العيون الأكثر زرقة 

07 مارس 2015 - 19:36

8 مارس من كل سنة فرصة لنلقي التحية بطريقة خاصة على المرأة، وعلى قضيتها العادلة، في أن تكون إنسانا، لا أنثى فقط.. أن تصير مواطنا وليس امرأة فقط.. أن تعيش بكرامة وحرية ومساواة مع الرجل، ووسط مجتمعها الذي يحمل وزر الأجداد الذين وضعوا المرأة في قفص ومضوا إلى حال سبيلهم، ولم يستطع الدين ولا العلم تخليصها من قيود التقاليد والأعراف التي حبست المرأة في أدوارها التقليدية في البيت والمطبخ والفراش وحضانة الأطفال…

لكن أنا اليوم لن أتحدث عن العقلية الذكورية التي مازالت تستوطن مجتمعنا، رجالا ونساء، ولا أريد الحديث عن مظاهر الظلم التي تعيشها المرأة بيننا، وفي مقدمتها التحرش الجنسي والعنف الجسدي واللفظي، والاستغلال الذي تعانيه المرأة في المعمل والحقل، وأماكن شغل كثيرة تبذل فيها مجهودات شاقة دون أن تحصل على ما يحصل عليه الرجل من أجر.. هذه مهمة أتركها لغيري…

أريد أن أتحدث عن عبودية أخرى تعانيها المرأة، وقيود تضعها بنفسها لنفسها.. إنها فكرة أن تكون دائماً وأبدا جميلة لتعجب الرجال، وأنيقة لتثير الانتباه.. شعرها حرير، ووجها صاف مثل بحيرة لوزان، وجسمها أكثر رشاقة من كمنجة، وأسنانها مصفوفة كأسنان المشط، وعيناها زرقاوان مثل فتاة اسكتلندية، تمشي مثل عارضات الأزياء في الشارع، ولا ترضى بأقل من شكل الأمريكية كيم كاردشيان… 

 هذه ليست موضة ولا أذواق تلقائية وعفوية.. هذه سياسة ماركوتينغ وراءها ميزانيات ضخمة تصرف من قبل الشركات العالمية لتسويق صورة المرأة العصرية الجذابة الجميلة التي تحدثت عنها الداودية وتقول: «تدير حالة في الرجالة». 

هناك نساء لا يفارقن صالونات التجميل إلا ليرجعن إليها، وهناك نساء يصرفن على الماكياج والعطور ومستحضرات التجميل أكثر مما يصرفن على صحتهن ودراستهن وثقافتهن واحتياجاتهن الأخرى… هناك نساء يقضين ساعة وساعتين في الصباح قبل الخروج إلى العمل، ويقتطعن هذا الوقت من نومهن من أجل أن يظهرن بشكل لا علاقة له بشكلهن الحقيقي. نعم، الاهتمام بالشكل قد يكون صفة نسائية وميزة للأنثى، لكن أن يصبح هذا هو الشغل الشاغل للمرأة، فهذه عبودية ناعمة لدور الماكياج العالمية التي تربح المليارات من الدولارات كل سنة من جيوب النساء…

سنة 1993 حصلت الروائية الأمريكية الزنجية، توني موريسون، على جائزة نوبل للآداب عن رواية «العيون الأكثر زرقة»، وهي رواية عميقة تحكي عن فتاة زنجية اسمها بيكولا، تحلم بأن تنعم يوما بعينيين زرقاوين فيما يحاصرها المحيطون بها جراء لون بشرتها… الروائية في هذه الرواية تعري واقع المرأة ذات البشرة السوداء تجاه خصمين: الأول هو الرجل الأبيض الذي يحتقر السود، والخصم الثاني هو الأسود الذي يحاصر ذاته عندما يريد أن يقلد الأبيض، ومعايير الأبيض، ونظرة الأبيض، وذوق الأبيض… بيكولا الفتاة السوداء محاصرة حتى في أحلامها.. هي امرأة زنجية تحلم بعينين زرقاوين، ولا تعرف أنها تسجن نفسها مرتين؛ مرة عندما تقبل عبودية الآخر وتستسلم لها، ومرة عندما تسجن أحلامها في تقليد الأبيض.

سيدتي، إنك تحتقرين نفسك عندما لا تقبلين بها كما هي.. عندما لا نحطم القيود ولا نسخر من المعايير والقوالب التي يضعنا فيها الآخر نهزم أنفسنا بأيدينا…

أتجول بين الحين والآخر في الجمهورية الزرقاء للفايسبوك، وأرى أن جل تعليقات الشبان منصبة حول صور الشابات ولباسهن وأناقتهن وسحرهن وابتساماتهن ونظراتهن، ماذا عن آرائهن واختياراتهن ومواقفهن… هؤلاء شباب اليوم أي رجال الغد، وهذه الصور والكليشيهات عن المرأة اليوم هي ثقافة وسياسة واختيارات الغد، والمؤسف أن تكنولوجيا التواصل الحديثة لا تقربنا من الحداثة والتغيير والإصلاح، بل، في كثير من الأحيان، تبعدنا عن هذه القيم لأن الشكل حديث، أما العمق فغارق في التقليد. هل رأيتم إدريس لشكر، التقدمي الذي يطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، يعيب على فنانة مثل تباعمرانت لدخولها السياسة وجلوسها إلى جانبه في البرلمان…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

فاطمة الزهراء منذ 9 سنوات

أحببت المقال.شكرا جزيلا على المقال.مزيدا من التألق.

علي الإدريسي منذ 9 سنوات

شيء جميل أن يكون هنالك يوم اعتباري للمرأة في العالم تستحضر فيه النساء وشقائقهن ما تم إنجازه وما ينتظر عمله ، لكن الأجمل في بلدي وفي بلدان مماثلة له في النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أن لا يتم التركيز على اهتمامات فئة من النساء فقط دون وضعية المرأة ومعاناتها في الأرياف والبوادي وفي الأحياء الهامشية للمدن كذلك، وما يؤلم حقا أن تلجا بعض القيادات النسوية إلى التفكير بمنطق الفئة، مثلها كمثل بعض القيادات الحزبية التي تنتصر لمصلحتها الآنية والضيقة على حساب مصلحة جميع المواطنين والمواطنات وعلى حساب حقوق المواطنة. هل يمكن أن نأمل في تحقيق المواطنة في مفهومها الحقوقي والحقيقي لجميع المواطنين والمواطنات وتحقيق المناصفة الفعلية، لأن المناصفة في بلادنا ليست غائبة بين الرجال والنساء فحسب، وإنما هي غائبة بشكل سافر بين النساء أنفسهن: بين ساكنات المدن نفسها وبين ساكنات المدن ككل وساكنات الأرياف والبوادي، نأمل أن يكون وضع النساء، كل النساء، عندنا في اليوم العالمي المقبل للمراة قد تحسن فعلا وواقعا وليس قولا وشعاراتيا فقط. فلنعمل جميعا من أجل المواطنة، تلك هي الوسيلة والغاية

Ahmed Hamdaoui منذ 9 سنوات

Si j’étais une femme je m’efforcerais de rester naturelle et de ne pas provoquer les hommes ! … Ssi Bouachrine ce n’est pas ce que vous avez dit aux femme l’année dernière pour la même occasion dans votre excellent édito intitulé : « Si j’étais une femme » ! …

الفاتحي منذ 9 سنوات

سيدتي، إنك تحتقرين نفسك عندما لا تقبلين بها كما هي.. عندما لا نحطم القيود ولا نسخر من المعايير والقوالب التي يضعنا فيها الآخر نهزم أنفسنا بأيدينا… هذا من صلب الدين ولكن نعذرك لانك تدري حقيقته

HICHAM منذ 9 سنوات

لفقر والتهميش لا يخص المرأة لوحدها لا في البوادي ولا في المدن، وإنما يخص الرجل أيضا ومعاناة الأسرة ككل. الاضطهاد والظلم سواء في علاقة خاصة أو في معاملات بين أفراد المجمتع لا يخص المرأة لوحدها، إنما أساسه إنعادم العدل والقضاء الذي يرد المظالم للضعفاء امرأة كانت أم رجل. البطالة، والاغتصاب، والتشرد، وكل الآفات التي تخص البنات إنما يعاني منها البنين... وما قضية المرأة إلا تمويه للظلم الذي يلحق بكل المساكين!! فكافكم من تحويل المرأة إلى قضية وإلى ملف وإلى يوم عالمي وإلى مصيبة مستعصية تحتاج الحل.. الحل يحتاجه المجتمع بكل أفراده، حين تعم الكرامة على المواطنين ويعم العدل!

najib hamad منذ 9 سنوات

الجميع يعرف ان من حق المراة ان تتساوى مع الرجل في الحقوق والواجبات وها هو اليوم العالمي للانثى على الابواب حيث تنطلق المسيرات في مشارق الارض ومغاربها لتجديد العهد مع حماية المراة من الاستغلال الذكوري الغاشم كما يحلو للجمعيات الانثوية ان تردد دائما في شعاراتها الفارغة!!واذا كانت المراة تتمتع اليوم ببعض الحقوق المكتسبة عبر اشواط متراكمة من النضال التاريخي المستمر فانه ينبغي بالمقابل تعريف مفهوم المساواة بين الطرفيين الذكري والانثوي في وقت اصبحت فيه المطالبة بتوضييح المفاهييم تجلب على المرأ تهمة الارهاب!!فالمراة التي نعرف تتساوى مع اخيها الرجل في كل شيئ بحسب القانون الذي يحكم بلدها فهي تخرج الى الشارع وتشتغل في المقاهي مثل اخيها الذكري تأكل الطعام وتمشي في الاسواق وتلبس كما يلبس وتدخن السيجارة وتشرب الجعة أو تصلي وتذهب الى المساجد في حرية تامة دون ان يضايقها احد لكن المتاجريين بالمراة يريدون دائما اختزال المرأة في الثدي والجهاز التناسلي والمؤخرة والتحرش وهم اول من يعرف بان هذه التصورات النمطية هي وقودهم الحقيقي للتشدق بالزعامة والنضال والاستمرارية في معارك وهمية لاوجود لها سوى في عقدهم الداخلية المريضة التي تصور الرجل عدوا للمراة وان هذه الاخيرة هي ضحية والة للانجاب ..المطلوب اليوم هو إلغاء شعار مساواة المراة مع الرجل واستبداله بشعار اخر هو مساواة الرجل مع الرجل بعدما أصبحت العبودية طاحونة لفرز العبييد والاسياد واللاعق والملعوق والرئيس والمرؤوس بل إن من الرجال من حولتهم العولمة الاقتصادية الى عاهرات ذكورية تضع مؤخراتها في خدمة الشواذ الاغنياء مقابل الاموال ..عن اية مساواة تتحدث المخلوقات من ضلع اعوج!!!! وهن يتفرجن عن تحرش الرجل باخيه عن طريق المضايقات والمساوامات واقذر السباب والشتائم والايحاءات الجنسية ولغة الرموز..الى اللقاء

بن المهدي منذ 9 سنوات

أقصى درجات السعادة هو أن نجد من يحبنا فعلاً . .على ما نحن عليه او بمعنى أدق يحبنا برغم ما نحن عليه نجيب محفوظ

التالي