الموساوي العجلاوي: داعش استفادت من الفراغ والفوضى فحولتهما إلى مشروع مجتمع جديد

23 فبراير 2015 - 23:30

‭{‬ هل يمكن وضع صورة للظاهرة الجهادية، وأسباب قوة هذه الظاهرة؟

< يجب التمييز داخل الظاهرة الجهادية بين مستويين للخطر، أولاهما وجود حاضنة لولادة وتطور وتغول هذه الظاهرة، وثانيهما سقوط «قذائف» بين الفينة والأخرى على دول لها ارتباط جغرافي أو مذهبي أو عاطفي ببؤر التوتر في الشرق الأوسط. داعش و«الخلافة الإسلامية» نتاج للتدمير السريع والصراع الحاد المتعدد الأطراف في المشرق.. حل «الربيع العربي» في العام 2011، وانتقل جزء من العالم العربي من النظام السلطوي إلى النظام الفوضوي المطلق، وأثبت عجزه عن إنتاج مجتمع متعدد الإثنيات والتمذهبات والتدين، مجتمع ديمقراطي يقبل بالاختلاف وبحق الآخر بالوجود، فعم الحوار بالرصاص. إنه الفراغ الذي حولته داعش إلى «مشروع مجتمع جديد».

‭{‬ كيف تقوى ما يسمى بـ«تنظيم الدولة الإسلامية»؟

< تقوت داعش لأن إشكال سوريا تحول إلى ورقة صراع بين العالم السني والشيعي، فتمت عملية تقوية عضلات «القاعدة في العراق»، ودفع بها إلى الحدود السورية من جهة محافظة الأنبار، وأطلق سراح قادة السلفية الجهادية في سوريا، وبعدما كانت جبهة النصرة تستأسد على النظام السوري والجيش الحر، برزت داعش، «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، في فبراير 2014، وفرضت الوحدة بين الشام والعراق بالقوة، ورفضت جبهة النصرة هذا «الدمج التعسفي»، فذُبح عدد من قياداتها، واستولت داعش على الرقة ودير الزور.. ومادامت معادلات الشرق الأوسط تتعقد، وتوظيف الجهادية مستمر في صراعات الشرق الأوسط، ستبقى الظاهرة الجهادية قائمة وستتجه نحو الأسوأ.

في هذا السياق العام هناك قوتان في الشرق الأوسط تستفيدان من تعقد المشهد الشرق الأوسطي، هما إسرائيل وإيران، والولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن حلول استراتيجية للبحث عن التوافق بين القوتين من خلال الورقة السورية والملف النووي وأشياء أخرى. هذه الأشياء كلها تفسر أن داعش والحركات الجهادية تقتات من الصراعات المتعددة الأشكال والألوان والتوظيفات الظاهرة والمعلنة.

‭{‬ إذا كان التنظيم لا يتوفر على حاضنة في المغرب، فإن ماكينة التجنيد مازالت تشتغل، ألا يعتبر هذا مدعاة للقلق؟

< أولا: لا توجد في المغرب المعادلات التي تحدثنا عنها، فما يربط داعش بجهاديي المغرب هو قوة الجذب التي يمارسها هذا التنظيم في العالم، قوة تستهدف المهمشين والمحرومين ومناطق جغرافية معينة مرتبطة بالتهريب، أي المجالات التي تغيب فيها الدولة لسبب أو لآخر، كما أن وجود الثغرين سبتة ومليلية خارج السيادة المغربية يقوي من هذه الظاهرة. إذن، استقطاب المغاربة بوتيرة عالية إلى تنظيم داعش شيء، وبروز الظاهرة الجهادية في المغرب شيء آخر. من المؤسف أن المسؤولين المغاربة يتعاملون مع الظاهرة الجهادية من جانب تقني، أي الوقوف عند حملة الاعتقالات والبيانات دون الغوص في الخلفية السياسية والمجتمعية للظاهرة. أرى من الضروري التمييز بين هذين المستويين.

ثانيا: المغرب محصن من الناحية الدينية بوجود «إمارة المؤمنين» التي تقطع الطريق أمام فوضى الفتاوى المستقطبة، كما أن تدبير الحقل الديني يقفل الباب أمام استغلال المساجد والجمعيات لاستقطاب الشباب إلى الجماعات الجهادية. الجانب المهمل في هذه المقاربات جميعها هو وضع المواطن في عمق المعادلة الأمنية، علما أنه بالمغرب يُجَند المقاتلون و«المهاجرون» عن طريق سبتة ومليلية والأنترنت.

ثالثا: كثرة الحديث عن الاعتقالات والفيديوهات التي تتوعد المغرب، وتهافت الإعلام على ترديد ذلك، حفر صورة التهديد في وعي الرأي العام المغربي. ويمكن أن نقر بما يلي: التهديدات الهيكلية غير موجودة، أما التهديدات العابرة فهي قائمة، علما أن هناك من يروج أن المغرب مهدد وغير مستقر، وذلك لحسابات إقليمية.

رابعا: تطرح السياقات الراهنة والأحداث الأخيرة لتحركات التنظيمات الجهادية في شمال إفريقيا، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية، مخاوف كثيرة من وصول هذا التنظيم إلى المغرب. إلى أي حد يمكن أن يجيب التحليل السياسي عن هذه الهواجس؟ وما العمل من أجل تحصين الوعي الفردي والجماعي ضد الدعاية المتطرفة بالمغرب؟

في شهر دجنبر الأخير بعدما أحس البغدادي بأن رؤوسا أينعت وحان قطافها، طلب من جميع مناصريه في شمال إفريقيا والساحل الالتحاق بليبيا، وبدأت ولايات الخلافة في الظهور من برقة إلى طرابلس ثم سرت الذي اكتشف فيها العالم، من خلال عملية ذبح العمال المصريين، أن «خلافة البغدادي» وصلت إلى حوض البحر المتوسط.

هذا السياق يهدد المنطقة برمتها، علما أن الجنوب الليبي قنبلة هيدروجينية كبيرة، لا أحد يعلم متى ستنفجر. الخطر قائم في منطقة الساحل والصحراء.. هذه هي التهديدات الجيواستراتيجية التي تطل على المغرب. ما العمل؟ هناك أجوبة مرتبطة بالمحيط الإقليمي، والمغرب جزء منها، ثم هناك ما هو داخلي، ويتمثل في تبني مقاربات أمنية أفقية داخل المجتمع، وتضع المواطن المغربي في عمق المعادلة الأمنية، مع ما يتطلب ذلك من تفعيل للفصل 54 من الدستور، وتفعيل آليات المراقبة الداخلية داخل الأجهزة الأمنية والجماعات المحلية والسلطات التي لها «احتكاك» يومي بالمواطن، وتوسيع دمقرطة المجتمع، وعدم الخطأ في الأهداف، وتجنب الصراع في القضايا الأمنية بين مؤسسات الدولة…؟

* خبير استراتيجي وأستاذ العلوم السياسية

[related_posts]

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي