قدمت وزارة الداخلية، عن طريق العامل مدير الانتخابات داخلها، تصورات كثيرة عن كيفية «خلق الأجواء المناسبة» لسير الانتخابات الجماعية، وبقدر ما حاولت أن تظهر قدرتها على إجراء الانتخابات بالطريقة الملائمة، وفي ظروف نزيهة، فإنها تحس أيضا بالإحباط العام الموجود عند الناس، وتطلب مساعدة النخب لتغيير ذلك.
حسن أغماري، العامل، مدير الانتخابات في وزارة الداخلية، قدم إلى ندوة دولية حول الانتخابات عقدها النسيج الجمعوي لرصد الانتخابات طيلة اليومين الماضيين، من دون أي أوراق معدة، فقد كانت الخطة أن تكون الاستجابة الواردة من واحد من كوادر «أم الوزارات» تفاعلية وتلقائية؛ أن يسمع الأسئلة الموجهة إليه، ويجيب عنها في الحين، كما أعلن كمال لحبيب، رئيس ذلك النسيج الجمعوي. غير أن المشاركين لم يسمعوه ما قد يُرضيه، لكنه صمم على أن يجيب عن كل شيء.
الداخلية. «أُم الانتخابات»!
هل تريد الدولة أن تكون الانتخابات شفافة؟ حسن أغماري، العامل، مدير الانتخابات بوزارة الداخلية لا يطرح أي شكوك في ذلك، ويقول: «إننا جميعا نريد أن تكون الانتخابات شفافة، وليس الدولة أو وزارة الداخلية وحدهما، وعلى الجميع أن يؤمن بأن هذا هو الطريق الوحيد المفتوح أمامنا. لا يمكن لأي شخص أن يشكك في هذه الإرادة الصلبة، لأن وزارة الداخلية لا تهمها كيف تنتهي الانتخابات؛ فهي غير معنية بالنتائج، وليفز من يستحق، وليخسر من لم يجهد نفسه كي يربح. إن وزارة الداخلية تهيئ للمسار الانتخابي من الناحية اللوجستيكية فقط، وهنا يبدأ وينتهي دورها في العملية الانتخابية، ولا يجب رميها بأي من النعوت الشائعة». ويشرح أكثر: «الدور المحدد لوزارة الداخلية هو صياغة القوانين باعتبارها من وسائل العملية الانتخابية، وهي حينما تفعل ذلك، فإنها تخضع لرقابة المحكمة الدستورية والبرلمان، وإذا ما تسرب شيء، فكونوا متيقنين من أن هاتين المؤسستين ستثيرها وستسقطها، وعلى كل حال، فإن مشروع القانون المتعلق بالجماعات الترابية ليس نصا نهائيا، بل يمكن تحسينه مستقبلا».
ويستطيع أغماري تفهم بعض الهواجس، لكن لا يرغب في أن تقيد حركة الناس: «ما علينا فعله هو أن ننظر إلى المستقبل، لا أن نبقى مسكونين بهواجس الماضي. إن هدفنا هو الرقي بالعمل السياسي وبالمشاركة السياسية، وأدعو الجميع إلى فعل كل ما يجب القيام به كي نبلغ طموحنا المشترك». على أن الهاجس الرئيس الدائر حول أدوار وزارة الداخلية يبقى مطروحا بشأن إشرافها على الانتخابات بدل هيئة مستقلة، ولكن مدير الانتخابات بوزارة الداخلية يعترض على فكرة إجراء تغيير في طبيعة المشرف على الانتخابات: «تطرح دوما الفكرة القائلة إن وزارة الداخلية يجب أن تبتعد كليا عن الملف الانتخابي، وأن تسلم مقاليد الأمور إلى هيئة مستقلة وكأنه العمل الصواب، لكن المغرب قرر ما هو مناسب بالنسبة إليه، وهو اختيار واع على كل حال، لأن القول بضرورة أن تشرف هيئة مستقلة على الانتخابات ينقصه عامل حيوي؛ أي الطرف الذي سيزودها بقاعدة البيانات وبوسائل العمل، أي الداخلية نفسها. إن تدبير الانتخابات عن طريق الإدارة لا يجعل العملية سهلة في الطعن، لكننا ربما نسترخص الأمر، حتى إننا نميل أوتوماتيكيا إلى التشكيك في أي شيء تضع وزارة الداخلية يدها عليه».
المناخ السيء.. يجب أن يتوقف!
كان على حسن أغماري أن ينبه الناس إلى أن رصد الانتخابات قد يفرغ من محتواه إذا لم يذهب أحد إلى صناديق الاقتراع: «لقد سمعت الكثير هنا، وأرى أن المشاعر المحبطة قد سادت، ونكاد نصنع مناخا عاما غير ملائم لإجراء الانتخابات.. إننا في مرحلة حث المواطنين على التسجيل في اللوائح الانتخابية، لكن كل هذا المجهود قد يضرب في الصميم إذا استولت على قلوبهم مثل هذه المشاعر. ألا تعتقدون أن الإعلان المتكرر لمثل هذه المشاعر يمكنه أن يؤثر على الانتخابات؟ اشرحوا لي من فضلكم، كيف يمكننا أن ندفع الشباب إلى المشاركة السياسية، من التسجيل حتى الترشيح فالتصويت، ونحن نقصف عقله بكل هذه الأحكام الانطباعية؟».
ويقدم مدير الانتخابات بعض الملامح عما يجب أن يعكسه عمله: «لا ننتبه عادة إلى التفاصيل الجوهرية، ونقدمها كهوامش، ولنأخذ على سبيل المثال، الفترة القانونية للتسجيل في القوائم الانتخابية؛ لقد أصبحت 60 يوما بدل 30 يوما، وهذه أول مرة يحدث فيها ذلك، لكننا لا نوليها أي اهتمام، وكأنها لا تغير شيئا. ثم انظروا إلى الموقع الإلكتروني للتسجيل؛ فقد حقق معدل ولوج هائل من لدن المواطنين المغاربة داخل البلد وخارجه، وسأقدم لكم الأرقام في وقت لاحق، لكن صدقوني، فقد كانت نسبا هامة».
ولأن الكثيرين يرون أن وزارة الداخلية لا تتصرف بالطريقة المناسبة لدفع الناس إلى التسجيل في القوائم الانتخابية، فإن أغماري ينتفض بطرح مدو: «لا أحد منا يريد ألا يسجل الناس أنفسهم في القوائم الانتخابية، لكن ماذا يمكننا أن نفعل لحثهم على فعل ذلك غير ما نفعله حاليا؟ إذا أردتم تحقيق نسبة تسجيل قياسية، ربما علينا أن نجر الناس من تلابيبهم ونسجلهم رغما عن أنوفهم. سيكون ذلك كارثيا على كافة المستويات». ويثير مدير الانتخابات بعض الأفكار القلقة من تدني نسب التسجيل ويقول: «سيطرح البعض عدة أفكار لتحسين نسب التسجيل، لكنها دوما تصطدم بالتأويل الديمقراطي للقانون، ومثلا طرح أحدهم ذات مرة التنسيق مع المديرية العامة للأمن الوطني (جهاز تابع لوزارة الداخلية) لسحب معطيات بطاقة التعريف وتسجيل الناس أوتوماتيكيا في اللوائح الانتخابية. لكن هل يمكن أن نغفر لأنفسنا فعل ذلك؟ تسجيل الناس دون علمهم؟ سنكون مسؤولين في مواجهة القانون عن استعمال المعطيات الخاصة للمواطنين من دون موافقتهم. إن الموقف الراسخ حاليا هو أن التسجيل والتصويت حق، يمكن للمواطنين ممارسته ويمكنهم التغاضي عنه، وفي كل الأحوال، لا يمكن لوزارة الداخلية، أو لأي أحد آخر كيفما كان، أن يلزم الناس به». لكن لدى أغماري طلب: «إذا كنا في وزارة الداخلية نتصرف بهذه الطريقة، كإدارة تؤمن بحرية التصرف في الحقوق، فإن النخب السياسية والمدنية يجب أن تفعل ما في وسعها كي تدفع الجهود قدما لا أن تحطمها. إن المجتمع المغربي يتلقى الرسائل والإشارات السلبية بشكل سريع وسهل، ويشرع في بناء موقف على أساسها، وقد يدمر ذلك كل المجهودات المبذولة. إن المهمة المطروحة علينا هي أن نخلق الأجواء الإيجابية لدى الناس إزاء الفعل الانتخابي، وإلا فإننا سنراوح مكاننا».
وحتى لما طرحت على مدير الانتخابات بوزارة الداخلية قضية ما إذا كانت الانتخابات مجدية، بينما السلطة الإدارية هي من تمتلك الكلمة الفصل في نهاية المطاف، فإنه لم ير أي أدلة يمكن أن تدعم مثل هذا الافتراض، وقال: «ربما هنالك حالات معزولة عن تدخل السلطة في عمل المنتخبين، لكن ما هو شائع، وما تدفع إليه وزارة الداخلية، هو ألا يتدخل رجل سلطة في عمل أي منتخب، وعلى كل حال، ليس العامل أو الباشا أو القائد هو من يصوت على ميزانية الجماعة، بل المنتخب ولا أحد غيره. إني أحس بوجود الكثير من التصميم عند الناس على إطلاق الأحكام غير المبنية وتعميمها بطريقة آلية». وقدم نموذج التصويت العلني على رؤساء الجماعات كمثال على ما يجب تغييره لمنح بعض المكان لتنفس المنتخبين بعيدا عن السلطة، غير أن أغماري يرد بالقول: «الانتخابات الجماعية ليست صعبة كما يمكن أن نتخيل؛ لكن ما هو عسير فيها هو مرحلة تشكيل الهياكل وانتخاب الرؤساء. إذا ما تجاهلنا التصويت العلني، فإننا سنمنح فرصة أخرى لمن يرغب في ضرب الأخلاق السياسية والالتزام. لا يمكن القبول بتصويت يدفع اللائحة الأولى إلى الهامش، ويجعل من الأقليات أوراقا رابحة بكل شيء. إننا نجعل القانون منصة لإقرار الالتزام السياسي، ووضع كل منتخب أمام حزبه وجها لوجه حتى آخر مرحلة من الانتخابات المحلية».
وبالرغم من أن الملاحظين الموجودين في ندوة الانتخابات، يعيبون على النص القانوني للجماعات الترابية نواقصه، إلا أن أغماري يعثر لهم على حل: «بالطبع، فإن القوانين لما توضع وتنتهي من مسارها التشريعي تطبق، ويجب أن تطبق بحذافيرها، لكننا لا نضع القوانين لوحدنا؛ فوزارة الداخلية أشرعت باب تبادل الرأي مع الفاعل السياسي في البلاد، وربما كان هنالك تقصير في هذا الجانب نحو الفاعل الجمعوي، لكن ما حدث كان ملهما، لأن الصيغة المقترحة لقانون الجماعات الترابية تطورت كثيرا بعد هذه العملية، وأصبحت لدينا صيغة معتمدة تحظى بقبول أكثر، وحتى لمن فاته أن يشارك برأيه في هذا القانون، فإن الوقت ما زال أمامه». كيف ذلك؟ يشرح مدير الانتخابات قائلا: «يمكن للجمعيات أن تُغني النقاش حول هذا القانون، ويمكنها أن تقدم طلبات وتضغط بشكل أكثر قوة كي تفرض التغيير المناسب لكلا الطرفين، ولأن هذه القوانين ستحال على البرلمان، فإن الفرصة مواتية، وعلى الجمعيات ألا تفوتها، ولا تفترضوا أن باب النقاش قد أغلق تماما».
النساء. حقوق معيبة!
في بداية الأمر، ولأن الناس تناقش معه القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب الجماعات الترابية، نأى بنفسه قليلا عن المسؤولية المباشرة عن أعطاب النص القانوني: «في وزارة الداخلية لدي مسؤولية محددة، بالطبع، فأنا بوصفي عاملا، مديرا للانتخابات، يمكنني تفسير مثل هذه القوانين، لكني لا أتحكم في طريقة صياغة القوانين التنظيمية، فهو أمر خارج اختصاصي». ومع ذلك، فإن مدير الانتخابات يستطيع أن يحاجج ضد ما يراه غير صائب عن الناس: «كل مرة طرحت سيدة فكرة أن الدائرة الإضافية المخصصة للنساء في القوانين الانتخابية، وكأنها انتقاص من قدرها، أحسست بالألم. لا أستطيع أن أتفق مع مثل هذه التقييمات البتة. وعلى العكس، يمكنني أن أكون صريحا معكم وأقول إن الدائرة الانتخابية الإضافية أكثر شرعية من الدائرة العادية، والسيدة المرشحة في الدوائر القروية أكثر شرعية من الرجل هنالك. إن المرشحة في هذه الحالات تكتسب شرعية تصويت الجميع، وليس تصويت دائرة فردية واحدة»، ثم يعلن: «لا يجب عليكن أن تتعاملن مع هذه القوائم وكأنها هبات. لم يهب أحد شيئا لكُنّ، لأن حقوقكن السياسية غير منقوصة، حتى وإن حاول البعض أن يتعامل معكن باستعلاء، وما يجب أن تفعلوه هو أن تطرحن الإشكالات المحلية على صعيد جماعتكن، وأن تظهرن المقدرة السياسية على فعل ما لا يستطيع رجل قادم من دائرة فردية فعله». وحاول مدير الانتخابات أن يظهر مواقف أفضل إزاء قضية النساء، فقال: «إذا أردتم قناعتي بشأن هذه المسألة، فدعوني أقول لكم، بصفتي الشخصية لا بصفتي مديرا في وزارة الداخلية، إن النساء كما أظهرت التجربة أكثر اتزانا في العملية السياسية، وأكثر نجاعة في الفعل الجماعي، ويمكنني الجزم بأن تجاربهن في العمل السياسي كانت ناجحة».