بثقة كبيرة اقتحموا الدورة العادية لمجلس المدينة هذا الأسبوع، متسلحين ب »جوكير » الغضبة الملكية على برنامج تجارة القرب الذي تشرف عليه وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الداخلية والذي كان معنيا بإعادة هيكلة الباعة المتجولين …رسالتهم كانت واضحة : أنتم كمسؤولين دوركم انتهى، وعاش ملك الفقراء الذي انتصر لنا!
انهم المعنيون بالمشروع الذي فجر غضب الملك الأسبوع الماضي لدرجة ان امتنع فيها عن تدشينه، والذين تنفسوا الصعداء بعد ان ناصرهم الملك ومنع حشر هم في « براريك » لا تقل سوءا عن تلك التي زاولوا فيها مهنة التجارة لسنوات طويلة.
هولاء بلغ الى علمهم الغضب الملكي عن تدبير قطاعات حكومية لقضيتهم التي ظلت تناقش لسنوات وراء الشمس الى ان وضعها الملك في الواجهة بعد اتصال هاتفي لوزيري الداخلية والصناعة والتجارة نقل اليهم غضبه ومقاطعته تدشين المشروع ساعات قليلة قبل الموعد المحدد.
« السوق النموذجي حلم انتظرناه ل18 سنة »، يقول يوسف حمانة، أحد تجار سوق النهضة، وهو الذي كان عبارة عن براريك يمارس فيها أزيد من 178 شخصا تجارتهم بين أصحاب « محلات » و « فراشة »…حلم اقترب تحقيقه بعد ما تم إشعارهم نهاية الأسبوع الماضي بضرورة إفراغ دكاكينهم خلال مهلة لا تتجاوز 24 ساعة، والسبب كان : التدشين الملكي للسوق الذي طال انتظاره … هنا بدأ صبر التجار ينفذ، خصوصا بعد « عدم احترام السلطات للمهلة التي منحتها للتجار والشروع في جرف البراريك قبل أن يتمكنوا من إفراغها من سلعهم »، يحكي محمد بكثير من الحرقة والعصبية، مؤكدا أن الكثير من البضائع جرفت مع « البراكات » في ما « عاين التجار سلعهم تسرق أمام أعينهم من طرف اللصوص دون أدنى تدخل من رجال السلطة »، في وقت كانت البدائل « المؤقتة » المقترحة عبارة عن ساحات لم ترض الباعة إما لبعدها عن مناطق الرواج التجاري أو عن مساكنهم لكونهم ينتمون لنفس المنطقة…والمفاجأة الكبرى كانت : عدم تدشين السوق بعد الغضبة الملكية، ليبقى مصيرهم مجهولا.
[youtube id= »k_R5mqOGtEs »]
بداية الحكاية كانت سنة 1996 ، حين عمدت السلطات إلى تجميع الباعة المتحولين الذين يمارسون أنشطتهم بشارع حمان الفطواكي بمقاطعة اليوسفية في قطعة أرضية بالقرب من سوق للخضر والفواكه، وذلك في أفق تسوية وضعيتهم من خلال بناء سوق يتم إدماجهم فيه. بعد سنتين من ذلك، شُرع في توزيع وصول الاستفادة على التجار الذين أضحوا يشتغلون في براريك لا تقيهم حر الصيف ولا أمطار الشتاء… »إلا أن الانتظار طال، فمرت السنوات دون أن يتم تحديد أية تواريخ لبناء السوق الجديد، ما دفع الكثير ممن انتقلوا إلى البراريك إلى العودة إلى شارع حمان الفطواكي لممارسة تجارتهم على الفراشات »، يروي إبراهيم « تنوعت أعذار المسؤولين المحليين الذين تعاقبوا على تسيير المدينة، بين مشاكل توفير أرض البناء وأموال الإنجاز »، وهو ما دفع جمعيات التجار إلى الدخول في اجتماعات ماراتونية مع المسؤولين بمقاطعة اليوسفية للتسريع بإنهاء الأمور وتوفير بدائل مؤقتة « مريحة » للتجار إلى حين انتهاء أشغال البناء.
مرت الشهور والسنوات، ولم يتم حل مشكل الوعاء العقاري إلا قبل أربع سنوات، وذلك بتفويت الأرض التي تتواجد عليها البراريك إلى ملكية المجلس الجماعي لمدينة الرباط بعد أن كانت في ملكية الأملاك المخزنية، الشيء الذي كان يصعب استصدار رخصة البناء لانعدام الملف العقاري ، ليبقى المشكل المطروح هو : ميزانية الإنجاز.
عزيز اللميني، رئيس لجنة المرافق العمومية بالمجلس الذي يترأسه فتح الله والعلو أكد من جهته أن موضوع سوق النهضة ما يزال محل نقاش في المجلس، ولم يتم البت فيه رغم إدراجه كنقطة في جدول أعمال دورة فبراير، حيث قرر الرئيس إحالته على اللجنة لتعميق الدراسة… » مشاكل هذا السوق متراكمة منذ ولاية المجلس السابق »، يقول اللميني، الذي أرجع تعثر إنجاز السوق النموذجي إلى « مشاكل مادية تحول دون توفير تكلفة البناء نظرا لكون المجلس يعيش عجزا ماليا منذ 5 سنوات ».
إلا أن غضب الباعة لا يقتصر على « التماطل » في إنجاز السوق… » في البداية كان الأمر يتعلق بمركز تجاري من ثلاث طوابق من شأنه أن يتسع لكافة المستفيدين…إلا أنه وبعد مرور السنين تحول المشروع إلى مجرد مساحات مسقفة بالقصدير…هل من المعقول أن يدشن الملك هكذا مشاريع؟ » يوضح ابراهيم بكثير من الانفعال، حيث ربط بين « هزالة » المشروع وغيره من مشاريع برنامج تجارة القرب وبين الغضبة الملكية على هذا البرنامج.
« مجلس المدينة ما يزال يناقش مشروع الطوابق الثلاثة » يؤكد اللميني نافيا أن يكون هناك أي تغيير في المخططات، مشددا على أن المعطيات الكاملة حول هذا السوق متوفرة لدى رئيس مجلس المدينة، ليبقى بذلك مصير عشرات العائلات التي كان سوق النهضة مصدر رزق لها مجهولا، في انتظار إجابات شافية من مجلس ولعلو…