لم يتغير القانون الذي ينظم النظر في حوادث الشغل منذ خمسة عقود سوى مرة واحدة وبشكل جزي لم يمسس جوهر ذلك القانون. ولكن مع قدوم حكومة عبد الإله بنكيران تمت إعادة النظر في هذا القانون برمته. ونعرض هنا لأهم مستجداته.
بعد خمسين عاما، خرج إلى النور نص قانوني يراجع بكيفية شاملة كل المساطر المرتبطة بالتعويض عن حوادث الشغل. ومنذ 1963، حينما وضع القانون في عهد الوزير الأول أحمد باحنيني، لم يُعد النظر في القانون سوى مرة واحدة، وبصفة جزئية لم تشمل سوى ست مواد من أصل 361 مادة يتضمنها القانون المذكور. كان ذلك في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي، وكانت سلة التعديلات تلك من بين آخر ما وقع عليه اليوسفي قبل خروجه بشكل نهائي من الحكومة. وتضمن حينها التنصيص على إجبارية التأمين بالنسبة إلى المشغلين المطبق عليهم نظام الضمان الاجتماعي، وهو ما لم يكن موجودا من قبل بالمغرب.
طوى القانون مسافة طويلة من التعقيدات المرتبطة بالتشريع، فقد كان مشروعا لحكومة عباس الفاسي، وتركه وزيره في التشغيل آنذاك، جمال أغماني، جاهزا، ولما خرج في نياير 2012 من منصبه، كان قانون التعويض عن حوادث الشغل أول قانون يتحرك لتنفيذ المخطط التشريعي لحكومة عبد الإله بنكيران. وصادق عليه المجلس الحكومي في 22 مارس 2012، وبعدها بعامين، صادق عليه مجلسا البرلمان في 23 دجنبر 2014.
رفع التعويضات
تطرح حوادث الشغل دوما الإشكالات المرتبطة بمقدار التعويض، لأن القانون المعتمد كان متقادما، ويتضمن تصورا ماليا يعود إلى ستينيات القرن الفائت، وبالرغم من تعديله جزئيا بشكل طفيف في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، إلا أن حجم التعويض لم يمسسه المقص حتى الآن. ويظهر أن حجم التعويض يخلق مشاكل رئيسية بالنسبة إلى الأطراف المتدخلة في منظومة التعويض عن حوادث الشغل، أي المؤمنين والمشغلين بالدرجة الأساسية، لكن، وإن لم يغير القانون الجديد الشيء الكثير في التحديدات الرئيسية للتعويض، إلا أن دفع التعويضات نحو الأعلى يظهر بشكل جلي في القانون. وهكذا، فقد أقرّ تعويض الأجراء يوميا خلال العجز المؤقت، بثلثي أجرهم اليومي المعتاد. لكنه رفع من حجم التعويض في حالة اضطرار الأجير بعد عودته إلى العمل لزيارة الطبيب المعالج، فأصبح ثلثا الأجر اليومي بدل النصف كما هو في القانون القديم، كما أن كل غياب دام ساعتين في يوم العمل، للسبب نفسه، لا يرتب خصما من أجره ولا سنتيما واحدا، بينما القانون القديم كان يحدد فترة الغياب قبل تطبيق الخصم في ساعة واحدة فحسب. ولم يتغير أي شيء فيما يخص كيفيات تقدير التعويض ومكوناته.
لكن ما يبرز كاختلاف جوهري بين القانونين القديم والجديد، هو حجم الإيراد –أو المدخول- الذي سيدفع للأجراء الذين يتعرضون لحوادث شغل تصيبهم بحالة عجز دائم. وهكذا، فإن الإيراد المخصص للأجراء في هذه الحالة يساوي الأجرة السنوية مضروبة في نسبة العجز المحددة، وتكون هذه النسبة إما محسوبة بالنصف، إذا لم يتعدى العجز 30 في المائة، أو 15 في المائة زائد الجزء الذي يتعدى 30 في المئة مضاف إليه نصف هذا الجزء بالنسبة للعجز المحدد ما بين 30 و50 في المائة، فيما تضرب في نسبة عجز تساوي 45 في المائة زائد الجزء الذي يتعدى 50 في المائة بالنسبة للعجز الذي يتجاوز 50 في المائة. ولم يكن القانون القديم يحدد هذه الكيفيات في التعويض بصفة نهائية، وترك لمقرر صادر عن وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية تحديد مقدار التعويض.
ورفع القانون الجديد أيضا من حجم الإيراد الذي سيدفع لذوي الأجراء المتوفين بسبب حادث شغل، وبعدما كان نص 1963 يفرق بين الزوج المتوفى عنه، المستحق للتعويض، بين من يبلغ ستين سنة، وبين من يقل عمره عن ستين عاما، ففرق بينهما في حجم الإيراد ما بين 30 في المائة و50 في المائة من الأجرة السنوية للهالك، فإن القانون الجديد حدد الإيراد في 50 في المائة بدون أي تمييز، كما رفع القانون الجديد من حجم الإيراد الممنوح لأرامل الهالك، فأصبح 50 في المائة من أجرته السنوية بدل 30 في المائة، على أن يقسم بينهن بالتساوي.
ورفع القانون الجديد أيضا من الإيراد الممنوح لليتامى، ولم يحصرهم في الفئة العمرية لأقل من 16 عاما، بل وأضاف إليهم من لا يتجاوز عمرهم 21 عاما إذا كانوا يتابعون تدريبا مهنيا، أو 26 عاما لمن يتابعون دراستهم بالمغرب أو الخارج، ودون حد للسن بالنسبة لليتامى في وضعية إعاقة. ولم يكن القانون القديم يتحدث عن هذه التصنيفات بالمرة.
وقدر القانون الجديد الإيراد الممنوح لليتامى في نسبة 20 في المائة من الأجرة السنوية إذا تعلق الأمر بولد واحد (15 في المائة في القانون الجديد)، و30 في المائة إذا تعلق الأمر بولدين، و40 في المائة إذا تعلق الأمر بثلاثة أولاد، وهو التقدير نفسه المحدد في القانون القديم. ورفع القانون أيضا من الإيراد المخصص لكل ولد فقد أبويه معا بسبب حادث الشغل، أو أصبح يتيما بعد فقدانه لواحد منهما في الحادث، ثم فقد الثاني قبل أن يصل إلى السن القانونية، وسيحصل على إيراد يبلغ 30 في المائة من الأجرة السنوية لضحية حادث الشغل، بعدما كان محددا في 20 في المائة فقط في القانون القديم.
وزاد القانون أيضا في الإيراد الممنوح للأصول، وهكذا يصبح من حق واحد من الأصول أو الكافلين يكون وقت وقوع الحادث في كفالة الهالك، إيراد عمري يساوي 15 في المائة من الأجرة السنوية للهالك، بدل 10 في المائة كما كانت في القانون القديم.
عقوبات لشركات التأمين
يعاقب بغرامة من 50 ألف إلى 100 ألف درهم كل من امتنع عن إبرام عقد التأمين لصالح الأجراء، وهو مقتضى جاء به تعديل 2002. لكن القانون الجديد رفعه بعدما كان من 2000 إلى 100 ألف درهم.
وأعاد القانون الجديد صياغة نظام العقوبات بشكل كلي، فأصبح يعاقب شركات الـتأمين بغرامة من 20 ألف إلى 50 ألف درهم لعدم قيامها بتقديم عروض المصاريف والتعويضات للمصاب أو لذوي حقوقه داخل الأجل المنصوص عليه في القانون، أو عدم قيام المشغل أو شركة التأمين بأداء التعويضات أو الإيرادات لذوي الحقوق بعد انصرام أجل الثلاثين يوما الموالية لتاريخ التوقيع على محضر الصلح. وكان القانون القديم يعاقب شركات التأمين بغرامة تقدر نسبتها ب2 في المائة عن كل شهر تأخير في أداء التعويضات، على ألا تقل الغرامة عن خمسين درهما، كما كان يعاقبهم عن مخالفات عدم أداء التعويضات بغرامات تتراوح ما بين 120 درهما إلى 1200 درهم. ويعاقب القانون الجديد المشغلين بغرامة ما بين 10 آلاف إلى 50 ألف درهم عن عدم التصريح بحادثة الشغل، وهي مخالفة كان يعاقب عليها القانون القديم بغرامة يتراوح قدرها ما بين درهم واحد إلى 18 درهما. وتسري العقوبة نفسها، حسب القانون الجديد، على كل مشغل لا يودع الشواهد الطبية لدى مصالح التأمين، أو لا يسلم للمصاب أو لذوي حقوقه الشواهد المطلوبة لحالته، أو عدم إيداعه أو موافاته للمدير الإقليمي للتشغيل بنسخة من التصريح بالحادثة وبالشواهد الطبية المرفقة. وحتى عدم إلصاق نسخة من هذا القانون في المؤسسة يعاقب عليه القانون بالغرامة نفسها، بعدما كان القانون القديم يعاقب عليها بغرامة تتراوح ما بين درهم واحد و18 درهما.
ويلاحظ الفرق الشاسع بين العقوبات الواردة في القانونين القديم والجديد في الغرامات المطبقة على كل مشغل يباشر اقتطاعات من أجور أجرائه أو مستخدميه للتأمين عن حوادث الشغل، أو للتخفيف من التكاليف التي يتحملها وفق القانون، أو كل من يحاول منهم الإخلال بحق المصاب في اختيار طبيبه عن طريق تهديده بالفصل، أو فصله فعليا، أو حرمانه، أو تهديده بالحرمان من المصاريف والتعويضات المستحقة. وقد كان القانون القديم يعاقب على هذه الأفعال بغرامة تتراوح ما بين 40 درهما و720 درهما، وتصل في حالة العود إلى ما بين 1200 درهم و 4800 درهم. لكن القانون الجديد رفعها لتصبح ما بين 200 درهم إلى 20 ألف درهم، بينما ضاعفها في حالة العود. وتسري هذه الغرامات على كل صيدلي أو طبيب جلب مصابين في حوادث شغل إلى عيادته أو إلى صيدليته ومس بهذا الفعل بحرية الاختيار، عن طريق الوعد بتسليم نقود أو بالتخفيض من مبلغ الأتعاب الطبية، أو من ثمن المنتجات الصيدلية لفائدة المصابين أو المؤمنين أو المشغلين. كما يعاقب بالغرامة نفسها كل طبيب يعمد إلى تحريف عواقب الحادثة في الشهادات المسلمة من لدنه، أو عمد إلى طلب ثمن فحوصات لم ينجزها. كما يعاقب القانون بالغرامة نفسها كل من أثر أو حاول التأثير بالوعد أو التهديد على شاهد في حادثة شغل لتزييف الحقيقة، أو أخفى الحقيقة أو ساعد على ذلك. وأسقط القانون الجديد العقوبات الحبسية التي كانت مطبقة على المشغلين والمؤمنين والأطباء والصيادلة الذين يتورطون في هذه الأفعال كما كان الحال في القانون القديم.
ورفع القانون الجديد أيضا من قدر الغرامات المطبقة على كل من يرتكب غشا، أو يقدم تصريحا مزورا للاستفادة من المصاريف أو تعويضات غير مستحقة، أو العمل أو محاولة العمل على الاستفادة منها، وأصبحت الغرامة حاليا تتراوح ما بين 2000 درهم إلى 20 ألف درهم، بعدما كانت في القانون القديم تتراوح ما بين 240 درهما إلى 4800 درهم.
قاعدة الأجر.. زمن باحنيني وزمن بنكيران
في مرسوم صادر في 1964، وقع محمد با حنيني حد الأجر السنوي المتخذ أساسا لاحتساب الإيرادات الممنوحة لضحايا حوادث الشغل، وكان ينص على أن الأجرة السنوية الدنيا البالغ قدرها 1830 درهما المحددة فيما قبل، إما لتقدير الإيرادات، وإما لتقدير الزيادات والمنح المالية، وإما بمثابة مقدار أدنى للزيادة الواجب تخويلها للمصابين بحوادث الشغل اللاحق بهم عجز كلي يضطرهم إلى الاستعانة بشخص آخر للقيام بأعمال الحياة العادية. ثم حدد مقدار 8325 درهما للأجرة غير القابلة للتخفيض حسب مساطر التعويض عن حوادث الشغل، على أن تتطور هذه الحدود الدنيا لقاعدة الأجر حسب تطور الزيادة في الأجر.
وبعده بخمسين عاما، صدر مقرر لوزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، عبد السلام الصديقي، ليعيد النظر في طريقة احتساب الإيرادات الممنوحة لضحايا حوادث الشغل، البالغة نسبة عجزهم 10 في المائة على الأقل. وحسب مقرر الوزير، فإن الأجر السنوي الذي على أساسه تحتسب الإيرادات لا يجب أن يقل عن 29 ألفا و400 درهم يطبق بأثر رجعي من فاتح يوليوز 2014، و 30 ألفا 796 درهما يطبق ابتداء من فاتح يوليوز 2015. كما حدد الأجر السنوي المتخذ أساسا لاحتساب الإيرادات الممنوحة لضحايا حوادث الشغل في حالة وفاتهم في 127 ألفا و680 درهم..