السحيمي: هكذا فشل «البام» ولهذا لن يفوز في الانتخابات المقبلة

25 فبراير 2015 - 23:15

يقدم مصطفى السحيمي، أستاذ القانون والعلوم السياسية بالرباط، تحليلا لمسار نشأة حزب الأصالة والمعاصرة، يخلص فيه إلى أن الحزب لم يحقق الأهداف التي جاء من أجلها، وأنه لن تتكرر ممارسات سنة 2009. السحيمي يتوقع أن يتحول البيجيدي إلى الحزب الأكثر مخزنية، وأن معادلة رابح ــ رابح هي التي ستحكم علاقته بالقصر.

‭{‬ بعد 7 سنوات على تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، خرج أمينه العام السابق حسن بنعدي ليتحدث  في جريدة «الأيام» عن سياق التأسيس، قائلا: «إن تأسيس البام جاء جوابا لمرحلة عرفت فراغا سياسيا وهيمنة لحزب العدالة والتنمية، وأن فؤاد عالي الهمة أسس الحزب لأنه واحد من الفاعلين في المؤسسة الملكية والمقتنعين بضرورات الإصلاح بكل حرية وأنه اشتغل على ملفات كبرى مثل تقرير الخمسينية وملف هيئة الإنصاف والمصالحة، وهي ملفات ملكية بالأساس، ووصف الهمة بأنه «يمثل الملك، وهذا يعني أيضا أن الملك مقتنع بالإصلاحات.. بل هو ملهمها». ما رأيك؟

< هناك الكثير مما يمكن أن يقال بشأن ظروف تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة. في البداية كان الأمر يتعلق بجمعية «حركة لكل الديمقراطيين»، التي أسست في يناير 2009، بمبادرة من فؤاد عالي الهمة، رفقة عدد من المناضلين اليساريين، وبعض الشخصيات. وبعدها تقرر خلق حزب سياسي بعد حوالي سبعة أشهر من ذلك، في غشت 2008. لماذا؟ لأن أصحاب هذا المشروع حصل لهم وعي بأن النظام الحزبي القائم لا يستجيب لمقترحاتهم بإقامة بنية سياسية وطنية تمكن من تقوية الحداثة، وتمتين المكتسبات وخلق ودعم النخب الجديدة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن فؤاد عالي الهمة لم تكن له منذ البداية فكرة تأسيس حزب، وإنما كان يرغب في تأسيس حركة تكون محفزا للأحزاب القائمة للتحديث، لكن اليساريين في الحركة هم الذين دفعوا في اتجاه تأسيس حزب.

إذن حركة لكل الديمقراطيين، أرادت أن تكون أداة محفزة للحياة السياسية، فكانت لها أصداء. ومن هنا ظهر حزب الأصالة والمعاصرة. وبخصوص فؤاد عالي الهمة، فقد كان في قلب هذه المقاربة. طبعا من أجل هذا الهدف، لم يتدخل الملك ليحول دون تحقيق الهمة هذا المشروع، لكن هل شجعه؟ لم يتم ذلك بشكل علني ولا بتباه، ولكن القرب بينهما جعل الناس يعتقدون أن للملك علاقة بالحزب.

‭{‬ ما رأيك في التحليل الذي قدمه بنعدي لظروف نشأة البام وتبرير دوره وارتباط الأصالة والمعاصرة بالمؤسسة الملكية؟ فقد اعتبر أن الحياة السياسية كلها تدور حول المخزن الذي ينتج الثروة ويوزعها وأن الفاعلين يتنافسون للاستفادة منها، وأن كل المنعطفات التي عرفها المغرب كان للمؤسسة الملكية دور فيها، مشيرا إلى دور السلطة في تأسيس الحركة الشعبية والأحرار، والفديك، والاتفاقات مع حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ويتساءل «لماذا لم تكن حدة الغاضبين من الوافد الجديد المقصود به «البام» هي ذاتها أثناء تأسيس التجمع الوطني للأحرار؟ مشيرا إلى أن أحمد عصمان الذي لم يكن فقط، صديقا للملك في الدراسة، وإنما صهره أيضا؟

< المبرر الذي قدمه حسن بنعدي، حول اختلاف التعامل مع نشأة «الأحزاب الإدارية»،  مقارنة مع ما تعرض له تأسيس البام من انتقادات، غير مقبول. لماذا؟ لأن المعادلة السياسية لسنوات السبعينيات والثمانينيات ليس هي المعادلة نفسها خلال العشرية الأولى من العهد الجديد. كيف كانت الوضعية في عهد الحسن الثاني؟ لقد كانت مشروعية الملك تتعرض للمنافسة من طرف أحزاب الحركة الوطنية (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية). ومن خلال الدفع بأحزاب إدارية مثل التجمع الوطني للأحرار سنة 1978، ثم الاتحاد الدستوري سنة 1983، تحت قيادة متتالية لوزيرين أولين، فقد كان الهدف هو تقليص هامش أحزاب المعارضة في اتجاه أن يصبحوا أقلية، وهو ما من شأنه أن يترجم بأغلبية برلمانية، بدون تلك الأحزاب، مما يقلص قدرتهم على التفاوض مع القصر.

أما بخصوص حزب الأصالة والمعاصرة، فإنه كان بمثابة تحرك بالنسبة إلى السلطة، لإظهار أن نظام الأحزاب أصبح متصلبا، وجامدا، وأنه أصبح في حالة قطيعة أو على مسافة مع العهد الديمقراطي الجديد.

‭{‬ وضع البام هدفا له منذ تأسيسه هو مواجهة إسلاميي العدالة والتنمية، لكن فجأة دخل في حرب مع حزب الاستقلال وكذا مع الاتحاد الاشتراكي؟ هل كانت للحزب منذ البداية نوايا للهيمنة؟

< بعد انتخابه برلمانيا، إثر استقالته من منصب وزير منتدب في الداخلية في 7 غشت 2007، قام فؤاد عالي الهمة، بخرجة إعلامية بارزة بناء على طلبه على شاشة القناة الثانية في 10 شتنبر، وجه فيها اتهامات ضد حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي كان حينها يقوده سعد الدين العثماني.

مضامين هذه المداخلة هي التي طبعت الخطاب الذي تبناه البام خلال 7 سنوات الموالية. كان هناك اعتقاد بأن حزب الأصالة والمعاصرة سيتميز ببرنامج يدور حول مشروع مجتمعي يمكن بناؤه، مع تسليط الضوء على الرؤية الملكية، ولكن هذا لم يتحقق، وبقي الشعور المهيمن دائما، وهو الذي تأكد في بداية 2015، هو أن البام ليس سوى أداة لمعركة ضد الحزب الإسلامي. لابد من التذكير أن الهمة نفسه، عندما كان وزيرا منتدبا في الداخلية، ترافع بجدية رفقة الجنرال حيمدو لعنيكري، الذي كان مديرا لجهاز الديستي، من أجل حل حزب العدالة والتنمية في نهاية 2003، عشية التفجيرات الإرهابية في الدار البيضاء.

بعدها، أظهر حزب الأصالة والمعاصرة نزعاته للهيمنة. لقد رفع شعار إصلاح الأخلاق السياسية، لكن بالمقابل كان يقوم بممارسات متناقضة باللجوء إلى الاستقطاب غير المشروع والممنهج للمنتخبين إلى أن أصبح له أول فريق برلماني. بعد تأسيسه في غشت 2008، إثر اندماج خمسة أحزاب صغيرة وهامشية، مصداقيتها ومشروعيتها محل نقاش، لم يقدم البام بهذه المناسبة أي دليل على ممارسات سياسية جديدة. في يونيو 2009، تجاوز جميع الأحزاب في الانتخابات الجماعية بـ6015 مقعدا، أي 21.7 في المائة، من المقاعد. أهدافه لم تكن واضحة: إذ كان يقدم نفسه كحزب وسط في الحياة السياسية، ثم يتقدم في الوقت نفسه، كبديل للكتلة التي لها رأسمال من المشروعية التاريخية.

‭{‬ بعد أحداث الربيع العربي في 2011 كان هناك نقاش حول ما إذا كان «البام» سيبقى في الساحة أم سينتهي، خاصة بعد استقالة فؤاد عالي الهمة منه؟ ما تحليلك لما وقع من تطور لهذا الحزب في غياب الهمة؟

< كان للبام هدف هيمني مع حلفائه، الذين كان يعتبرهم مجرد مكملين. وهناك تجربة توضح هذا التوجه. هذا الطموح، ظهر عندما تأسست مجموعة 8G. هذا التحالف من أجل الديمقراطية تم تأسيسه في بداية أكتوبر 2011 في الرباط، وضم كلا من البام، والأحرار، والاتحاد الدستوري، والحركة الشعبية، وأربعة أحزاب أخرى تغطي طيفا يمتد من الحزب الاشتراكي للدكتور عبد المجيد بوزوبع، إلى محمد خليدي، رئيس حزب النهضة والفضيلة ذو المرجعية الإسلامية. الحسابات حينها كانت كالتالي: الحصول على أغلبية في الانتخابات التشريعية، في 25 نونبر 2011 التي ستجري خلال ستة أسابيع الموالية، وقيادة الحكومة مع الحلفاء. لكن صناديق الاقتراع حسمت بشكل مختلف بتصدر حزب العدالة والتنمية، المشهد السياسي بـ107 مقاعد برلمانية، وهو ما دفع الملك على هذا الأساس إلى تعيين عبد الإله بنكيران، رئيسا للحكومة. بعد أسبوعين، تم تعيين فؤاد عالي الهمة، مستشارا للملك. كان الأمر واضحا: الملك استخلص الدروس من وراء هذه الانتخابات، ومن كل ما حدث خلال ربيع 2011 في المغرب، بعد ورطة البام والهمة.

الآن كيف سيكون وضع البام، بعد غياب الهمة؟ من المؤكد أن هذا الحزب لم تبق له تلك الجاذبية لدى الذين التحقوا به بسبب قرب مؤسسه من الملك. لقد رأينا مشهدا مؤلما لكل هؤلاء «الوصوليين» الذين التحقوا بالبام ليس بسبب برنامجه، ولا بسبب رؤيته، ولكن بسبب مصالحهم ومن أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية.

‭{‬ حزب العدالة والتنمية الذي جاء البام لمحاربته اكتسح الانتخابات في 2011، هل كانت تلك من نتائج حرب البام عليه؟

< إذا فاز حزب العدالة والتنمية في 2011، فإن ذلك حدث لأسباب مختلفة: قدرته على التعبئة، وكونه ليس حزبا معرضا للمحاسبة بسبب حصيلة حكومية سابقة، ولكن أيضا بسبب الرفض الذي ووجه به البام، ونخبه وأحزاب الكتلة التي كانت حصيلتها الحكومية منذ 1998 محل انتقاد.

في المحصلة، فإن البام اليوم خسر على صعيدين: أولا، فقد تم تكوينه منذ البداية ليكون حزب الوسط في الحكومة، في حين كان للناخبين اختيار آخر؟ ثانيا، لقد كان البام مجبرا على أن يكون حزبا في المعارضة منذ يناير 2012 وسيبقى كذلك إلى نهاية الولاية التشريعية في 2016.

وماذا بعد؟ أنا لا أرى أنه يمكن أن يعود إلى الحكومة بعد سنة 2016 بعدما فقد موقعه منذ مغادرة فؤاد عالي الهمة، وأصبح مفتقرا لأي رؤية سياسية.

‭{‬ كيف تنظر إلى المشهد السياسي اليوم منذ تأسيس البام، وهل يشكل هذا الحزب اليوم خطرا على الديمقراطية؟

< حزب الأًصالة والمعاصرة الآن موجود، وهو قانوني وله 109 برلماني في غرفتي البرلمان. ما هو العرض السياسي الذي يقدمه؟ وهل يلقى هذا العرض القبول؟ في البرلمان فإن مداخلات أعضائه تحولت إلى ما يشبه حربا ضد بنكيران، وتحول ذلك إلى استعراض ضعيف ومؤسف. لكن هل هذا سيساهم في تقدم البناء الديمقراطي؟ لا أظن ذلك. الآن يوجد حزب الأصالة والمعاصرة في المعارضة إلى جانب حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، في حين أن حلفاء البام في حزبي الأحرار والحركة الشعبية يوجدان في الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي. هذا هو الفارق الشاسع الذي يُلقي بثقله على إدراك الناخبين للبام، وأيضا على شرعيته بدون شك.

إن هذه حالة مهمة تحتاج إلى دراسة في نظري: لقد تم خلق البام ليكون ضد حزب العدالة والتنمية، في حين أن الانتخابات أوصلت البيجيدي إلى الحكومة بسبب اختيار المواطنين له. ومن جهة أخرى، تم تأسيس البام ليكون حزبا في الحكومة، فوجد نفسه في المعارضة بدون أي تصور حول كيفية الخروج منها في المستقبل المنظور. ومن هنا يطرح التساؤل هل من الممكن لهذا الحزب أن يعيش بالاستناد إلى كد مناضليه؟

‭{‬ ما رأيك في الصورة التي تقدم عن شخصية إلياس العمري في الحزب وما يروج عن صداقته للملك ونفوذه؟

أنا لا أعرف شخصيا إلياس العمري، ولكن مساره السياسي يجعلني أطرح عدة تساؤلات. إنه ينتمي إلى مجموعة من مناضلي اليسار السابق، الذين استثمروا حركة لكل الديموقراطيين، ثم حزب الأصالة والمعاصرة، والذين يشكلون سمة خاصة: هي أنهم من الذين انشقوا عن أحزابهم في سنوات السبعينيات، وهم اليوم يستفيدون من جهاز البام. بخصوص صداقته المفترضة مع الملك؟ نحن جميعا أصدقاء الملك، كل واحد في مجاله، في إطار المشروع الديمقراطي، والإصلاحات المطروحة.

‭{‬ هل تتوقع عودة قوية للبام في الانتخابات المقبلة؟

هل ستكون هناك عودة لحزب البام في الانتخابات المقبلة في 2015 و2016؟ لا أظن ذلك. نتائجه ستكون متواضعة. لماذا؟ إن الظرفية الخاصة التي سبقت نتائج انتخابات 2009 تغيرت اليوم. ذلك أن الإدارة ستكون ملتزمة بالحياد، وهو ما لم يحدث لا في انتخابات 2009، ولا في 2011. لقد تم تقديم نتائج في التلفزيون في الساعة التاسعة مساء، وتم إبطالها في منتصف الليل… لقد حدثت مؤخرا حركة تنقيلات لرجال السلطة، مثل تنقيل عامل الخميسات الذي كان في حملة مفتوحة لصالح البام، قبل إدخاله للإدارة المركزية. في النهاية يمكننا أن نتمنى أن تقوم اللجنة المركزية للانتخابات التي يقودها كل من وزير العدل ووزير الداخلية بعملها بتنسيق مع اللجن الجهوية والمحلية التي يشرف عليها القضاة.

تحدثت عن الثقة؟ أنا أفضل الحديث عن الولاء والمسؤولية. الملك ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران هما فاعلان سياسيان ولكل صلاحياته في الحقل السياسي، وأيضا لا يتقاسمان بالضرورة الرؤية نفسها، بل قد تكون لهما رؤى مختلفة. كيف هي علاقتهما الآن؟ يمكن أن أقول إنه حصل تطبيع للعلاقات بعد مرحلة «تمرين» des reglages rogage et apres un .  يمكنني أن أتبنى فرضية مفادها أن البيجيدي سيصبح أكثر فأكثر الحزب الأكثر مخزنية، على حساب الأحزاب الأخرى التي لم يعد لها ما تقدمه من قيمة مضافة. لماذا؟ البيجيدي حزب أصيل authentique، شرعي، خرج من صناديق الاقتراع، ومنسجم مع طبيعة المجتمع منذ فترة طويلة. إنه يتبنى المرجعية الإسلامية، ويعترف بالملك كأمير للمؤمنين. حزب تعهد بعد سنتين من الجمود، بالقيام بإصلاحات صعبة لم تجرؤ أي حكومة أخرى على القيام بها. حزب له قدرة على ضبط الاستقرار الاجتماعي، وأيضا له قدرة على التحرك والتأطير. إذن كيف يمكن على هذا الأساس ألا يحظى بنكيران بدعم الملك إلى سنة 2016، وربما بعدها أيضا؟ إنها عملية «رابح ــ رابح

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سلوى منذ 8 سنوات

أنا لا أحب الأحزاب ولا أؤمن بنضالاتهم اشبههم بعصابات المافيا والبيادق يتكتلون لأجل مصلحتهم ومصلحة إسم الحزب كي يبقى في الوجود ويهاجمون كل خصومهم من أحزاب أخرى ويتلونون غم ويضعون الأقنعة وقت اللازم والمصلحة في الخلود

elmehdiboutalha منذ 9 سنوات

واأسفاه على رموز اليسار الراديكالي ؟أين انتهى بهم المطاف ؟الى حزب اداري سلطوي قطب رحاه الأعيان والمنتفعون والباحثون عن الحماية والكآئنات الانتخابية .أمارموز اليسار فهم ينظرون لهم ويخطبون في جموعهم ويمنونهم بهزيمة العدالة والتنمية ليس عبر صناديق الاقتراع ولكن بطريقة أخرى.

التالي