوب منه أن يبذل مجهودا أكبر في إنضاج القرارات، وأن يرسي آليات حديثة ومتطورة لصناعة القرار وطبخه على نار هادئة… 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

خالد العدمي التيئيسي منذ 10 سنوات

كيف تفسرون هجوم بنكيران على برلماني من حزبه فضح الفساد وقال لبرلمانييه ان النظام مد لنا يده فينبغي ان نكف عن الحديث عن الفساد والمفسدين واسند موقفه بآية تقول وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على البر والعدوان فضح الفساد اصبح اثما وعدوانا والسكوت عن الفساد اصبح برا وتقوى ارايتم ماذا تفعل الكعكة بتجار الدين

وليد بوشنتوف منذ 10 سنوات

قال الأخ "بوعشرين" في افتتاحيته:(لأن الفيلم في نهاية الأمر فيلم وقصة وإبداع، قوامه الخيال، وليس كتابا في التاريخ أو اللاهوت أو علم الكلام، حتى نؤاخذ المخرج الكبير على رؤيته الدينية أو الفلسفية أو العقائدية).يعني لو كان هذا العمل منتوجا سرديا لجاز لنا مؤاخذة صاحبه على رؤيته الدينية أو الفلسفية أو العقائدية !!! وهذا خطأ آخر وقع فيه هذه المرة الأخ بوعشرين إذ كيف يحق لنا أو لغيرنا معاتبة أو إدانة شخص بسبب منظوره هو وله فيه كامل الحق وتمام الحرية إزاء ظواهر الحياة بمختلف تلاوينها؟؟!!! وسواء عبّر عن منظوره الشخصي هذا بواسطة عمل درامي أو منتوج فكري أو تشكيل صباغي أو، أو، أو...إلخ. ففي قضية الحرية لا مجال للكيل بمكيالين.

كريط منذ 10 سنوات

مع احترامي للسيد بوعشرين فحتى لو كانت هذه قرارات خاطئة فهي بنظري أخطاء بسيطة مرتبطة فقط بالفن والرياضة على أهميتهما موضوع فضيح الملعب هو تأخير في التقرير وليس قرارا خاطئا أستاذ توفيق ما كان يناسبك أن تفرد عمودك الشيق لملاحظات بسيطة كهذه عموما إن كانت هذه هي القرارات الخاطئة للحكومة خلال السنة الفارطة فهنيئا لنا بهذه الحكومة أنا من المشجعين للبطل بن كيران

مواطن سوسي منذ 10 سنوات

السلام عليكم، رأي موفق أخي المواطن الغيور. نحن فعلا نحتاج لصحافيين يركزون على النصف المملوء من الكأس يوضحون لنا ما هي رهانات الإصلاح و يفضحون أكاذيب رعاة الفساد.

مهدي منذ 10 سنوات

مع احترامي لتحليلكم الا أن الموقف من الفلم أو مما نستورده من الغرب لا يجب أن يكون مرهونا بحكمهم علينا .بل بهويتنا التقافية التي لا يجب أن تضيع بسبب المواد الفنية و السينمائية التي نالت الكثير من أخلاق شبابنا غير المحصن, أما مسألت ايبولا فهو اجتهاد ,فحسب يحتمل الخطأ و الصواب.فلو دخل لبلدنا لندمنا كثيرا لأنه ليس بالأمر الهين الدي يمكن التساهل معه. وفقك الله أخي بوعشرين و أدام تألقك.

abdo منذ 10 سنوات

متفق معك الأخ المكي قاسمي. وشكرا للأستاذ بوعشرين.

نبيل منذ 10 سنوات

لم يكن الغاء كاس افريقيا بسبب ايبولا الامن الامن الامن هي اولوية المغرب وانا متاكد ان المسؤولين توصلوا بتقارير استخبارية مغربية وخارجية تؤكد امكانية حدوث اعمال ارهابية بالوكالة

مواطن غيور منذ 10 سنوات

أشاطرك الرأي أخي. ما نسيه السيد بوعشرين، حين قلل من إحتمال تعرض صحة المواطنين المغاربة لخطر إيبولا، هو تصور السيناريو المضاد لو كان حدث و من ثم استخلاص أين تكمن المصلحة المثلى للوطن (و هذا بالظبط دور الحكومة) على سبيل المثال، لا الحصر، مجرد إشاعة انتشار الفيروس المخيف في بلدنا كان سيضرب قطاع السياحة في مقتل. لذلك أظن أن القرار كان صائباً. نقطة أخرى أرجو من السيد بوعشرين الإلتفات لها و إعطاؤها حقها: في زمن التحولات المصيرية في تاريخ الأمم، بما تعرفه من إصرار الحرس القديم على التشبت بامتيازاته في ظل جهل المواطن البسيط، يسعى المستفيدون من الفساد المستشري قبلاً إلى تبخيس كل إجراءات الإصلاح و إلى تخوييف المواطنين البسطاء من تداعيات التغيير. لهذا من الواجب على الصحافة النزيهة (التي ترمي خيراً للوطن) أن تركز على توضيح الصورة بما يقتضي ذلك من عرض "النصف المليء" للكأس كما سماه السيد بوعشرين.

طالب صحفي منذ 10 سنوات

وظيفة الصحافة هي وصف الجزء الفارغ من الكأس.. دون إغفال أن ملأه يقعُ كذلك على عاتقها.. ! على أي حال.. دمت متألقاً

المكي قاسمي منذ 10 سنوات

شخصيا، أنا من الذين يقدرون أن الأخ والصحفي المحترم بوعشرين على قدر مميز من الحكمة المصبوغة بالتحليل الرزين. لكني ومع ذلك أخالفه الرأي بخصوص امتناع المغرب عن تنظيم الكان 2015. ذلك لأنه من أجل حماية وطن بأكمله من خطر من صنف إيبولا، فالشكوك القوية تكفي. أوليست الوقاية أحسن من ألف علاج؟

التالي