هل للعرب من مستقبل؟

14 فبراير 2015 - 19:20

إلى أين يذهب العالم العربي؟ إلى أين نحن سائرون في هذه الرقعة الجغرافية التي تتمزق يوما بعد آخر؟ ما هي القوى التي ستتحكم في مستقبل 22 بلدا عربيا، هذا إذا بقي العالم العربي في حدود هذا الرقم؟ 

يقول ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية، هنري كيسنجر: «في السياسة الدولية لا توجد أخبار جديدة، هناك فقط تحليلات جديدة». هذا معناه أن الذي يتغير في الساحة الدولية هو موازين القوى، وتصور كل قوة لمكانتها وفهمها وإدارتها للتأثير في محيطها وفي العالم. 

إذا أطللنا على العالم العربي من فوق نلحظ خمسة عوامل ستحدد مستقبله، وهي بالترتيب:

أولا: قائمة الدول الفاشلة ستزداد في العالم العربي سنة بعد أخرى. هناك اليوم سبع دول فاشلة بتفاوت صغير وهي: الصومال والعراق وليبيا وسوريا واليمن ولبنان والسودان. كل عام تصدر مراكز بحث واستراتيجيا كثيرة في الغرب قوائم للدول الفاشلة أو تلك المرشحة لأن تكون فاشلة، ومصطلح دولة فاشلة ليس حكم قيمة، بل هو شبكة معايير لقياس صحة الأحوال في أي بلد (تصبح الدولة فاشلة إذا ظهر عليها عددٌ من الأعراض، أولها أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها، أو أن تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها. وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها. وثالثها، عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة. ورابعها، عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية).

الجزائر ومصر والبحرين والأردن كلها دول معرضة غدا لأن تصبح دولا فاشلة بعد سنة أو سنتين أو أكثر، مادامت العملية السياسية فيها متعثرة، والموارد شحيحة، والفوارق الاجتماعية كبيرة، والإصلاح مؤجلا، والاضطرابات تزداد، والتطرف يتسع… 

ثانيا: القوى الإقليمية الكبرى المرشحة للتأثير في العالم العربي، وخاصة الشرق الأوسط، كلها قوى غير عربية. إيران وإسرائيل وتركيا هي اللاعب الأكبر اليوم في الشرق الأوسط. سيزداد التأثير الإيراني مع تقدم المفاوضات حول البرنامج النووي مع الغرب، وسيزداد نفوذ طهران في المنطقة العربية، وجله نفوذ مهموم ببناء هلال شيعي يدعم أحلام عودة الإمبراطورية الفارسية قبل أي شيء آخر. وسيزداد نفوذ إسرائيل في المنطقة وتحالفاتها مع الأنظمة القائمة كلما ازداد إلحاح المجتمعات العربية على الإصلاح الديمقراطي وعناد الأنظمة. أما تركيا، فإن نجاحاتها الاقتصادية وحاجتها إلى الطاقة ستدفعها إلى دور إقليمي كبير في العالم العربي. المهم أن أهل الدار غائبون أو مغيبون عن دورهم في صراعات الإقليم. 

ثالثا: التطرف والعنف وعدم الاستقرار والحرب مربع يطوق وسيطوق المنطقة لسنوات مقبلة. القاعدة والنصرة وداعش وعشرات التنظيمات الدينية العنيفة صارت لاعبا رئيسا في العالم العربي، تضعف هنا لتقوى هناك، والمشكلة أن الحرب كعلاج وحيد يزيد من انتعاش الإرهاب. رأينا ذلك في أفغانستان والعراق واليمن وسوريا، ففي كل هذه الدول أدت الحرب الأمريكية على القاعدة ثم داعش الآن إلى المزيد من تمددها وانتشارها وتفريخها لتنظيمات أكثر راديكالية (كالذي يستجير بالرمضاء من النار). الإرهاب سيستمر مادامت أسبابه مستمرة، والعنف لن يتوقف نموه في العالم العربي مادامت التربة السياسية صالحة والمناخ الاقتصادي والاجتماعي نموذجيين… 

رابعا: سيتراجع اهتمام أمريكا وأوربا في السنوات المقبلة بالسياسة وتعقيداتها وتفاصيلها في المنطقة العربية، وسيزداد الاهتمام بالاقتصاد والأسواق والطاقة. ستترك أمريكا مكرهة تدبير التوازنات في المنطقة للقوى الإقليمية (رأينا مثلا أن الدور الإماراتي والسعودي والإسرائيلي في الأزمة المصرية ورعاية الانقلاب العسكري كان أكبر من دور أمريكا وأوروبا). هذا، من جهة، سيعطي بعض الدول العربية هامشا للحركة، لكنه في الوقت نفسه سيفتح المجال أكبر للقوى الإقليمية لأن تلعب أدوارا أكبر على حساب العرب المشغولين بالتصدي للربيع العربي وآثاره…

خامسا: سندفن في السنوات المقبلة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي… وكل المنظمات الإقليمية العربية التي ماتت أو تكاد ولم تدفن بعد، وهذا طبيعي لأن الأنظمة العربية لم يعد يجمعها شيء، لا تضامن ولا تعاون ولا اعتماد متبادل ولا رؤية موحدة للأمن القومي أو للمصالح أو للحلفاء في الداخل والخارج، دعك من الوحدة والاتحاد، فحتى فلسطين وقضيتها صارت موضوع خلاف عربي، ولم تعد نقطة التقاء الدول العربية (السيسي وفريقه اليوم يكرهون حماس أكثر من بعض الأحزاب في إسرائيل). هذا الوضع سيضعف الدول العربية كلها في عالم يتجه نحو التكتل والتنسيق والاتحاد، وسيجعل هذه البلدان مفعولا بها لا فاعلة…

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Abou Kaouthar منذ 8 سنوات

مقدمة ابن خلدون: القوي يفرض شروطه على الضعيف.....أبو كوثر

خالد منذ 8 سنوات

هناك امل: 1-أن تنتظم قوى جديدة تحت اسم: ((حركة النهوض للشعوب العربية الامازيغية الكردية ...)) تستفيد من كل ما مضى من تجارب :2- تنشأ أولا على شكل لجنة تسمى اللجنة العربية الامازيغية الكردية ...)) للديمقراطية. تجنمع هذه اللجنة من 22 رجلا وامرأة. تصيغ برنامجين احدهما مرحلي والآخر استراتيجي. كل عضو في هذه اللجنة يشرف على لجنة محلية في بلده ويشكل لجنة محلية يكون عدد مسؤوليها بعدد اقاليم أو محافظات أو عمالات إلخ...البلد الذي ستتكون فيه هذه اللجنة3- يتم تطبيق البرنامج المرحلي والذي يتم بموجبه الضغط على السلطة القائمة من أجل دمقرطة الحكم المحلي اولا. ينبغي االوصول اولا الى نفس المستوى الذي وصلت اليه تونس الآن. أولا. إلخ إلخ إلخ من الخطوات التي يكون هدفها اقامة نظام فيديرالي عربي امازيغي كردي إلخ .. اللحظة مواتية جدا لاقامة مثل هذا المشروع مواتية لان امريكا واوروبا هما بصدد الوقوف على حالة ضعف غير مسبوق في القرون الماضية. والقوى الاقليمية التي تحدث عنها مقال توفيق لم يستتب لها الامر بعد بما فيها اسرائيل نفسها. الفكرة التي اقترحها جنينية ولا يتسع هنا المقام للتفصيل فيها لا ترفضوها لا تتسرعوا في رفضها قبل ان ترفضوها فكروا فيها ثم ارفضوها اما قبلتموها فانكم ستغنوها او ستحورونها كليا المهم فكروا فيها وفي جدارتها العرب الامازيغ الاكراد ... في مأزق وكذلك انظمتهم وكذلك القوى العظمى نفسها اللحظة مواتية للقيام بحركة جديدة تستفيد من نكسات الماضي بجميع نكساته....

مهاجر عقليا منذ 8 سنوات

قبل عقود قليلة كان العرب يقبعون تحت السيطرة المباشرة للمستعمر كخدم وحطب للحروب وقبلها تحت سطوة الاتراك كعبيد في احسن الاحوال مصر استأجرت المماليك ليقاتلوا نيابة عنها فحكموها قرنين من الزمن في النصف الاول من القرن الماضي كان القمل والجوع والاوبئة تعشش بين العرب وتقتل منهم بما لا يعد ربما يبدو الوضع مأساويا الان لكن بتوسيع النظرة قد يبدو الامر طبيعيا للاسف شىء ما في عقلنا الجمعي لا يرتاح الا في الحضيض اتمنى ان اكون مخطئا

عربي حر منذ 8 سنوات

الضعف العربي منتوج غربي ولا يمكن للعرب النهوض مادام الغرب يتحكم في الانظمة العربيةويضمن بقاؤهم مقابل تدليل الشعوب وكبح التنمية والانظمة لا خيار امامهم اما البقائ المشروط اوالرحيل المدلول

ألأنصازي منذ 8 سنوات

الوضع العربي الحالي هو نتاج العمل الضعيف الذي يميزه. مقارنته بالدول المتقدمة يظهر عدم مواكبته للدينامية التنموية التي تعرفها هذه الدول.هذه الوضعية المأساوية التي وصل اليها العالم العربي سببها بالأساس حكامه. أهداف الشعوب و حكامهم لا تتلاقى أبدا، بل اكثر من هذا يمكن أن تكون متناقضة في باطنها رغم ما يصرح به ظاهريا.الكفاءات التي ميزت و تميز بعض الحكام العرب لا تؤهلهم لتسيير شوؤن هذه البلدان. هذا الضعف يجعلهم يلجاوؤن الى تدمير كل من يعارض توجهاتهم التي تكون غالبا منافعها شخصية و ليست وطنية. طريقة حكمهم جعلت الانتهازيين والمنافقين أعيان و أسياد هذه المجتمعات بينما الشرفاء و الغيورين على تطور و تقدم هذه البلدان مهمشين و منبودين.

المكي قاسمي منذ 8 سنوات

في العصر الحديث، أي عصر الديمقراطية بالأساس، يصعب استشراف أي مستقبل مشرق ومشرف بالنسبة للعرب، وذلك للفظ هؤلاء للديمقراطية كنظام سياسي، ولست أدري شخصيا إن كان ذلك يعود لثقافة العربب أم لطبيعتم وهذا أفدح. على كل حال، نتمنى أن يكتمل النموذج التونسي ويعطي الثمار المرجوة على صعيد الواقع، عسى ذلك يقنع الغير من العرب بأن بوابة الدخول إلى فضاء العصر الحديث وما يطرحه من تحديات هي الديمقراطية وما تعنيه من حوار وتشارك وتوافق

مغربي حر منذ 8 سنوات

لقد عم الظلم في العالم و تسونامي القادم لن يستتني لا العرب و لا أمريكا ولا أوروپا ولا أي منطقة في العالم