حكومة بنكيران السمينة 

06 أبريل 2015 - 20:06

هل تساءلتم يوما لماذا يتحدث رئيس الحكومة عندنا في الميكروفون عندما يخاطب وزراءه في المجلس الحكومي؟ وهل سألتم يوما أنفسكم لماذا تجتمع الحكومة حول طاولة مستطيلة من 15 مترا؟ كم منكم يعرف أسماء الوزراء كلهم؟ أظن أن بنكيران نفسه لا يستطيع أن يستظهر أسماء وزرائه ووزارات حكومته دون أن يستعين بلائحة مكتوبة…

الرقم 39 هو المسؤول عن الميكروفون والطاولة الكبيرة وجهل الناس بأسماء الوزراء، وأقصد 39 وزيرا في بلد لا يتعدى عدد سكانه 34 مليونا. إليكم عدد الوزراء في بلدان كبيرة وصغيرة: في اليابان، التي يوجد فيها 140 مليون إنسان، والتي تفوق أرباح شركة كبيرة واحدة فيها مداخيل المغرب، هناك 14 وزيرا فقط. في سويسرا، الدولة الأغنى والأغلى والأجمل، حكومتها لا يزيد عددها على سبعة وزراء.. نعم سبعة وأقسم على ذلك، حيث يمكنهم أن يجتمعوا في مقهى أو في غرفة صغيرة ويتحدثوا بدون ميكروفون. في إسبانيا جارتنا، الحكومة فيها مشكلة من 14 وزيرا لا أكثر. في إيرلندا الحكومة مشكلة من 15 وزيرا، وفي جل الدول الأوروبية المتقدمة لا يزيد عدد الوزراء في كل أنواع الحكومات على معدل 14 أو 15 وزيرا، أما نحن فلدينا جيش من الوزراء.. 39 وزيرا. هذا ليس له إلا اسم واحد: الرشوة. الدولة ترشي نخب الأحزاب حتى يضع جلهم مؤخرته على جلد كراسي الوزارات، لأن ما يجمع جل النخب في دكاكين الأحزاب هو المصالح لا المبادئ.. المناصب لا البرامج.. المال والأبهة والسلطة لا الأفكار والشعارات والإيديولوجيات…

الحكومات السمينة ليس لها من هدف في المغرب إلا توسيع الكعكة التي تأكل منها الأحزاب ثم الدولة ثم التقنوقراط، لكن من يدفع الفاتورة في نهاية المطاف؟ الشعب وميزانيته الفقيرة، وأكثر من هذا غياب الالتقائية والتنسيق بين الوزارات الكثيرة.. هذا الوزير يشرق وذاك يغرب، وتصبح الحكومة مثل فرقة موسيقية كل واحد من عناصرها يعزف لحنا خاصا به. هذا يسمى ضجيجا وليس طربا، وفوق هذا نؤدي لجوق الفوضى هذا ثمنا كبيرا أثناء الخدمة وما بعد الخدمة. نحن من البلدان القليلة التي تصرف على وزرائها بعد خروجهم من السلطة طيلة حياتهم. تصوروا كم سيدخل إلى جيب وزير شاب اسمه بوهدود دخل الحكومة وهو ابن الثلاثين وسيخرج منها وهو ابن 35 سنة، وسيظل تقاعد الوزراء يصله إلى أن يلتحق بالرفيق الأعلى (أطال الله في عمره)…

هناك وزارات كثيرة لا لزوم لها في المغرب، وهناك وزراء لا يفعلون الشيء الكثير، لهذا وجبت عقلنة عدد الوزراء في تشكيل الحكومات. ولأن المفاوضات التي تسبق تشكيل الحكومات بلا سقف عندنا، فإننا نسقط في هذا المشكل العويص، والحل ثلاثة أشياء…

أولا: لا بد من التنصيص في القانون التنظيمي لعمل الحكومة على سقف معين لعدد الوزارات في أية حكومة لا يجوز تجاوزه مهما كان الأمر (ما بين 18 و20 وزيرا). السياسيون شهيتهم دائماً مفتوحة لمزيد من الوزارات، ومادامت الحكومات الائتلافية أصبحت عندنا من الثوابت الدستورية، فإنه من الأفضل أن نتحكم في عدد الوزارات، وألا نبقي هذا الأمر في يد أحد، لأنه ثبت أن المسؤولين في هذه البلاد لا «كبد» لهم على المال العام. 

ثانيا: لا بد من إلغاء تقاعد الوزراء. هذه بدعة وضعها الحسن الثاني، رحمه الله، والجميع يعرف أنه كان أبعد ما يكون عن التفكير الاقتصادي المعقلن. كان يعتبر توزيع المال العام جزءا من الحكم، وأنه يحتاج إلى ملء أفواه السياسيين بالذهب حتى لا ينطقوا بما يغضبه أو يحرض عليه. إذا كان وزيرنا المغربي قد أمضى خمس سنوات في الحكومة ولا يعرف بعد الخروج منها كيف يدبر حياته وحياة أسرته، فهذا شخص فاشل لا يصلح لشيء، ومن الأفضل معاقبته لأنه دخل إلى السياسة قبل أن يتعلم حرفة يأكل منها. الدول الكبرى تبقي تقاعدا للرؤساء فقط بعد نهاية فترة خدمتهم، مثل فرنسا وأمريكا، لأنه لا يعقل أن يخرج الرئيس من البيت الأبيض أو من قصر الإليزيه ليشتغل في شركة أو مقاولة أو مكتب محاماة، لكن باقي الوزراء عليهم الرجوع إلى أعمالهم، فالوزارة مهمة وليست حرفة، والسياسة عمل نبيل وليست كازينو نربح فيه فرصة العمر.

ثالثا: أحد أسباب نشوء الوزيعة حول المناصب الحكومية هو آفة الحكومات الائتلافية المشكلة من أربعة أو خمسة أحزاب، فبعد انتهاء مجزرة الانتخابات كل حزب يخرج كل أسلحته للتفاوض للحصول من رئيس الحكومة على أكبر قسط من الوزارات ليعطيها للكواسر الذين ينتظرون في مقر الحزب، بعضهم عن استحقاق وكثير منهم عن غير استحقاق، وهنا يلعب الأمين العام للحزب لعبته.. يعطي هذا وزارة ويحرم ذاك.. يقبض من هذا بدعوى بناء الحزب، ويعد ذاك بأن الخير إلى الأمام. الوزيعة الوزارية أداة فعالة لتطويع مناضلي الوزارات، وعندما تتشكل الحكومة يفتح بازار السفراء والمديرين والكتاب العامين والمناصب السامية أبوابه، وبقية القصة تعرفونها.. فضائح بالجملة، ومشاكل لا تنتهي بين الوزراء حول الصلاحيات والمكاتب والميزانيات…

يجب إعادة النظر في نمط الاقتراع والعتبة وتقسيم الدوائر لنصل إلى الأغلبيات الواضحة، ونبتعد عن البلقنة، ويجب أن يضع قانون الأحزاب آلية ديمقراطية وفعالة لاختيار الوزراء من وسط الأحزاب، وألا يترك الأمر للحسابات الضيقة سياسيا والواسعة ماليا، والفاهم يفهم…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

المرضي almardi منذ 9 سنوات

موضوع جميل لكن افسدته هذه العبارة "مؤخرته" والتي لاتليق بكم كصحفيين محترمين

عبد الوهاب وجدة منذ 9 سنوات

تحليل دقيق وموضوعي !لكن أﻻ تعتقد يا سي توفيق ان كل الفاعلين السياسيين يدركون هذه الحقائق المرة ، فمن سيصلح الوضع يا ترى ؟؟

correctif-M.KACEMI منذ 9 سنوات

يبدو لي أن الإشكال في المغرب ليس هو تحديد ما ينبغي فعله للحصول على دولة حديثة ومنظمة بشكل فعال، بقدر ما هو في توافر الإرادة السياسية الكافية لدى أولي الأر لتحقيق ذلك. في هذا الباب، نتمنى فعلا أن تتوافر تلك الإرادة، دونما حاجة إلى 20 فبراير آخر قد يتجاوز سابقه في حدته

M.KACEMI منذ 9 سنوات

يبدو لي أن الإشكال في المغرب ليس هو تحديد ما ينبغي فعله للحصول على دولة حديثة ومنظمة بشكل فعال، بقدر ما هو في توافر الإرادة السياسية الكافية لدى أولي الأر لتحقيق ذلك. في هذا الباب، نتمنى فعلا أن تتوافر تلك الإرادة، دونما حاجة إلى 20 آخر قد يتجاوز سابقه في حدته

محمد منذ 9 سنوات

هده المظالم لازالت مستمرة في عهد اادستور الجديد

Omar OUHARI منذ 9 سنوات

Une très bon analyse et même profonde. Vous avez su mettre le doigt sur la source de problème mais je vous reproche le fait d'attaquer BENKIRAN car celui-ci n’est en rien dans toute cette histoire et ne peut pas changer tout d’un seul coup.

adil منذ 9 سنوات

Analyse très pertinente . Je la partage totalement

سليم منذ 9 سنوات

مقال رائع شكرا السيد توفيق

محمد بوعلام منذ 9 سنوات

نمط الإقتراع المعمول به في المغرب طريقة مبدعة للتحكم في نتائج الإنتخابات بدل تزويرها, هذا أمر يعمل به المخزن حتى يظل متحكما دوما في معاش المغاربة ويصبح وصيا على اختياراته السياسية, كل الخير في إصلاح نمط الإقتراع وكل الشر يأتي حتما من بلقنة الخريطة السياسية, وكنا نرجو من وصول بنكيران إلى رئاسة الحكومة أن يقوم بالظغط على القصر حتى يفتح على الأقل هذا الموضوع للنقاش, وهو الأمر الذي سيشفع له في التاريخ إن نجح في تحقيقه, وبعد ذلك فالإصلاح ودمقرطة المغرب سياسيا واجتماعيا سيكون نتيجة حتمية وسريعة في أقل من 10 سنوات

Abdo منذ 9 سنوات

on en a marre, la classe moyenne travaille dure et paie bcp de taxe sans contrepartie ni securite, no education gratuite pour les enfants, ni couverture medicale

ياسين بن أحمد منذ 9 سنوات

صدقت سيدي الأستاذ المثقف والمحلل الحكيم توفيق بوعشرين

التالي