استراتيجية بيع الوهم..

08 أبريل 2015 - 23:52

المراقب للسلوك السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة يلاحظ بأن هذا الحزب أصبح يعاني من أزمة بنيوية ذات بعدين: أزمة وظيفة وأزمة منهج. كيف ذلك؟

عندما تأسس هذا الحزب في أعقاب الانتخابات التشريعية لسنة 2007 بالطريقة المعلومة، أُسندت إليه وظيفة واضحة، وهي مهاجمة حزب العدالة والتنمية، والحد من حضوره السياسي والانتخابي.

الآن، يمكن القول بأن هذا الحزب فشل في الوظيفة الأساسية التي أسندت إليه، وظهر واضحا بأن هذا الحزب بات يعاني من أزمة وظيفة..لكن ما يعرفه الكثير من المراقبين أن التيار المتنفذ داخل الحزب رسم أجندة موازية للوظيفة الأساسية التي رسمت له في البداية، وهي أجندة جمع الثروة عن طريق ابتزاز أصحاب رؤوس الأموال باسم الدولة، بالإضافة إلى اختراق أجهزة الدولة ومواقعها الحساسة لخدمة مشروع سياسي وإيديولوجي قديم..

لم ينجح الوافد الجديد في وظيفته الأساسية لسببين: السبب الأول هو الدينامية الاحتجاجية التي أطلقها شباب 20 فبراير، وهي دينامية رافضة لمسار التحكم السياسي، الذي اعتمده الحزب. والسبب الثاني هو نجاح حزب العدالة والتنمية في البرهنة على أنه حزب وطني يهدف إلى الإسهام في الإصلاح تحت ريادة المؤسسة الملكية، وأن جميع التخوفات التي كانت تُثار حوله نابعة من غياب المعرفة الدقيقة بمنهجه الإصلاحي، وبأسلوبه في العمل داخل المؤسسات.

والنتيجة التي يحاول النافذون في حزب الأصالة والمعاصرة التستر عنها الآن، هي يُتْمُهُ عن أجهزة السلطة وتجريده من كل غطاءٍ سياسي رسمي، لما أصبح يمثله هو والنافذون فيه من عبء سياسي على كل من ارتبط به في يوم ما.

إن فشل الحزب المعلوم في القيام بما وعد به من أوهام، كان من المفروض أن يفضي إلى إعادة صياغته على أسس جديدة أو انسحابه من الحياة السياسية.

 لكن المتنفذين فيه مازالوا يصرون على المكابرة واعتماد سياسة الهروب إلى الأمام، عن طريق بيع الوهم للجميع، وعلى رأسهم الأعيان محترفي الانتخابات. وهنا ننتقل إلى النوع الثاني من الأزمة.

إنها أزمة المنهج عند الحزب في التعاطي مع الاستحقاقات الانتخابية..

في الانتخابات الجزئية لسنة 2008 لجأ الحزب حديث النشأة، إلى ترشيح شخصيات سياسية لا حاضن شعبية لها، فكانت النتيجة مُخيبة للآمال..

فَهِم القائمون على الحزب أن رهان الانتخابات المغربية يمر عبر طريقين: حزب سياسي حقيقي حامل لمشروع إصلاحي وله امتداد شعبي، وهذا ما ليس بمقدور الحزب بفعل عامل الزمن، أو كائنات انتخابية محترفة لها القدرة على انتزاع المقعد بأساليب مختلفة..

لذلك اختار الوافد الجديد الأسلوب الثاني بدعم مكشوف من بعض مراكز النفوذ داخل الدولة، وهكذا قام الحزب آنذاك بمساعدة جزء من الإدارة التي تحالفت معه بتوظيف أعيان الانتخابات وبعض أصحاب المصالح وسرقة مرشحي الأحزاب الأخرى وتوظيف بعض مسؤولي النيابة العامة ورجال السلطة..

الآن، لم يعد من الممكن القيام بهذه الأساليب التحكمية بشكل مباشر، إذ تمت الاستعاضة عن ذلك بأسلوب جديد..

تقوم استراتيجية بيع الوهم على تبني خطاب هجومي صوب رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والعدل والحريات، وهي استراتيجية تستهدف ادعاء سطوة وهمية والظهور بمظهر الحزب القوي الذي لازالت تربطه علاقة وظيفية بمراكز النفوذ داخل الدولة، لعل الحيلة تنطلي أولا على الأعيان محترفي الانتخابات، فينضموا إلى صفوف الحزب المعلوم لإحساسهم بالأمان في صفوفه، ثم من أجل أن تختلط الأمور في أذهان بعض مسؤولي القضاء والإدارة الترابية حتى يغضوا الطرف عن تجاوزات محترفي الانتخابات هؤلاء…

لكن هيهات..لقد انتهى عهد التحكم..انتهى عهد التجول في أروقة وزارة الداخلية بملابس الرياضة.. لا بديل عن ارتداء ربطات العنق الآن ومخاطبة الناس تحت الشمس ..ولو ببيع الوهم للمغاربة..

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مصطفى منذ 9 سنوات

لا تكن قاسيا عليهم، فهم إخوانكم في السياسة. فروعكم شتى لكن أصلكم واحد. لاتقس عليهم ! يمكن أن تتحالفوا معهم في أية لحظة كما تحالفتم مع السيد مزوار ومن معه.

مصطفى منذ 9 سنوات

لا تكن قاسيا عليهم، فهم إخوانكم في السياسة. فروعكم شتى لكن أصلكم واحد. لا تقس عليهم، يمكن أن تتحالفوا معهم في أية لحظة كما تحالفتم مع السيد مزوار ومن معه ! إن غدا لناظره لقريب.

mohammed منذ 9 سنوات

البصري هو من سهر على خلق العدالة والتنمية لهدفين اساسيين الهدف الاول هو الحد من المد اليساري الذي كان يزعج المخزن وكانت الجامعات المغربية الحاضنة لهذا المد والممول للأحزاب بالنخب ، والسبب الثاني هو التقليص من نفود العدل والاحسان . فالاستراتيجية التي وضعها البصري اتخذت محاور مختلفة على المستوى السياسي خلق ند للحركة اليسارية بالمغرب وفي نفس الوقت منازعة العدل والاحسان على الحقل الديني وعلى المستوى التعليمي خلق فروع الدراسات الاسلامية على حساب الفلسفة والمنطق وخلق خلايا داخل الجامعة تتبنى توجهات اسلاموية مضادة للحركة اليسارية حيث تحولت الجامعة الى مجال منازعة بين الفصائل الطلابية ولا يزال هذا التنازع مستمرا لأسباب معروفة وكان صاحب المقال في فترة ما احد اعمدتها مما حد من ارتباط الجامعة بالسياسة وبالأحزاب الا في حدود صغيرة وهناك محاور اخرى تناولها سيتوه بنا في التفاصيل ... لم يكن مشروع خلق العدالة والتنمية هو تدبير الشأن العام في البداية لأن الحزب كان يشتغل وفق الحدود المرسومة له لكن بعض التحولات السياسية وظهور حركة اجتماعية 20 من فبراير فرضت استحضار هذا الحزب الى الشأن العام لتجاوز المرحلة والتي قبل الربيع العربي كان يوضع لها رسم مغاير . الاحزاب التي ولدت في دهاليز وزارة الداخلية لا يمكنها الا تنفذ الاجندة المعطاة لها . الحكومة لا تلعب الا دورا ثانويا في الحقل السياسي المغربي وتشتغل وفق توجهات كبرى ، لهذا تبدو ان بعض النزاعات السياسية بين الاحزاب من غر ذات معنى .

ABIDAL منذ 9 سنوات

ٱتركوه لتناقضاته وسَيدُوب في الطبيعة !

بيع الوهم منذ 9 سنوات

الم يبع حزب العدالة والتنمية الوهم للمغاربة عندما تناول خطابا اخلاقيا وهو بتحدث عن محاربة الفساد ، فتحول ذلك الخطاب الى " عفا الله عما السلف '' فقد تحول بعض منظري الحزب الى البحث عن التبريرات في جميع القواميس ، اليس بيع وهم محارة الفساد جريمة اكثر من كل الاوهام التي يعتقد السيد حامي الدين ان حزب الاصالة والمعاصرة يبيعها ... الوهم هو ما يريد بعض المنظرين تصريفه خطأ الى عقول المغاربة الذين فهموا من يبيع الوهم الحقيقي ... بعد كل الاجراءات التي اقدمت عليها الحكومة الحالية ...

الضبابية منذ 9 سنوات

هناك تلاسن بين الفرقاء السياسيين ، غير ان ميلاد العدالة والتنمية لم يكن ميلادا عبثيا حيث التاريخ غير المرئي والذي كان في الكواليس يحكي عن ذلك ، لهذا ليس هناك من فرق بين ميلاد الاصالة والمعاصرة وميلاد العدالة والتنمية على اليد حامي الدين ان يغوص الى الاعماف ويعود الى الوراء حتى لا يتوه في الضبابية . كل حزب يقدم ادورا ولا تختلف هذه الادوار سوى في من يتقمصها سواء بالنسبة للاصالة والمعاصرة وبين العدالة والتنمية حسب ما تفرضه الظرفية السياسية والحاجة الى تلك الادوار من طرف من يتحكمون في المشهد السياسي ، واحسب ان السيد حامي الدين يتحدث عن حزب العدالة والتنمية ويكفي مجرد تغيير بعض الالفاظ لتاكيد ذلك فلا حاجة لأن يتعب البعض نفسه وهو يعيش داخل تمثلات واوهام وفي الحقيقة ان من درسوا ميلاد الاحزاب السياسية لا يقنعهم كلام صاحب المقال فالتاريخ السياسي مغربي كان يتهيكل ويتاسس بناءا على رؤية تؤدي فيها الاحزاب السياسية ادوارا ... الا بالنسبة لأحزاب كانت ولا زالت تعيش على الهامش ...

التالي