يعتبر القطاع البنكي أحد أكثر القطاعات الاقتصادية قوة ومناعة في المغرب، ما تفسير ذلك؟
من المؤكد أن القطاع البنكي المغربي يعد من بين أكثر القطاعات الاقتصادية قوة ومناعة ليس فقط، على المستوى الوطني، بل كذلك على المستوى الإقليمي والقاري، بحيث يعتبر القطاع الوحيد الذي لم يتأثر بالأزمة الاقتصادية والمالية العالمية لسنة 2008، وهو ما شكل حينذاك دليلا على صلابة هذا القطاع. وبالعودة إلى الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع يمكن أن نقدم ثلاثة عوامل أساسية. العامل الأول يتعلق بالمنظومة القانونية والمؤسساتية التي تنظم وتضبط القطاع، والمتسمة بالتماسك والفعالية، خصوصا فيما يتعلق بالإجراءات والتدابير الاحترازية عالية المستوى، التي تخضع لها الأبناك المغربية، والتي تنضبط لاتفاقيات بال 1 وبال 2 المتعلقة بسلامة القطاع البنكي.
ماذا عن العاملين الثاني والثالث؟
يتجلى العامل الثاني في ضعف انفتاح الأبناك المغربية على أنشطة ومعاملات عالية المخاطر على المستوى الدولي، وهو ما يجعلها في منأى عن كل التداعيات السلبية الممكن أن تترتب عن ذلك. أما العامل الثالث والأخير، فيكمن في الضبط الذاتي الذي تمارسه الأبناك المغربية في إطار معاملاتها، وهو ما يتضح في نهجها اختيارات استثمارية ضعيفة المخاطر، مع الحرص على التحكم بشكل كبير في حجم القروض ذات المخاطر المتوسطة والعالية، لدرجة أن الأبناك المغربية أصبحت متهمة بتغليب هاجس السلامة على أدوارها الاقتصادية في دعم الاستثمار والاستهلاك.
هل يعتبر القطاع البنكي في المغرب عاملا مساهما في تحقيق النمو أم يحدّ منه في ظل وضعية شبه الاحتكار التي يعيشها والحضور الفرنسي القوي فيه؟
يعتبر القطاع البنكي المغربي من بين القطاعات الاقتصادية الوطنية الأكثر تركيزا، بالنظر إلى عدد الفاعلين المركزيين. فالمتأمل في خريطة القطاع يستشف بجلاء أن أربعة أبناك فقط، تستحوذ على أكثر من 70 في المائة من الودائع والقروض البنكية، في المقابل، فإن الفاعلين الآخرين يلعبون أدوارا هامشية في تعزيز المنافسة، وبالتالي، فهم غير قادرين على خلخلة التوازنات الكبرى والوضع القائم. وضع يجعل مسألة المنافسة تطرح بحدة، على ضوء نهج الفاعلين الرئيسيين لاستراتيجيات غير صدامية، تحفظ بشكل ضمني للأبناك الرئيسية موطئ قدم في السوق، وهو ما يقلص في المقابل من إمكانيات وفرص مساهمة الأبناك بشكل فعّال في تحفيز النمو الاقتصادي، على اعتبار أنها تفضل تمويل القطاعات التقليدية كالعقار والاتصالات والتوزيع، مع تجاهل أو تجنب تمويل القطاعات الصاعدة أو المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والتي تشكل عماد النسيج الاقتصادي الوطني.
أما بالنسبة إلى الحضور الفرنسي في رساميل الأبناك المغربية، فلا يمكن الجزم بتأثيره بشكل كبير على توجهات الأبناك في السوق المحلية، على اعتبار أن تلك التوجهات ترتبط في جزء كبير منها بواقع السوق المحلية ومنسوب المنافسة وطبيعة التشريعات الجاري بها العمل.
في ظل قطاعات صناعية ومالية متواضعة، يظل المواطن الزبون الرئيسي للمؤسسات البنكية، هل يتمتع المغرب بالحماية الكافية كمستهلك للمنتوج البنكي؟
يجب الإقرار أولا أن المشرع من جهة، وبنك المغرب من جهة أخرى، قد عملا بشكل حثيث مند منتصف التسعينيات على إقرار شكل من أشكال التوازن في العلاقات بين الأبناك وزبنائهم، عبر تعزيز منسوب الشفافية في العلاقات التعاقدية، والسعي نحو توازن بين الطرفين، بما يكفل بالأساس حماية الطرف الأضعف المتمثل في الزبون البنكي، وهو ما يمكن أن تؤكده دوريات بنك المغرب التي ألزمت الأبناك المغربية بالإعلان عن أسعار خدماتها، وإجبارها على مجانية عدد من الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى إلزامية إخبار الزبون بتفاصيل العمليات البنكية والاقتطاعات بشكل أكثر وضوحا. لكن في المقابل، لازالت العقود التي يرتبط بها المغربي مع مؤسسته البنكية عقود إذعان تفرض عليه شروطا مجحفة، بل إن المنظومة ككل تجعل إمكانيات دفاع الزبون عن مصالحه تصطدم بإكراهات بيروقراطية وتعقيدات مسطرية عديدة.
* عثمان كاير :أستاذ باحث، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء