تحاشى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الرد بشكل صريح على المذكرة التي رفعتها أحزاب المعارضة إلى الديوان الملكي، واكتفى بالقول، مساء يوم الأربعاء، إنه عادة ما يُتهم بالتنازل عن صلاحياته الدستورية للقصر، لكن حينما يشدد جلالة الملك على تولي رئيس الحكومة عملية الإشراف السياسي على الانتخابات، سرعان ما ينتقد خصومه ذلك.
وأضاف رئيس الحكومة، خلال لقاء مفتوح نظمه طلبة مدرسة الاقتصاد والحكامة بالرباط حول منجزات الحكومة، أنه كان يتوقع حينما كلفه الملك بالإشراف على الانتخابات أن يكون يوما استثنائيا بالمغرب، لأنه جرت العادة أن تتكفل وزارة الداخلية وحدها بتنظيم الاستحقاقات، بيد أن الأمر تحول إلى «تشكيك ومحاولة لقلب الأمور رأسا على عقب».
بعد ذلك، عاد بنكيران ليقدم التبريرات حول لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش القمة العربية التي عقدت بشرم الشيخ، وشدد على أن رئيس الحكومة لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول، سواء أكان الرئيس مرسي أو السيسي، وسواء وقع انقلاب أم حدثت ثورة أطاحت مرسي. وأضاف بنكيران أن مجال السياسة الخارجية للمغرب محفوظ لجلالة الملك محمد السادس، ضيفا أن له القدرة والحنكة على تدبيرها، وأن الفاعلين السياسيين يطبقون توجيهاته.
وانتفض بنكيران في وجه معارضي لقائه بالسيسي، قائلا: «ماذا تريدون؟ هل تريدون أن يتدخل رؤساء الدول والحكومات في شؤون المغرب الداخلية، أو في قضية الصحراء المغربية؟». وفي ما يتعلق بمشاركة القوات المغربية في عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن، استعان بنكيران بمقطع من جواب للملك الراحل الحسن الثاني في لقاء صحفي سنة 1983، حينما أعلن أنه «مستعد لإعلان الجهاد إذا كان الحرمان في خطر»، مضيفا أن هذا ما قام به المغرب حاليا دفاعا عن العربية السعودية، مشددا على أن الدول العربية لا تسمح لدولة واحدة ببسط هيمنتها. وأضاف بنكيران أن الحوثيين «إخواننا في الدين لكنهم فئة مرتبطة بدولة تريد الهيمنة، ولن نسمح لليمن بأن تستعمرها فئة لأنها تملك دعم دولة»، في إشارة ضمنية إلى إيران.
وأظهر بنكيران مساندة غير مسبوقة للنساء المغتصبات أياما قليلة قبل رفع وزارة العدل والحريات ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان قرارهم بشأن تنظيم الإجهاض إلى الملك محمد السادس، ورغم تحاشي رئيس الحكومة إبداء موقف الحكومة وحزبه من عملية تقنين الإجهاض، قائلا: «لن أقول رأيي، لأن الدولة لها رئيس هو جلالة الملك، وهو من يشرف على الموضوع»، بالإضافة إلى أننا «لم نحسم بعد في هذا الموضوع داخل الحزب وداخل الحكومة»، فإن رئيس الحكومة أعلن رفضه تحميل مسؤولية نتائج الحمل الناتج عن الاغتصاب أو غيره للفتاة لوحدها، مضيفا أن «المجتمع يأكل الفتاة التي تقع في خطأ حمل غير مرغوب، وتجد الفتاة نفسها وسط غابة من الوحوش»، مؤكدا أن الحمل والمولود يتحمل مسؤوليتهما شريكان، وعلى الرجل تحمل الجزء الآخر من الأعباء.
ورد بنكيران على الانتقادات التي وجهت إليه بشأن التحالف مع حزب التجمع الوطني للأحرار خلال النسخة الثانية من الحكومة، مؤكدا أنه لم يسبق له يوما أن اتهم أمينه العام صلاح الدين مزوار بالفساد، معترفا بوقوع صراع سياسي تخلله «كلام قاسح، دون أن يؤدي الأمر إلى العداوة، والمثل يقول: لا محبّة إلا بعد عداوة»، وأضاف بنكيران: «حتى في قضية العلاوات التي فجرتها يومية ‘‘أخبار اليوم’’ والتي استفادَ منها مزوار حينما كانَ وزيرا للاقتصاد والمالية، فالأمر كان سائدا منذ الاستقلال، ولم أؤاخذ مزوار بالاستفادة منها بل لأنه لم يوقع عليها، لكن بعد استقبالي الخازن العام للمملكة أكد لي أنه قانونيا هو من يملك حق التوقيع وليس وزير المالية». وعبر بنكيران عن اطمئنانه البالغ إلى التحالف مع حزب التجمّع الوطني للأحرار بعد خروج حزب الاستقلال إلى المعارضة، قائلا: «هل تريدون أن نذهبَ إلى تنظيم انتخابات جديدة ونعرّض البلاد للخطر؟».
وأثنى رئيس الحكومة على المجهودات التي يبذلها وزيره في العدل والحريات، مصطفى الرميد، مؤكدا اطمئنانه على حالة القضاء في الوقت الراهن، ومعترفا بأن تغيير العادات السيئة التي ترسخت في المنظومة القضائية على مدى أربعين سنة، حينما كان يوظف القضاء في الصراع لتصفية الحسابات السياسية، يتطلب بعض الوقت لتنزيل الترسانة القانونية. وأكد بنكيران أنه مقتنع بضرورة تحسين الوضعية المالية للقضاة قبل تطبيق قانون «اللي حصل يودي»، مضيفا أن حكومته كانت لها شجاعة جر عدد كبير من القضاة إلى القضاء بسبب الفساد.
وكشف بنكيران لأول مرة أنه طالب مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، باعتقال كتاب الضبط الذين يحتلون المحاكم، و«كايضربو المْقالي والكاصرونات أمام قاعات المحاكم من أجل التشويش على زملائهم غير المضربين». وأوضح أنه ليس ضد ممارسة الموظفين لحقهم الدستوري في الإضراب، لكن هذا الحق لا يعني احتلال أملاك الدولة.