إلى أين يذهب العالم العربي؟ إلى أين نحن سائرون في هذه الرقعة الجغرافية التي تتمزق يوما بعد آخر؟ ما هي القوى التي ستتحكم في مستقبل 22 بلدا عربيا، هذا إذا بقي العالم العربي في حدود هذا الرقم؟
يقول ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية، هنري كيسنجر: «في السياسة الدولية لا توجد أخبار جديدة، هناك فقط تحليلات جديدة». هذا معناه أن الذي يتغير في الساحة الدولية هو موازين القوى، وتصور كل قوة لمكانتها وفهمها وإدارتها للتأثير في محيطها وفي العالم.
إذا أطللنا على العالم العربي من فوق نلحظ خمسة عوامل ستحدد مستقبله، وهي بالترتيب:
أولا: قائمة الدول الفاشلة ستزداد في العالم العربي سنة بعد أخرى. هناك اليوم سبع دول فاشلة بتفاوت صغير وهي: الصومال والعراق وليبيا وسوريا واليمن ولبنان والسودان. كل عام تصدر مراكز بحث واستراتيجيا كثيرة في الغرب قوائم للدول الفاشلة أو تلك المرشحة لأن تكون فاشلة، ومصطلح دولة فاشلة ليس حكم قيمة، بل هو شبكة معايير لقياس صحة الأحوال في أي بلد (تصبح الدولة فاشلة إذا ظهر عليها عددٌ من الأعراض، أولها أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها، أو أن تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها. وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها. وثالثها، عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة. ورابعها، عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية).
الجزائر ومصر والبحرين والأردن كلها دول معرضة غدا لأن تصبح دولا فاشلة بعد سنة أو سنتين أو أكثر، مادامت العملية السياسية فيها متعثرة، والموارد شحيحة، والفوارق الاجتماعية كبيرة، والإصلاح مؤجلا، والاضطرابات تزداد، والتطرف يتسع…
ثانيا: القوى الإقليمية الكبرى المرشحة للتأثير في العالم العربي، وخاصة الشرق الأوسط، كلها قوى غير عربية. إيران وإسرائيل وتركيا هي اللاعب الأكبر اليوم في الشرق الأوسط. سيزداد التأثير الإيراني مع تقدم المفاوضات حول البرنامج النووي مع الغرب، وسيزداد نفوذ طهران في المنطقة العربية، وجله نفوذ مهموم ببناء هلال شيعي يدعم أحلام عودة الإمبراطورية الفارسية قبل أي شيء آخر. وسيزداد نفوذ إسرائيل في المنطقة وتحالفاتها مع الأنظمة القائمة كلما ازداد إلحاح المجتمعات العربية على الإصلاح الديمقراطي وعناد الأنظمة. أما تركيا، فإن نجاحاتها الاقتصادية وحاجتها إلى الطاقة ستدفعها إلى دور إقليمي كبير في العالم العربي. المهم أن أهل الدار غائبون أو مغيبون عن دورهم في صراعات الإقليم.
ثالثا: التطرف والعنف وعدم الاستقرار والحرب مربع يطوق وسيطوق المنطقة لسنوات مقبلة. القاعدة والنصرة وداعش وعشرات التنظيمات الدينية العنيفة صارت لاعبا رئيسا في العالم العربي، تضعف هنا لتقوى هناك، والمشكلة أن الحرب كعلاج وحيد يزيد من انتعاش الإرهاب. رأينا ذلك في أفغانستان والعراق واليمن وسوريا، ففي كل هذه الدول أدت الحرب الأمريكية على القاعدة ثم داعش الآن إلى المزيد من تمددها وانتشارها وتفريخها لتنظيمات أكثر راديكالية (كالذي يستجير بالرمضاء من النار). الإرهاب سيستمر مادامت أسبابه مستمرة، والعنف لن يتوقف نموه في العالم العربي مادامت التربة السياسية صالحة والمناخ الاقتصادي والاجتماعي نموذجيين…
رابعا: سيتراجع اهتمام أمريكا وأوربا في السنوات المقبلة بالسياسة وتعقيداتها وتفاصيلها في المنطقة العربية، وسيزداد الاهتمام بالاقتصاد والأسواق والطاقة. ستترك أمريكا مكرهة تدبير التوازنات في المنطقة للقوى الإقليمية (رأينا مثلا أن الدور الإماراتي والسعودي والإسرائيلي في الأزمة المصرية ورعاية الانقلاب العسكري كان أكبر من دور أمريكا وأوروبا). هذا، من جهة، سيعطي بعض الدول العربية هامشا للحركة، لكنه في الوقت نفسه سيفتح المجال أكبر للقوى الإقليمية لأن تلعب أدوارا أكبر على حساب العرب المشغولين بالتصدي للربيع العربي وآثاره…
خامسا: سندفن في السنوات المقبلة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي… وكل المنظمات الإقليمية العربية التي ماتت أو تكاد ولم تدفن بعد، وهذا طبيعي لأن الأنظمة العربية لم يعد يجمعها شيء، لا تضامن ولا تعاون ولا اعتماد متبادل ولا رؤية موحدة للأمن القومي أو للمصالح أو للحلفاء في الداخل والخارج، دعك من الوحدة والاتحاد، فحتى فلسطين وقضيتها صارت موضوع خلاف عربي، ولم تعد نقطة التقاء الدول العربية (السيسي وفريقه اليوم يكرهون حماس أكثر من بعض الأحزاب في إسرائيل). هذا الوضع سيضعف الدول العربية كلها في عالم يتجه نحو التكتل والتنسيق والاتحاد، وسيجعل هذه البلدان مفعولا بها لا فاعلة…