اعتبر محمد رضى أن التطبيع بين الملكية والبيجيدي تحقق منذ أن استقبل الملك بنكيران في ميدلت، واضاف المهندس والخبير في السياسات العمومية في حديث لليوم24 أت حالة الاستقرار السياسي في المغرب ليست رهينة باستمرار العدالة والتنمية في الإمساك بمقاليد الحكومة لولاية ثانية، بقدر ما هي رهينة باستيعاب منطق التناوب السياسي من طرف مختلف الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين .
{ بعد ثلاث سنوات مرت على حكومة بنكيران، هل يمكن القول ‘ن العلاقة بين القصر وحزب العدالة والتنمية وصلت إلى التطبيع النهائي؟
> العلاقة بين القصر والعدالة والتنمية وصلت مرحلة التطبيع النهائي منذ اليوم الأول الذي استقبل فيه الملك محمد السادس في مدينة ميدلت، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران، وكلفه بتشكيل حكومة هو رئيسها.
غير أن التعامل الدستوري الطبيعي للملك مع الواقع السياسي، لا يعني حتماً أن باقي الفاعلين المؤسساتيين والسياسيين كالإدارة، وبعض المؤسسات الدستورية، وبعض الأحزاب السياسية، سيتعاملون بنفس الروح الدستورية والقانونية مع رئيس حكومة منتمٍ لحزب قادماً لتوه من المعارضة. وهناك أمثلة عديدة يمكن سوقها في هذا الباب، منها مثلا:
تمرد بعض المسؤولين العموميين العلني على توجيهات الحكومة، ومهاجمة بعض المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة لرئيس الحكومة ولحزبه بما فيها وكالة المغرب العربي للأنباء المحافظة جدا على المستوى الإعلامي.
التوترات المتكررة في مجلس المستشارين بين رئيس الحكومة ومكونات هذا المجلس، والتي حادت عن اللياقة الدستورية غير ما مرة، ولا شك أن المغاربة سيتذكرون لأجيال قادمة كيف أن مستشاراً عرى عن «كرشه» في وجه رئيس الحكومة أثناء جلسة مساءلة دستورية يبثها التلفزيون على الهواء مباشرة.
تحيز بعض المؤسسات الدستورية للمعارضة ضد الحكومة في مخالفة سافرة للقانون ولقرارات المجلس الدستوري، وأعني هنا «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)» في قرارها الذي أمر ببث فقرات الإحاطة علماً لمجلس المستشارين في التلفزيون العمومي، مما اضطرت معه الحكومة إلى اللجوء إلى القضاء طالبة للإنصاف في سابقة من نوعها، وقد وافقتها المحكمة وألغت قرار «الهاكا» لمخالفته للقانون.
ناهيك عن السباب وأقذع النعوت التي يكيلها أمناء عامون لأحزاب سياسية عريقة انهزمت في الانتخابات الأخيرة، لرئيس الحكومة بشكل يومي وعلني أمام الشعب المغربي. ويشمل قاموس الشتم والسباب طيفاً واسعاً من التجريح المنكر، من الإرهاب إلى العمالة للخارج مروراً بالمروق عن الدين، وهذا كله أمر غير مسبوق في الحياة السياسية المغربية.
مما يجعل الحقل السياسي أمام تحدي ديمقراطي جدي يتمثل في استيعاب منطق التناوب السياسي قولا وفعلا. ومرة أخرى تظهر المؤسسة الملكية متقدمة جداً على باقي الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين في أدائها الدستوري.
{ رغم ذلك تحقق منذ وصول «البيجيدي» إلى الحكومة «حالة» من الاستقرار السياسي والاجتماعي، هل تتوقع استمرار العدالة والتنمية لولاية أخرى قادمة بسبب ذلك؟
> لا أعتقد أن حالة الاستقرار السياسي رهينة باستمرار العدالة والتنمية في الإمساك بمقاليد الحكومة لولاية ثانية، بقدر ما هي رهينة باستيعاب منطق التناوب السياسي من طرف مختلف الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين والإقتداء بالأداء الدستوري للمؤسسة الملكية في هذا الباب.
يجب أن تتحرر الإدارة وبعض المؤسسات الدستورية من عقدة العداء للمعارضة، والتي تشكلت تاريخيا بسبب منازعة المعارضة اليسارية السابقة للملكية في الحكم، بينما الوضع مختلف حالياً مع حزب العدالة والتنمية الذي عبر بشكل جلي من خلال أدائه سواء في المعارضة أو في الحكم عن ولائه للملكية وحساسيته المفرطة اتجاه شبهة المنازعة في الحكم.
كما أنه يتعين على الأحزاب التقليدية التي ارتاحت لتواجدها المستمر في الحكومات السابقة، والتي تعبر بشكل غير متزن عن تواجدها خارجها الآن، أن تستوعب بشكل نهائي أن عودتها للحكم مرتبطة بتجويد أدائها واستعادة ثقة الناخبين، وليس باستعداء الملكية ومؤسسات الدولة على الحزب الذي هزمها في الانتخابات. أعتقد أن الاستقرار السياسي رهين باحترام الاختيار الديمقراطي الذي جوهره يتمثل في سلامة الانتخابا
{ نلاحظ أنه كلما عبّر بنكيران عن انسجام وتناغم في علاقته بالملك، كلما ازداد هجوم المعارضة عليه، لماذا؟
> المعارضة الحالية ركنت للترهل الذي كان يعاني منه الحقل السياسي قبل الحراك الشعبي لسنة 2011، ولم تستوعب الواقع الدستوري الذي كانت المؤسسة الملكية رائدته مرة أخرى. المعارضة الحالية تُمني نفسها منذ اليوم الأول الذي استلم فيه السيد بن كيران رئاسة الحكومة بحدوث تصادم بينه وبين المؤسسة الملكية، من أجل أن تعود إلى الحكومة. وتشتغل بالليل والنهار من أجل استعداء مؤسسات الدولة على الحكومة الحالية. هذا منطق خائب. ليس لأحزاب المعارضة من حل سوى التشمير عن ساعد الجد والعودة إلى المربع الأول الذي هو ثقة الناخبين.
{ ضعف المعارضة بالشكل الذي تظهر عليه، أليس تهديدا للاستقرار السياسي المتحقق حاليا، بسبب أنه يقوي المعارضة خارج المؤسسات؟
> ضعف المعارضة الحالي لا يقوي المعارضة من خارج المؤسسات في تقديري. بل يضعف التطور الديمقراطي إذ يعطل جوهره الذي هو التناوب السياسي. بحيث لا يجد الناخب أمامه خيارات سياسية بديلة في حالة عدم رضاه عن الأداء الحكومي الحالي. وبالتالي عوض أن يبحث عن الأحسن سيبحث عن الأقل سوءاً.