اعتبر المعهد الملكي الإسباني للأبحاث «إلكانو»، أن التعاون والتنسيق الأمني مع المغرب أضحى اليوم أساسيا بالنسبة إلى إسبانيا، لكن المعهد المتخصص في الدراسات الاستراتيجية، يعتبر أن الرباط يمكن أن تستفيد من هذا التعاون بشكل قد لا يتوافق مع مصالح إسبانيا الوطنية، معللا ذلك بأن المغرب سيكون له تأثير على المسلمين في الجارة الشمالية للمملكة.
وفي الوقت الذي أكد فيه المعهد أن هذا التعاون اليوم أفضل من أي وقت مضى، وأنه سجل قفزة نوعية تطورت بشكل ملحوظ منذ حادثة قطارات مدريد في 11 مارس 2004، فإنه حذر من أن ينتهي هذا التعاون إلى خدمة مصلحة المغرب على حساب المصالح الوطنية في إسبانيا، ولذلك قدم المعهد مجموعة من التوصيات للحكومة الإسبانية، في تقرير صدر الأسبوع الماضي، وقام بإنجازه الباحثان فرناندو ريناريس، وهو محلل بارز لشؤون الإرهاب الدولي، بمعهد إلكانو الملك، وزميلته كارولا غارسيا كالفو، عضو برنامج البحث في الإرهاب العالمي، من أجل ضمان فعالية ونجاح لهذا التعاون بين الرباط ومدريد.
وتعليقا على التقرير، قال محمد القاسمي، الإعلامي المغربي المقيم بإسبانيا في اتصال بـ»اليوم24»: «الحكومة الاسبانية التي يسيطر عليها الحزب الشعبي تنظر بعين الريبة إلى كمية المعلومات التي يمكن أن يستفيد منها المغرب، لكنها في الوقت نفسه تعي جيدا أنه لا مناص لها من التعاون مع المغرب، خصوصا بعد الكشف عن العديد من الخلايا النائمة التي ألقي القبض عليها، وآخرها عملية كبرى بمنطقة كاطالونيا، أمس، والتي تظهر فيها بصمات التعاون المغربي بحكم ارتباط عدد كبير من المشتبه بهم بالمنطقة الشمالية بالمغرب، فرغم انزعاج إسبانيا من كم المعلومات التي يمكن أن توفرها الاستخبارات الإسبانية لنظيرتها المغربية، فمدريد تعي جيدا أنها لا يمكن أن تغامر بأمنها الداخلي أمام التهديد الجدي للإرهاب بشبه الجزيرة الإيبرية».
أما فيما يتعلق بالمخاطر والتهديدات المرتبطة بالإرهاب الدولي، فقد شدد المعهد على أهمية التعاون مع المغرب، ليس فقط، بسبب عوامل القرب الجغرافي، ولكن أيضا استنادا إلى إحصائيات يقدمها المعهد، منها أن الغالبية العظمى من المهاجرين المسلمين بالجارة الشمالية هم من أصل مغربي. إضافة إلى أن المدانين أو المعتقلين أو الذين قضوا بسبب قضايا تتعلق بخلايا أو عمليات ذات صلة بالإرهاب الجهادي في إسبانيا، في الفترة ما بين 2004 و2014، شكّل المغاربة نسبة 42.6٪ منهم.
وتطرق التقرير إلى أن الحكومة الإسبانية قامت بعدة مبادرات مستحسنة، منها تعيين قاضي الاتصال في الرباط، إضافة إلى الإسراع في البت القضائي في قضايا الإرهاب، وهو ما شكل، إلى اليوم، أداة فعّالة جدا في التعاون القضائي.
واعتبر معهد «إلكانو» أن التعاون الثلاثي بين المغرب وإسبانيا وفرنسا هو على القدر نفسه من الأهمية في مكافحة الإرهاب، في شكل الفرق المشتركة للتعاون القضائي ضد الإرهاب، والتي تتألف من تمثيليات للدول الثلاث، إلا أنه أشار إلى أن تدهور التنسيق بين فرنسا والمغرب طوال عام 2014، ساعد على تقدم العلاقات الإسبانية المغربية.
وأكد المعهد على أن التعاون في مكافحة الإرهاب بين إسبانيا والمغرب يدعو إلى التفكير في ضرورة الحفاظ على الشروط الحالية، بل والبحث عن سبل أخرى لتطويره، مشيرا إلى أن المغرب يعد الشريك الأكثر استقرارا في منطقة المغرب العربي فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية، حيث سجل المغرب ما بين عامي 2011 و 2014 هجوما إرهابيا واحدا، مقابل ما لا يقل عن 33 هجوما وقعت في تونس، و77 في الجزائر، و353 في ليبيا خلال الفترة نفسها.
التقرير نبّه إلى أن التعاون بين إسبانيا والمغرب لا يزال يفتقر إلى اتفاق ينص على الإطار القانوني لهذا التنسيق، حتى تتمكن الدولتان من تجاوز بعض الخلافات في التشريعات ذات الصلة، وسيكون من المستحسن إيجاد هذا الإطار القانوني فورا، خصوصا وأن العلاقات الثنائية بين البلدين في مستوى السياسة العامة، غير منتظمة بالشكل الذي يرقى إلى التعاون الفعّال لمكافحة الإرهاب.
ويقترح التقرير، أيضا، خلق شبكة للتعاون القضائي الإسباني – المغربي، كما شدد على ضرورة إصلاح البروتوكولات الثنائية التي اعتبرها المعهد «متقادمة». والتكيّف مع مبدأ المعاملة بالمثل، خاصة فيما يتعلق بتسليم المجرمين.
وبخصوص الجانب الوقائي في مجال التعاون الأمني الإسباني المغربي، أكد «إلكانو»، على وجوب استثمار التزام السلطات المغربية بالإشراف على تعيين الأئمة في إسبانيا، من أجل منع الدعاة المتطرفين من نشر خطاباتهم بين المواطنين. وهو ما تم اعتباره من مصلحة إسبانيا، التي لا تملك المهارات اللازمة للتدخل في المجال الديني أو في مواضيع أخرى ذات الصلة مثل القطاع التعليمي.