حاورته وداد الملحاف
سطع نجم المخرج المغربي محمد نبيل المقيم في ألمانيا في عالم الأشرطة الوثائقية، واختار في معظم أعماله التطرق إلى قضايا المرأة وأوجه معاناتها في المجتمع. في حوار له مع اليوم24، يحدثنا المخرج محمد نبيل عن سبب اختياره لهذا النمط الإبداعي وعن تقييمه لصناعة الأفلام في المغرب وكذا عن موضوع الإجهاض الذي سبق وتطرق له في أعماله:
{ كيف كانت بدايتك مع مجال الإخراج؟
< حكاياتي مع السينما بدأت مع الطفولة ولم تنته بعد، كنت أحلم بدراسة السينما خارج المغرب، لكن انتمائي الطبقي منعني من تحقيق هذا الحلم، لكن بعد التخرج والعمل كأستاذ فلسفة، استمر الحلم وأصبح أكبر مني، ثم طرت إلى كندا وحققت بعضا من أحلامي، وعملت في الصحافة التلفزيونية، لأكتشف بعض الدروب التي تتقاطع مع السينما. الإخراج تكوين وحرفة وإبداع يحتاج إلى الموهبة والخلفية المعرفية والفكرية التي ينظر من خلالها المخرج إلى العالم. المعاهد والجامعات تعلم القواعد ولا تمنحنا حس الإبداع.
{ اشتهر اسمك أكثر مع الأفلام الوثائقية، ما الذي يمكن أن ينقله الشريط الوثائقي ولا يمكن التعبير عنه في الأفلام السينمائية؟
< البداية كانت مع شريط قصير أخرجته في كندا، وهو بمثابة علاقتي الأولى مع الكاميرا، ارتباطي بالأفلام الوثائقية جاء بناء على مسار عملي الصحافي. فالأفلام الوثائقية تسجل وتؤرخ وتحمل الجمهور إلى عوالم تروي قصص الآخرين، وهي لا تختلف عن السينما الروائية إلا في المعالجة، لكن التداخل والتقاطع موجود، وليس هناك فصل بينهما، حيث إن عناصر الواقع موجودة في السينما الروائية، في وقت نجد فيه عناصر الخيال حاضرة في السينما التسجيلية.
{ أثار فيلم جواهر الحزن ضجة إعلامية بعرض معاناة الأمهات العازبات، كيف تصف ظروف تصوير هذا الشريط؟
< تصوير هذا الشريط وإنتاجه كان صعبا للغاية. الشريط خرج من رحم نوعين من المعاناة، الشق الأول مرتبط بطاقة الإنتاج، أي أننا لم نتلق أي دعم مغربي باستثناء الدعم الألماني وفريق التصوير، بالرغم من أن القصص والظاهرة مغربية، أما الجزء الثاني من المعاناة فيتجلى في بؤس الأمهات العازبات في المغرب، لتلتقي معاناة من ينتج ومن يشارك ويعبر في شريط سينمائي يعرض في النهاية قصصا لجواهر حزينة.
{ تم اقتطاع جزء من هذا الشريط وبث على مواقع إخبارية مغربية ما اعتبره البعض إساء لصورة المغربيات، ما تقييمك لذلك؟
< الإساءة هي التي قامت بها الأيادي الخفية في هذا العمل الشنيع والمشوه للإبداع وللحقيقة، كما يسيء للأمهات العازبات وللمرأة المغربية. شعرت بألم شديد بعد هذا العمل الذي يمكن وصفه بالجبان، والذي زاد من حسرتي التي تشبه واقع الوضع النسائي المغربي. ورغم كل ذلك، انتصر الإبداع وتمكنا من حذف الشريط من موقع يوتوب، حيث تفهمت الإدارة حجم الجريمة.
{ لماذا تتطرق في معظم أعمالك الوثائقية لقضايا المرأة؟
< هناك أسباب ذاتية وأخرى موضوعية تجعلني أهتم بموضوع المرأة في أعمالي. أولا لأن المرأة هي التي تعطي الحياة وسبب وجودنا جميعا. كلنا نحمل بصمة الحبل السري، وكأننا لن ننفصل عن منبع الحياة. ثانيا، تجاربي مع جدتي وعمتي وأمي أغنت معرفتي، بداية من ولوج «حمام النساء» الذي طردت منه بسبب سني، لأنني لم أعد طفلا، لن أنسى تلك المرأة التي تدعى «الطيابة» وهي توجه الكلام لي: «أنت أصبحت رجلا، لا تأتي إلى هنا المرة المقبلة. هناك مشهد جميل في شريط فريد بوغدير «عصفور السطح» يعبر بوضوح عن هذا الوضع، وكأن المخرج صور الحكاية كما عشتها في بلدة اسمها سيدي قاسم، فالحكايات التي سمعتها دون رقابة أو وساطة أتت من أفواه النساء، كما أن صدقاتي مع «سي احمد الفقيه» الذي أعتز بالكنز الذي قدمه لي، وأغنى معارفي ودراساتي الجامعية في المغرب. أما الإقامة في كندا، فقد زادت من اهتمامي بالجنسانية والمرأة، وكل ما هو مؤنث في الأدبيات النسائية، وساهمت في إثارة السؤال في نفسي.
{ مؤخرا أثار موضوع الإجهاض ضجة في الساحة السياسية والإعلامية، ألم يوح لك هذا النقاش بفكرة تناوله بشكل جديد في شريط وثائقي؟
< لقد قمت بذلك في شريط جواهر الحزن الذي يضم مقطعا لأول ندوة علمية حول الإجهاض السري التي نظمت في مايو 2010، وشارك فيها رئيس جمعية مناهضة الإجهاض السري الدكتور شفيق الشرايبي، إلى جانب عدد من المختصين. الشريط هو شهادة حية عن النقاش الذي بدأ في المغرب منذ تلك الفترة، وتم تسجيله كمادة تؤثث قصص الشريط. بالفعل، موضوع الإجهاض يحتاج إلى أعمال سينمائية أخرى ومن زوايا مختلفة.
{ كيف تقيم صناعة الأفلام بالمغرب؟
< أنا لست ناقدا سينمائيا، لكن كمخرج ومنتج أقول: هناك تطور ملموس في الكم السينمائي، أي في حصيلة الإنتاجات السينمائية كل عام، لكن حسب تقييم جل النقاد، فأغلب الأفلام تنقصها الجودة جماليا وفنيا، وتحتاج إلى مجهود وتصور سينمائي استراتيجي، ويمكن القول إننا في بداية الطريق، لأن الإبداع لا ينفصل عن التطورات المجتمعية.
{ ألم تراودك فكرة العودة إلى الاستقرار ببلدك الأصلي؟
< طرحت فكرة العودة أكثر من مرة، لكن السؤال ما زال معلقا إلى حين أن تنضج الشروط ويظهر حجم الشمس جليا: إلى متى نقدم كل العطاءات في المهجر والمغرب يحتاج ذلك؟
{ ما هي مشاريعك المستقبلية؟
< أشتغل حاليا على فيلم تسجيلي جديد عن السجن والمرأة، أي السجن في المغرب بصيغة المؤنث. الشريط يحمل عنوانا دالا: «صمت الزنازين». وبالموازاة مع ذلك، هناك مشاريع سينمائية لم تنضج بعد، لأن السينما عمل إبداعي، والإبداع يحتاج إلى وقت وبحث وتدقيق في كل التفاصيل.