يبدو أن المغرب مقبل على مشاركة قوية في القوة العربية المشتركة التي تم الإعلان عن ميلادها في القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ وإن كانت حجمها لن يصل إلى حجم مشاركة دول من السعودية ومصر.
بمشاركته في العمليات العسكرية ضد ميليشيات «الحوثيين» في اليمن، دخل المغرب دائرة الدول الموضوعة تحت الأضواء الكاشفة لكبريات وسائل الإعلام والخبراء المتخصصين في الشؤون الاستراتيجية. الموقع الجغرافي للمغرب، البعيد عن مناطق التوتّر في المشرق العربي، جعل مشاركته في التحالف، الذي تقوده السعودية، محط تساؤلات ومحاولات لإيجاد تفسيرات مقنعة. فيما تكشف المصادر الخليجية المقربة من مراكز القرار، تدريجيا عن أهداف وانتظارات إمارات الخليج من وراء إشراك المغرب في معاركها العسكرية.
5000 جندي مغربي خلف السعودية
صحيفة «دي ناشيونال» التي تصدر من إمارة أبو ظبي باللغة الإنجليزية، كشفت، أمس، عن ملامح القوة العربية المشتركة التي يجري التحضير لتشكيلها، وحجم المشاركة المغربية المرتقبة في هذه القوات. الخبير الدولي «تيودور كاراسيك»، سجل في تقرير مفصّل كيف أن العمليات الجارية حاليا في اليمن تمثّل «تدريبا» أوليا وتحضيريا لإنشاء القوة العربية المشتركة، وأن التعقيدات التي تتسم بها الساحة اليمنية، مجرّد نموذج لما يمكن أن تكون عليه مهام أخرى قد تُوكل للجيش العربي الموحد، متوقّعا احتمال قيام هذه القوات العربية بتدخّل عسكري في ليبيا خلال عام من الآن.
الخبير الدولي قال إن الاعتماد الكبير على القوة الجوية في العمليات الجارية حاليا في اليمن، تكشف عن أن الخلفية العسكرية لما يجري هي التجربة العسكرية الأمريكية في المنطقة، والقائمة على اعتماد الضربات الجوية بالدرجة الأولى. وذكّر صاحب التقرير أن معظم الدول السنّية العشر المشاركة في «عاصفة الحزم»، شاركت في مناورات عسكرية مشتركة طوال السنوات الماضية، وتحديدا منذ اندلاع الربيع العربي. وأوضح الخبير الدولي أن التحالف العسكري الناشئ يتمحور حول العاصمة السعودية الرياض، على غرار حلف شمال الأطلسي المرتكز في العاصمة البلجيكية بروكسيل. وبعدما توقّع تيودور كاراسيك أن تنطلق هذه القوات العربية المشتركة بما يناهز 7000 جندي، قال إن العدد الإجمالي لن يتعدى المائة ألف، «على أن تشارك العربية السعودية بخمسين في المائة، وباكستان بـ15 في المائة، ومصر بـ10 في المائة، وكل من الإمارات العربية المتحدة والأردن والمغرب بخمسة في المائة، والسودان ستشارك بنسبة 4 في المائة بينما تساهم دول البحرين والكويت وقطر بنسبة 2 في المائة لكل منها». تقديرات تعني أن المغرب سيكون مدعوّا للمشاركة بما يقارب 5000 عسكري ضمن هذه القوات العربية المشتركة.
حلول عربية للمشاكل العربية
العقيدة العسكرية للقوات العربية المشتركة، لا تخلو، حسب الخبير نفسه، من مستجدات، حيث قال إنه وبعد عقود من استلهام الجيوش العربية لعقيدتها العسكرية من مرجعيات غربية أو روسية، فإن الهدف وراء إحداث هذه القوات هو بناء مرجعية عسكرية جديدة، تلعب فيها العربية السعودية دور رأس الحربة باعتبار «الملك سلمان ليس مجرّد حاميا للحرمين الشريفين فقط، بل حامي للدول السنّية كلّها». وأوضح الخبير الدولي أن مهندسي هذه الخطوة يسعون إلى بعث رسالة قوية إلى العواصم العربية السنية واكتساب تعاطف كبير فيها.
الخبيران كارولين ألكسندر وكلين كاري، أعدا بدورهما تقريرا لحساب مجموعة «بلومبرغ» النيويوركية، وهي عملاق في مجال الإعلام والدراسات الاستراتيجية، قالا فيها إن أكبر مصدّر عالمي للبترول، قرّر بعد ثلاثة أشهر فقط، من وصول الملك سلمان إلى الحكم، التخلي عن اختياره التقليدي القائم على استعمال القوة الناعمة، وهو التحوّل الذي قال الخبيران إنه بدأ مع انطلاق الربيع العربي. تحوّل قال الخبيران إن مصدره اقتناع واضح لدى العربية السعودية، بأن واشنطن لم تعد مستعدة لحماية حلفائها. فكرة أكدتها لصاحبي التقرير الخبيرة «أنا إيشاك»، المتخصصة في شؤون الخليج، والتي أوضحت أن العربية السعودية تقود عملية التأسيس لحلول عربية للمشاكل العربية، وهو ما استعدّت له السعودية بإرسال قواتها وقوات حلفائها للمشاركة إلى جانب القوات الأمريكية في ضرب «داعش». لكن ماذا عن الدور المغربي؟
العسكر مقابل المال
كارولين ألكسندر وكلين كاري وضعا المغرب ضمن ما سمّوه الفئة الثانية من حلفاء العربية السعودية. فبينما تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي مجال التأثير الحيوي والمباشر للعربية السعودية، قال الخبيران إن كلا من مصر والأردن والمغرب تعتبر دولا عربية سنّية مرتبطة بمصالح مادية مع العربية السعودية وتعتمد كثيرا على دعمها المالي. وعزّز الخبيران طرحهما هذا بتأكيد من توبي جونز، الأستاذ في جامعة روتجرز، والذي صنّف كلا من المغرب والأردن ضمن فئة الدول الأكثر حاجة إلى دعم السعودية المالي. خبير آخر هو الأمريكي بول شينكمان، نشر دراسة مطوّلة عبر موقع شبكة « U.S. News & World Report »، خلص فيها إلى أن أوباما نجح أخيرا في تحقيق نظريته القائمة على ترك الشرق الأوسط يخوض حروبه بنفسه. شينكمان قدّم تفسيرا إضافيا للمشاركة المغربية في الحلف العسكري الذي يوجّه ضرباته الجوية حاليا ضد ميليشيات «الحوثيين»، وأوضح أن التجارب الوحدوية السابقة في المنطقة العربية، من قبيل جامعة الدول العربية، كانت «تحالفات بدون أسنان». وأوضح الخبير الأمريكي أن حرص المملكة العربية السعودية على إنجاح تحرّكها العسكري الجديد في اليمن في أفق تحويله إلى أداة عسكرية ناجعة، دفعها إلى الاستعانة بدول ذات «جيوش قوية»، وذكر الخبير الأمريكي على وجه الخصوص كلا من باكستان ومصر والمغرب، «وهم من أكبر المستفيدين من مليارات الدولارات والمعدات العسكرية مثل الطائرات المقاتلة والدبابات، وسعت المملكة العربية السعودية أيضا إلى إشراك رمزي للسودان، والتي سمحت سابقا لإيران باستخدام أراضيها لنقل شحنات أسلحة إلى المقاتلين في غزة وحولها». ورغم تأكيد الخبير الأمريكي وقوف واشنطن وراء هذا التحالف العسكري الجديد ودعمها له، إلا أنه قال إن المملكة العربية السعودية يمكن أن تتصرّف دون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، لتضاؤل منسوب الثقة فيها بفعل تقاربها المتنامي مع ايران. وشدّد شينكمان على أن كلا من الرياض وطهران ينظران إلى الانسحاب الأمريكي المتواصل من المنطقة فرصة للبروز كقوى إقليمية ولعب أدوار كبيرة.