أنور الزين: معارضة بنكيران في كل شيء عمل غير منطقي

26 مارس 2015 - 20:00

اليوم، يُعقد مؤتمر حزب الاتحاد الدستوري بعد ((شتاء طويل)) كما يسميه أنور الزين، المرشح للأمانة العامة للحزب. هل يستطيع الحزب أن ينزع عنه معطفا لبسه قبل 30 عاما، حينما كان حزب الدولة، والمستأثر بالسلطة لسنوات، والمنسي في المعارضة لأزيد من عقد من الزمن. هل يستطيع مرشح شاب كالزين أن يزيح شيوخا ينظرون إلى الحزب كميراث داخلي لا يحق لغيرهم؟ في هذا الحوار، بعض من الجواب.

‭{‬  ترشيحك كشاب للأمانة العامة لحزب الاتحاد الدستوري يشكل استثناء في تاريخ حزب يسود فيه الشيوخ.. كيف تستوعب حجم التحدي القائم؟

< على كل حال، لا أستطيع أن أصف نفسي برجل شاب، فقد يصبح لدي حفيد من هنا عشر سنوات، ومن الصعب تحديد مفهوم الشباب بحسب نطاق الحديث، لأن ما يصلح كتعريف في الدين ليس ما يصلح في الرياضة أو ما يصلح في السياسة، لكن الإشكال ليس في أن أكون شابا أو لا أكون، وإنما في طريقة تقديم الشباب وطموحاتهم داخل الأحزاب السياسية وكأنهم عاهة مستديمة؛ يتعاملون معهم مثل مرض معد، ويتأقلمون معه بشكل تدريجي. سيُقال إني أحقق اختراقا لم يحدث عبر التاريخ داخل حزب الاتحاد الدستوري، لكنه في حقيقة الأمر مجرد تطبيق عملي لتوجهات موجودة في الحزب. تذكروا معي نداء المعطي بوعبيد في 1982 حينما دعا إلى أن يفسح المجال لجيل ما بعد الاستقلال.  لقد كان واضحا في هذه النقطة، لأن الاستئثار بالسلطة والسياسة من لدن طبقة الاستقلال لم يكن ليقدم نتائج مفيدة للعمل السياسي. وبالطبع، لم يتحقق الشيء الكثير من نداء بوعبيد، بيد أننا في عام 2015، نستطيع أن نقول إن الوقت قد حان لفرض الفكرة بشكل عملي، من دون أن يعني ذلك ما تعنيه مفردة الاختراق، ولن أكون سوفسطائيا، وسأقول لكم إننا نعيش في مجتمع متحرك يعرف ما يريد، ولدينا أغلبية صامتة، معظم أفرادها شباب يستطيعون التأثير في القرار السياسي بوسائل حديثة، مثلما حدث في عزل وزير الشباب والرياضة. ولا يمكن أن تدعم الجهود المبذولة للاقتراب من هذه الأغلبية المُسيّسة (والمحايدة أيضا) وتحويلها إلى أغلبية انتخابية. سيكون من الصعب إقناعهم بفعل ذلك، بينما طبقة غير مرتبطة بهمومهم تُسيّر الأحزاب. علينا أن نُغير شيئا منا كي نطوي هذا الانتقال الديمقراطي الطويل.

‭{‬ وكيف ستفعل ذلك؟

< يجب أن نقدم عرضا سياسيا مغريا إليهم. وفي نظري، فإن مرحلة ما بعد 2011 فككت مفاهيم متقادمة في الحقل السياسي المحلي، وجعلت من الشباب رقما رئيسيا في معادلة التغيير، ومن هنا، وعلى هذا الأساس، بنيت فكرة ترشيحي للأمانة العامة للحزب. بشكل مبسط، فإن ترشيحي كان نتيجة لحراك يسود المجتمع، وعليه أن يجد انعكاسه داخل الأحزاب. لقد كانت هنالك فيما مضى محاولات لترشح شباب للأمانة العامة للاتحاد الدستوري، غير أن الجدية كانت تنقصهم، ولم يكن أعضاء الحزب ينظرون إليها بالطريقة نفسها كما ينظرون إلى ترشيحي. هنالك أمل في التغيير، وهنالك مراقبة لما ستسفر عنه الوقائع في هذا الصدد، بالنسبة إلى الطبقة السياسية برمتها.

‭{‬ سيُطلب منك جهد كبير كي تغير فكرة أن حزبكم هيئة أسستها الإدارة يوما ما..

< أعرف هذا، ودعني أقول إن مشكلتنا بشأن هذه التصورات عنا هي ما أحاول ترميمه. إن العمل الحزبي يمارس بالتواصل، لأننا نملك الرأي العام الحقيقي، والفضاء العمومي يتوسع تدريجيا. من دون خطة محكمة للتواصل، لن نستطيع التقدم. وعلى كل حال، يمكننا أن نستفيد من بعض دروس التاريخ: إن حيفا كبيرا مورس على الاتحاد الدستوري بسبب ظروف نشأته، فهو، كي أكون صريحا معكم، كان مصنفا كـ((حزب خدمات))، وتأسس كي يقدم خدمة في مرحلة معينة بوصفه حزبا ليبراليا، لمعالجة التفاصيل العملية والسياسية لقرار الدولة بالتحول إلى دعم خيار اقتصاد السوق، وتطبيق برامج التقويم الهيكلي. لكن خدماته لم تعد مطلوبة مع منتصف التسعينيات، لأن المهمة كانت قد تحققت، وكان من الضروري أن يحدث ضرر بالغ للحزب بسبب انتهاء الخدمات هذه. لقد قررت الدولة أن تحمل مشروعا حزبيا آخر إلى الحكم، وكان علينا أن نغادر مواقعنا في السلطة، وكنا مجبرين أو طلب منا أن نتحول إلى ممارسة سياسية جديدة، أي المعارضة. هل كنا نعرف كيف نفعل ذلك؟ في ذلك الحين، فقد الحزب الكثير من بريقه، وهذه نتيجة طبيعية لحالة التيه وقتها، لكن إن أردت أن تشكل حزبا حقيقيا، فإن ما يجب أن تؤسس له هو القدرة على البقاء في كلا المواقع. كانت إذن مرحلة جديدة للبناء، وأسميها النشأة الثانية للاتحاد الدستوري، وقد أجهدت القيادة نفسها وقتها كي تحفظ وجود الحزب، وبالرغم من كل شيء، فقد بعث فيه الروح، وأفلت من الاندثار. وبعد 17 عاما، ها نحن أصبحنا حزبا قائما من دون أن يكون لديه أي يد في موقع السلطة.

‭{‬ لكن كيف يمكن لناخب ما أن يحس بوجود الاتحاد الدستوري في 2015؟

< الإحساس بوجود حزب مثل الاتحاد الدستوري مثلما قمت بصياغة سؤالك، يمكن تلمسه ببساطة من خلال أعمال أعضائه، لكني أعرف أنك ستجد صعوبة في التأكيد على ذلك، لأننا فعلا لا نملك سياسة تواصلية، ولا نتعرض لحيف تواصلي فظيع. لدينا في مراكش وتاوريرت ومكناس وطنجة نماذج تدبير عام صالحة للترويج، لكن الناس لا تنتبه إلى وجودنا بالشكل المراد. وأكثر من ذلك، فإن فريقي الحزب في البرلمان يقومان بعمل رائع ويجب
الترويج له.

إن التعديلات المقدمة من فريقنا بمجلس النواب تقبل بنحو كامل، بينما تعديلات فريق الاتحاد الاشتراكي تقبل منها نسبة صغيرة، لكن يجري الترويج لها على نطاق واسع. إن مهمتنا هي التخطيط لاستراتيجية منظمة وفعالة للتواصل، وقد انتهى زمن تواصل الأحزاب بجرائدها. إن الخطيئة المرتكبة في هذا الموضوع هي الركون إلى الصمت، لأن نتائجه رهيبة، ونحن نعاني منها، لأنه لم يترك لنا شيئا لنواجهه سوى الكليشيهات السيئة عنا كحزب إداري.

‭{‬ وهل سيكون سهلا تجاوز هذه الكليشيهات كما تسميها؟

< لقد نجح المجتمع المغربي في تجاوز شيطنة الإسلاميين، كما تجاوز شيطنة اليساريين والشيوعيين، وسيفعل ذلك مع الاتحاد الدستوري إذا كانت لدينا خطة فعالة. ثم إن المشكلة المطروحة في القول إننا حزب إداري هو ما تعنيه العلاقات الحزبية بصفة عامة. هل نستطيع الآن الحديث عن حزب مغربي لا يملك علاقة بالإدارة؟ لنكن صريحين ونعلن أن التحكم في القرار الحزبي أمر موجود بصيغ مختلفة، وكما هو موجود عندنا، يوجد أيضا في دول أخرى. في المغرب، لدينا معاملة حيادية للإدارة إزاء الأحزاب السياسية، وفي بعض المرات، كي نكون صادقين، تتجاوز حيادها، ومع ذلك، وفي ضوء تحليل الوضع القائم، لا يمكنني أن أقول في 2015 إن الاتحاد الدستوري حزب إداري، أو إنه الحزب الإداري رقم واحد، ستجدون أحزابا إدارية حقيقية حاليا، وقليلون من يتحدثون عنها. إلى متى سنبقى نعاتب حزبا على ظروف نشأته؟ لماذا ستحاكمونني أنا بسبب تلك الظروف وأنا لم ألتق يوما بإدريس البصري؟ دعونا من هذه النظريات، لأنها تحفر بئرا عميقة يغرق فيها كل ما يمكن أن نقدمه كمشاريع بديلة للإصلاح السياسي والاقتصادي. لا تقتلوا الاتحاد الدستوري بسبب لحظة غير ملائمة في التاريخ، واتركوه يعمل، فإن لديه دورا ليفعله.

‭{‬ وكيف ستقنع الناس إذن؟

<  تطرح بهذه الطريقة مأزقا في عقول الناس؛ لأنهم يتصرفون بشكل غريب إزاء السياسيين، فسلوكهم نحو الأحزاب يحدده منطق لا يطبقونه في الحالات المشابهة. هل يرفض المواطنون الولوج إلى المستشفيات العمومية بالرغم من خدماتها المتدهورة؟ هل يتلكأ الناس في تدريس أبنائهم في المدارس العامة بالرغم من ضعف مستوياتها؟ إن الناس تطلب من الأحزاب وحدها أن تصلح نفسها، وتزين واجهتها قبل أن يدخلوها، ولا يفعلون ذلك مع مؤسسات تقدم خدمات مشابهة. على المواطنين الذين يملكون حسا سياسيا أن ينضموا لتيار الإصلاح، وألا يبقوا مكتوفي الأيادي ينتظرون إصلاحا قد يقع وقد لا يقع. 

‭{‬ وماذا ستقولون عما يستنتج من علاقاتهم بالأحزاب الأخرى؟ ألم تكونوا فقط رقما مكملا لتحالفات أنتجها حزب الأصالة والمعاصرة؟ ألم يكن تموقعكم في المعارضة يظهر وكأنه مفروض بالرغم عنكم؟

< للتدقيق، فإن ما يوجد هو تحالف على مستوى الفرق البرلمانية فحسب، وأنا لا أستطيع تبرير وجود تحالف مع الاتحاد الاشتراكي مثلا، لأننا تاريخيا لم نكن نُكّن الود لبعضنا، ولكن في بعض المرات، نسبق المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية، لأننا نواجه مشروعا مختلفا عنا، تمثله بعض مظاهر ((الأخونة)) في البلاد مثلما حدث في دفتر التحملات لقنوات القطب العمومي، ولذلك نجد أنفسنا مضطرين للتنسيق مع هيئات متباعدة. وعلى كل حال، فأنا لا أملك أي إيمان على نحو شخصي بتجمعات سياسية مثل الـG8 أو الـG4، وأجد راحتي فقط في كوني دستوري، فهذه هي ماهيتي. سيكون منطقيا أن تطلب مني التحالف مع حزب كالتجمع الوطني للأحرار، لكن أن تذهب بي إلى باب الشيوعيين مثلا (التقدم والاشتراكية) فهذا ما لا أقبله.

‭{‬ وإذا فزت بالأمانة العامة، هل ستدافع عن تغيير موقعكم السياسي من المعارضة إلى الحكم؟

< انتصاري في هذه المعركة ليس أمرا شخصيا أحدده بنفسي، فأنا ضمن مجموعة من المناضلين، وقراراتنا تحددها هيئات تقريرية وتنفيذية، ولكنك ستقول إن هذه لغة خشب غير مستطابة، ولذلك سأجيبك بلغة غير خشبية وأقول: إن موقفي هو أن نتوقف عن معارضة كل شيء يتحرك في حكومة السيد عبد الإله بنكيران. لماذا سنواجه مشاريع جيدة؟ سنكون منطقيين في مواجهة أشياء سيئة تقدمها هذه الحكومة، لكننا سنكون مناقضين للعقل ولمشاعر الناس في معارضتنا لأشياء جيدة لأسباب سياسوية محضة. كفى من المعارضة المعارضاتية؛ لم أتصور نفسي يوما واحدا منها، ولا يمكنني ممارستها. سيكون لي موقف في النقاش حول موقعنا السياسي، لأننا كما نقول دوما، يجب أن نضع المصلحة الوطنية فوق رؤوسنا جميعا. 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عيادي منذ 9 سنوات

ما بقا لبن كيران و جريدتكم إلا الاتحاد الدستوري لخلق البلبلة داخله ، بعد حزب الاستقلال و شق الاتحاد الاشتراكي اليوم جاء الدور على الاتحاد الدستوري ، كم انت خطير يا بن كيران ، حكومة فرق تسد

التالي