الجنازة كبيرة والميت فأر 

10 أبريل 2015 - 19:37

يردد المغاربة هذا المثل عندما يكونون إزاء ضجة مفتعلة، أو إزاء عاصفة في فنجان، أو إزاء مندبة لا تستحق بكاء ولا عويلا ولا حزنا، وكذلك أرى اليوم الانتخابات الجماعية المقبلة.. الأحزاب تخوض معارك كبيرة حولها على طراز «زنقة زنقة بيت بيت دار دار» التي وضعها الراحل القذافي كخطة حربية ضد شعبه، في حين أن الرهانات السياسية وراء هذه الانتخابات صغيرة للغاية، ولا تبرر كل الضجة القائمة حولها الآن…

هناك أحزاب تشحن الماكينات الانتخابية للأعيان وتعدها لاكتساح الأصوات، وهذه الماكينات لا تحتاج إلى برنامج ولا إلى خطاب ولا إلى وعود ولا حتى إلى المال القادم من المقر الرئيس للحزب. هذه الماكينات لديها شعبها الذي يصوت لها، وهي تعرفه وهو يعرفها، ويقيم معها علاقات زبونية وانتهازية طيلة السنة. جل الأحزاب تبحث عن هؤلاء الأعيان، والأعيان يبحثون عن شيء واحد فقط.. إشارة من الدولة إلى أن قواعد اللعب مازالت كما كانت في السابق، وأن لا شيء تغير، وأن مصالح الأعيان ستبقى محفوظة بعيدا عن القضاء أو الرقابة أو ربط المسؤولية بالمحاسبة… 

هناك من الأحزاب من لا يريد الانتخابات الجماعية في وقتها، لأنه يظن أن خصومه مازالت أسهمهم مرتفعة في السوق، وحبذا لو تتأجل الانتخابات سنة أخرى حتى تأتي الأيام بفرصة أفضل من هذه، وطبعا هذه الأحزاب لا تعبر عن مكنونات خططها علانية، بل هي تجتهد في تغليفها بعدة مبررات خاصة، مثل الأخطار الإرهابية التي تحيط بالبلاد، وكأن السياسة وإرادة الأمة ستسقط أمام الإرهاب الذي ستُعهد إليه صلاحية وضع الأجندة السياسية للبلاد! الديمقراطية هي أبلغ طريقة للرد على الإرهاب ومخاطره الحقيقية أو المحتملة…

هناك أحزاب تتطلع إلى الانتخابات الجماعية لكن بهدف واحد فقط، هو ضمان وضع الرجل الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة، باعتبار أن الربط بين الاثنين كبير، فرئيس الجماعة أو رئيس المجلس البلدي يتوفر على حظوظ كبيرة للفوز بالمقعد الانتخابي في مجلس النواب، ولهذا فان من يضع يده على الانتخابات الجماعية يكون قد وضع الرجل الأولى في مجلس نواب 2016، ومن ثم التوفر على حظوظ كبيرة لدخول الحكومة المقبلة…

في كل هذه الخطط والاستراتيجيات والحروب والصراعات، أين تدبير الشأن المحلي؟ أين برامج القرب؟ أين الماء والكهرباء والفضاءات الخضراء والتعمير والإسكان والنظافة والأمن والتجارة والسياحة والخدمات والمستشفيات والمدارس والإدارة القريبة من المواطن؟ لا تبحثوا عنها في برامج الأحزاب، ولا في أوراق الدعاية، ولا في خطب الزعماء السياسيين.. لا تضيعوا وقتكم، فلن تجدوا شيئا من هذا في برامج الأحزاب، إن كان لديها برامج. إذا كنتم تريدون أن تعرفوا خطط مدنكم فاتصلوا بالولاة والعمال، وشاهدوا نشرات المساء في القناة الأولى. الملك في كل شهر يضع مخططا للنهوض بمدينة معينة، آخرها كانت القنيطرة التي حظيت بميزانية تفوق ثمانية ملايير درهم من أجل إخراجها من الطابع القروي إلى الطابع المديني. ثمانية ملايير درهم لا يستطيع أي مسؤول جمعها في 100  سنة من أجل مدينة. وقبلها، وضع الملك مخططا للنهوض بالرباط، وآخر للبيضاء، وثالث لسلا، ورابع لتطوان، وخامس آت لمكناس، وهكذا أقفل القصر ملف النهوض بالمدن، حيث وضع الولاة والعمال خرائط الطريق للعشر سنوات المقبلة لكل مدينة. أما ممثلو السكان -المنتخبون يا حسرة- فإن دورهم يقتصر على حضور حفل التوقيع بالأحرف الأولى على هذه المخططات أمام الملك، وبعدها يشربون الشاي ويأكلون الحلوى، ويرجعون إلى بيوتهم وأعينهم على الانتخابات وعلى مزايا المواقع، وعلى لجان التعمير والرخص والصفقات العمومية. لا يهمهم أن الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمدنهم تحددت في غيبة عنهم، وأن الانتخابات ما عاد لها من وظيفة إلا اختيار فلان أو علان من أجل تطبيق البرنامج الملكي تحت وصاية وزارة الداخلية. أنا حائر، هل أؤيد هذا النمط من التدبير والحكامة لأن النخب المحلية معطوبة، وجلها لا يصلح لشيء، ومعها الأحزاب التي تراهن عليها، أم أنعى الديمقراطية المحلية، وأتساءل عن جدوى تنظيم الانتخابات الجماعية مادامت مخططات المدن قد وضعت، والميزانيات قد حددت، والاختيارات الكبرى قد حسمت؟ صدقا أنا حائر، وأنقل حيرتي إليكم عسانا نعيد التفكير في الشأن المحلي بطرق أخرى، وألا ننسى أن ثلثي المغاربة أصبحوا يعيشون في المدن التي لا تمتلك من المدن إلا الاسم…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

for Morocco منذ 9 سنوات

المشكلة هي اعقد من واجب او احقية المنتخب في الاشراف الفعلي على الشأن المحلي..او حتى قدرته في اللجوء للتمويل الوطني ( او ما يصطلح عليه بالتضامني) او حتى مستوى النخب المحلية لان هذا المستوى هو تجسيد لطريقة انتخابها و لطبيعة دورها.. وهنا تكمن الكارثة، فالمنتخبون في الجماعات و مجالس المدن لا يجسدون دورهم كهمزة وصل بين المواطن و الدولة ممثلة في كل باقي المؤسسات...كل الكلام مع وزارة واحدة و الوالي هو الرئيس الفعلي لكل المنتخبين ودورهم التاريخي والحاضر و المستقبلي هو تطبيق الاوامر مهما كانت حتى ترسخ في وعينا الجماعي ان المنتخب المحلي موظف في الدولة مع مرتبة الشرف حتى اشعار اخر...اذن لا مجال للحيرة!! فما يقع طبيعي جدا و دعنا نتمنى ان يكون المخطط العشري الجديد احسن من الذي سبقه. ودعنا نترك توقيع الشراكات الحرة المتنافسة بين الجماعات و الوزارات و المدارس و الشركات و الجامعات والمدن و الصناديق البيضاء و السوداء الى حلقة اخرى من فيلم اتركني نائما....

M.KACEMI منذ 9 سنوات

"الأعيان يبحثون عن شيء واحد فقط.. إشارة من الدولة إلى أن قواعد اللعب مازالت كما كانت في السابق": لقد كان للأعيان ومن يسعى دائما لتواجدهم بقوة في الانتخابات ما أرادوا، منذ اللحظة التى رفضت فيها الدولة، عبر وزارة الداخلية، تحديد لوائح الناخبين على أساس البطائق الوطنية

Ahmed 123 منذ 9 سنوات

Il se peut que je ne sois pas d accord avec vous de temps à autre concernant vos idées islamistes mais j'avoue que j apprécie vos analyses Monsieur Bouachrine surtout lorsqu il s agit de la monarchie au Maroc qui doit se transformer en une monarchie parlementaire et qui accorde plus de libertés aux partis élus par le peuple.

متتبع.الناضور منذ 9 سنوات

تحليل منطقي وواقعي يسرد واقع توجهات مجتمعنا ودور سباسبنا في تدبير الشءن العام للبﻻد.فلو تربعوا على عروش اﻻحزاب دمقراطيا و بتفويض من الشعب ولم تمنهم السلطات اية مساعدة او مساهمة في تزوير ارادت الناخبين لما احتﻻمتهم وت ركتهم يسيرون الشءن المحلي كما هو منصوص عليه في "الدستور" ولكن الكل يشارك في اللعبة ويتلدد بحليب البقرة وينتظر متى يجف تدي البقرة او يفيض ماء المحيط...ﻻقدر الله

محمد منذ 9 سنوات

لو كانت للجماعات امكانيات لاختلف الامر لكن الدولة تاتي باموال خارج الميزانية من اجل تاهيل المدن وذلك بغرض اضعاف المنتخبين للاشارة ليس كل المنتخبين فاسدين وعديمي الخبرة ولكن القوانين التنظيمية تجعلهم كلهم غير قادرين على الفعل المؤثر وأحين مثال هو كيف لبلدية أن تجمع 8ملايير درهم

محمد بوعلام منذ 9 سنوات

المستوى الركيك للمنتخبين هو تواطئ الدولة على إفساد الإنتخابات والسكوت عن حفلات الولائم وشراء الأصوات الإنتخابية, الدولة لا تريد انتخابات شفافة قد تفرز نخبا جديدة نقية, لقد ضاعت فرصة المغاربة بعد دخول بنكيران إلى رئاسة الحكومة بالعمل على تشكيل وإحداث مؤسسة قضائية مستقلة للإشراف على الإنتخابات وسحب هذه المهمة من وزارة الداخلية التي يعشش فيها الفساد

hamud منذ 9 سنوات

اذ ا كان مستوى المنتخبين بالذي نعرفه فانا افضل ان تبقى سلطات الوصاية هي المسؤولة عن التنمية

التالي