معطيات صادمة كشفها التقرير الذي قدمه نهاية الأسبوع الماضي المجلس الأعلى للتعليم، تبين أن الملايير التي أنفقت على الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، لم ينتج عنها إصلاح حقيقي لقطاع ما زال يستعصي على كل الحلول.
أظهر التقرير، الذي أعده المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بشأن تقييم 13 سنة من تطبيق ميثاق التربية والتكوين، ما بين 2000 و2013، نتائج كارثية لمنظومة التعليم في بلادنا. فرغم مضاعفة ميزانية هذا القطاع إلا أن كثيرا من الأهداف المسطرة في الميثاق لم تتحقق سواء منها الانقطاع عن الدراسة، أو تعميم التعليم، أو جودته، أو إيجاد بدائل لتمويله.
تعميم غير مكتمل
وفي هذا السياق يقول التقرير، بخصوص تعميم التمدرس، إنه ورغم المكتسبات التي تحققت في مجال تعميم التمدرس، إلا أن «عملية التعميم لم تكتمل بعد»، فقد بقي سلك التعليم الأولي ضعيفا، وخاصة في العالم القروي، أما في الوسط الحضري، فإن القطاع الخاص، هو الذي يتكفل به على نطاق واسع. ويشكل الطابع الثنائي (تقليدي/ عصري)، لهذا التعليم دون انسجامه وجودته. ويبقى نمط التعليم الأولي التقليدي مهمينا رغم الانخفاض المسجل في عدد تلاميذه. كما أن الفوارق الاجتماعية والترابية تطبع هذا التعميم وتؤدي بالتالي إلى حرمان الأطفال القرويين والبنات الصغيرات.
ويلاحظ التقرير، أيضا، أن تعميم التعليم تحقق في التعليم الابتدائي إلا أنه ما يزال غير شامل في سلكي التعليم الثانوي، والإعدادي والتأهيلي.
أما فيما يتعلق بمشكل الانقطاع عن الدراسة، فقد لاحظ التقرير أن معظم التلاميذ الذين انقطعوا عن الدراسة ما بين 2000 و2011، لم تستوعبهم قطاعات «التربية غير النظامية، والتكوين المهني»، اللذين «لا يتكفلان إلا جزئيا بالتلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة، ويغادرون المدرسة، حيث تستمر هذه الظاهرة في تغذية «الأمية التي يتم محوها بين الشباب على عكس الأهداف التي حددها الميثاق».
سنوات متواضعة في المدرسة
وفيما يخص أداء المنظومة التعليمية والمكتسبات التي يحصلها التلاميذ، فقد استند التقرير على دراسة أنجزت سنة 2008 في إطار البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات، حيث أظهرت، أن النقاط التي حصل عليها 40 في المائة من تلاميذ السنة السادسة ابتدائي تفوق المعدل، ولكن على العكس من ذلك، فإن 92 في المائة من تلاميذ الثانية إعدادي و84 في المائة من تلاميذ الثالثة إعدادي حصلوا على نقاط تقل عن المعدل بكثير. وفي الفيزياء والكيمياء، بلغت تلك النسب 83 في المائة، في السنة الثانية إعدادي، و86 في المائة في الثالثة إعدادي في الوقت الذي تجاوزت فيه 90 في المائة في علوم الحياة والأرض في المستويين معا. هذا، وسجل التقرير تراجع مكتسبات تلاميذ السنة الرابعة ابتدائي بين سنة 2003 و2011، حيث انتقل من 347 نقطة إلى 335 نقطة في الرياضيات ومن 304 إلى 264 نقطة في العلوم. كما تشير الدراسة إلى أن تلاميذ السنة الرابعة ابتدائي لم يحصلوا على نقاط جيدة في الأسئلة التي تتطلب الإجابة عنها تعبئة المعارف، أما في السنة الثانية إعدادي، فإن النتائج المحصل عليها في الأسئلة التي تقوم على أساس على الاستدلال ضعيفة.
أما المكتسبات في مجال اللغات، والتي أكد عليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فإن حصيلتها، أيضا، كانت ضعيفة، حسب الدراسة: فمكتسبات التلاميذ في مادتي العربية والفرنسية كانت ضعيفة، حيث لم يحصلوا على المعدل. وعزا التقرير سبب هذا الضعف إلى عدة عوامل منها عدم الاستفادة من التعليم الأولي، والتأخر المدرسي المرتبط بالدخول المتأخر إلى السنة الأولى ابتدائي أو بالتكرار والمحيط البيداغوجي كعدد التلاميذ في القسم الواحد، ونسبة التأطير، والغلاف الزمني للمدرس، وحالة المؤسسات التعليمية، والنفاذ إلى تقنيات الإعلام والاتصال والمحيط السوسيو ـ ثقافي للأسرة.
وبخصوص متوسط سنوات الدراسة، التي قضاها المغاربة الذين يتجاوز عمرهم 15 سنة فأكثر سنة 2010، فقد أظهر بحث كمي أن هؤلاء قضوا متوسط تمدرس بلغ 4.72 سنة، وعرف هذا المتوسط زيادة تُناهز سنة واحدة كل عشر سنوات منذ سنة 1982، ولكنها تظل أدنى من المستوى المتوسط الملاحظ في البلدان النامية وهو 7.1 سنة، والبلدان المتقدمة 11 سنة تمدرس. لكن لوحظ أن الشريحة العمرية بين 15 و24 سنة عرف متوسط تمدرسها ارتفاعا من 3.23 سنة 1992 إلى 4.49 سنة 1994 لتصل إلى 6.87 سنة 2010.
وأظهرت دراسات، استند إليها التقرير، ضعف مستوى التعلم لدى التلاميذ المغاربة وتدهور مناخ المدرسة والجامعة، حيث عرف مناخ المدرسة تدهورا ما بين 2001 و2012، حيث إن 60 في المائة من تلاميذ السنة الرابعة ابتدائي، و49 في المائة من تلاميذ الثانية إعدادي يدرسون في مدارس تسود فيها مشاكل الانضباط والأمن والغياب وتأخر مواعيد الدراسة والغش في الامتخانات والتهديد والغوغائية».
ووقف التقرير، أيضا، على تفاوت كلفة الطالب حسب المسالك، حيث إن الطالب الواحد يكلف في المسالك ذات الاستقطاب المحدود (المعاهد مثلا)، ثلاثة أضعاف ما يكلفه نظيره في المسالك ذات الاستقطاب المفتوح (الجامعات العمومية). كما يؤكد التقرير أن نسبة التأطير بقيت متواضعة، علما أن هذا لا ينصب فقط، على عدد التلاميذ لكل أستاذ، وإنما يهم كذلك الوقت المخصص للتلاميذ وطرق التعلم.
في مجال الحكامة، رصد التقرير «غياب رؤية وهندسة شموليتين لمنظومة التربية والتكوين وقت إقرار اللامركزية ولا تمركز»، ما «حد من انسجام المنظومة التربوية». كما ألقى التقرير جزءا من المسؤولية، في مجال ضعف حكامة قطاع التعليم، على «التغيرات المتكررة التي مسّت القطاعات الثلاثة: التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني بسبب التعديلات الحكومية والوزارية المتتالية»، التي»أضرت بالاستمرارية الضرورية لمراكمة المكتسبات التنظيمية والإدارية والبيداغوجية». هذه الوضعية أدت، حسب التقرير، إلى «ارتباك في العملية البيداغوجية». ولهذا اقترح التقرير «مراجعة كل النصوص التنظيمية والقانونية، التي وضعت منذ سنة 2000، وإصلاحها قصد توضيح أكبر لمهام الهيئات والفاعلين على الصعيدين المركزي والوسطي وتحديد أدق لأدوارهم ووظائفهم».
مجانية التعليم وتحدي مليون طالب في 2021
وحسب التقرير فإنه نظرا إلى القدرات المالية للدولة وميزانيتها، وفي غياب إجماع وطني، حول بدائل أخرى لتمويل التربية، وخاصة التخلي التدريجي والتمييزي عن مجانية التعليم، فإن تنويع مصادر تمويل نظام التربية والتكوين، بات يفرض نفسه بحدة. التقرير يشير إلى أن ما توقعه الميثاق من تعبئة الموارد لم ينجز كلية، حيث بقيت الدولة هي الممول الوحيد تقريبا للتعليم، مقابل غياب أي مساهمات للجماعات المحلية أو عمليات التضامن الاجتماعي، عبر رسوم التسجيل بالتعليم العالي، وكذا غياب «مساهمة الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المرتفع». وحسب التوقعات، فإن أعداد الطلبة سيتجاوز عتبة المليون ابتداءً من 2021، وفي هذه الحالة، فإذا تم الاحتفاظ بمستوى تأطير مماثل لمستوى سنة 2013، فإن «تقدير ميزانية التعليم العالي سيتحدد في زيادة أساسية بحوالي ضعف الميزانية الحالية».
تراجع الجامعة والبحث العلمي
وفي مجال البحث العلمي بالجامعة، فإن النتائج، أيضا، كانت صادمة، فرغم ارتفاع ميزانية البحث العلمي من مليون و455 ألف درهم إلى 5 ملايين و606 آلاف درهم ما بين 1999 و2010، فإن ذلك لم يصل إلى مستوى طموح الميثاق الذي وضع هدف 1 في المائة من الناتج الداخلي الخام ينفق على البحث العلمي، حيث لم تتجاوز النسبة 0.73 في المائة سنة 2010.
التقرير لاحظ أن عدد الأساتذة الباحثين لم يسجل ارتفاعا دالا خلال عشرية تطبيق الميثاق، ففي سنة 2009 تم تكوين 636 دكتورا فقط، مقابل 728 سنة 2000، وفي سنة 2010 نوقشت 680 أطروحة علما أن الهدف المحدد من قبل البرنامج الاستعجالي كان هو مناقشة 1037 أطروحة. وعلى المستوى الكمي عرف المنتوج العلمي ارتفاع مهما بـ3282 مقالا منشورا سنة 2012، خاصة في مجال العلوم الحقة، غير أن هذا الارتفاع لم يساير الوتيرة نفسها التي عرفتها بلدان المغرب الكبير، حيث لم يتطور المنتوج العلمي المغربي ما بين 2000 و2010 إلا بنسبة 100 في المائة، مقابل 800 في المائة في تونس، و600 في المائة في الجزائر.
وبخصوص النسبة المئوية للتخرج من الجامعة في المدة القانونية المحددة، فقد أظهر التقرير قلة عدد الخريجين، عموما، ففي سنة 2006 لم يتمكن سوى 14 في المائة من الطلبة من التخرج في المدة القانونية، وهي النسبة نفسها بالنسبة إلى سنة 2007، مقابل 22 في المائة في فوج 2008، و19 في المائة في فوج 2009.
أرقام عن ميزانية قطاع التعليم
الميزانية التي خصصت لقطاع التربية والتعليم العالي والتكوين المهني ارتفعت بـ 22 مليار درهم متداول، حيث انتقلت من 24,8 مليار درهم متداول سنة 2001 إلى أكثر من 62 مليار درهم سنة 2011. وحسب التقرير، فإن المجهود انصب خاصة على التعليم الابتدائي والإعدادي.
أما بخصوص نسبة تطور الميزانية، فقد عرفت معدل زيادة بلغت 7.15 في المائة في الفترة الممتدة ما بين 2001 و2013، وأهم نسبة بلغها معدل الزيادة حصلت ما بين 2008 و2011، حيث بلغت 16.7 في المائة سنويا.
المنقطعون عن الدراسة ما بين 2000 و2012
< 3 ملايين تلميذ انقطعوا عن الدراسة قبل بلوغ السنة الأخيرة من التعليم الإعدادي
< مليون و300 ألف انقطعوا عن الدراسة قبل بلوغ السنة الأخيرة من التعليم التأهيلي.
< 558 ألف تلميذ انقطعوا عن الدراسة في سنة الباكلوريا.
< في سنة 2012 لم يتمكن النظام من تغطية سوى 10 في المائة من تراكم عدد المنقطعين.
< 42 في المائة من المسجلين في التربية غير النظامية تمكنوا فعلا من العودة إلى أسلاك التربية الوطنية أو التكوين المهني.