محرقة طانطان.. من تزعجه الحقيقة؟

15 أبريل 2015 - 20:04

«ابنتي عند الله وأطلب من الملك أن يعيد إلينا حقنا»… هكذا أطلقت والدة الطفلة حسناء إكرام صرختها في وجه الجميع. تريد من الملك، باعتباره أعلى سلطة في البلاد، أن يرجع إليها حقها، أي أن تعرف من المسؤول عن وفاة ابنتها ومعها 34 روحا بريئة في محرقة طانطان الأسبوع الماضي…

لم يصدق الرأي العام بلاغ وزارة الداخلية وبيان الاتحاد الاشتراكي الذي برأ مهربي المحروقات في الصحراء من الوقوف وراء الحادث حتى قبل انتهاء التحقيق الرسمي، وقبل أن تعلن اللجنة المشكلة من الدرك ووزارة النقل والصحة نتائج ما توصل إليه البحث في الفاجعة…

من حق الرأي العام، الذي صدم من هول الحادث، أن يعرف ماذا جرى بالضبط، وهل الشاحنة التي اصطدمت بالحافلة التي كانت تقل الرياضيين الصغار شاحنة نقل بضائع أم شاحنة تهريب المحروقات أم كلاهما، أي بضائع ومحروقات؟ الذي أعرفه من المعاينة ومن مصادر كثيرة أن سوق تهريب المحروقات منتعش جداً على هذا الخط، وهناك شاحنات متفرغة لنقل المحروقات من العيون إلى كلميم وأكادير وتزنيت وتارودانت وسيدي إفني… وهناك أخرى تنقل البضائع أساسا ومعها المحروقات كنشاط ثانوي، لهذا تجد خزانات كبيرة ركبت على جوانب هذه الشاحنات خارج شروط السلامة وخارج المعايير القانونية، لكن من يسأل عن القانون في الصحراء يُنعت بالبلادة أو يتهم بالغباء السياسي…

يعرف الجميع أن أكثر نشاط يدر الدخل في المنطقة هو تهريب المحروقات والمواد المدعمة من العيون ومدن الصحراء وبيعها في المدن الداخلية، ولأن الدولة تدعم هذه المواد لتشجيع السكان على الاستقرار في هذه المنطقة، فإن أمراء الريع هناك، الذين صار لهم نفوذ كبير في الرباط، يحولون هذا الدعم المقتطع من جيوب دافعي الضرائب إلى غنيمة حرب، وهكذا أسسوا أسطولا كبيرا من الشاحنات بخزانات كبيرة لنقل المحروقات عبر أميال من الكيلومترات، حتى إن جل محطات بيع الوقود في المنطقة أغلقت أبوابها لأن السوق السوداء التي تتغذى من المحروقات المهربة لم تترك لها مجالا للمنافسة… 

ولأن شياطين الريع أصبحوا قوة انتخابية وسياسية كبيرة، فإنهم صاروا يبتزون الدولة ويقفون في وجه أي أحد يقترب من مصالحهم ومن حدائقهم الخلفية. جميع السلطات تعرف حكاية أسطول تهريب المحروقات هذا، والجميع يسكت، بعضهم خوفا من المواجهة، والبعض يصمت بمقابل، ويفهم حكمة «الصمت من ذهب» بطريقته الخاصة… 

إذا كانت السلطات تسكت عن الريع في الصحراء لحسابات سياسية، وإذا كانت السلطات لا تبالي بالمليارات التي تضيع في عمليات تهريب آلاف الأطنان من المحروقات كل يوم، فإن السلطات لا يحق لها، أخلاقيا وقانونيا وإنسانيا، أن تحمي أمراء الحرب الذين حولوا الطرق في الصحراء إلى خطوط نار التهمت  أجساد 34 طفلا كانوا في حافلة يعرف الجميع أن الشركة التابعة لها متخصصة في النقل، وأن سمعتها حسنة في السوق الذي يعرف فوضى كبيرة… هذا خط أحمر لا يجب تجاوزه، والروح «عزيزة عند الله».

 شكوك كبيرة توجد في الطرف الآخر الذي اصطدم بالحافلة، وحمل معه كتلة نار هائلة التهمت أجساد الأطفال وكأنهم تعرضوا لقصف جوي بقنابل النبالم. يقول المختصون إن احتمال تفحم الحافلة لمجرد الاصطدام بشاحنة بضائع أمر مستبعد جداً، وإن حجم النيران التي أكلت المسافرين من أول إلى آخر كرسي لا يمكن أن ينتج فقط عن الاصطدام مهما كانت قوته…

لو كنت أثق في قدرة البرلمان على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في هذه الفاجعة التي حطمت قلوب أسر الضحايا، وأدخلت الهم والحزن والألم على كل من عرف بخبرها.. لو كانت لجنة التحقيق التي شكلها مجلس النواب حول فيضانات كلميم قد نجحت ولم يستقل رئيسها قبل أن يبدأ عمله لأن المعارضة تريد لجنة على المقاس لحماية إرثها السابق في التدبير الكارثي لقطاعات كثيرة.. لو لم أكن أشك في قدرة البرلمان على التحقيق في الفاجعة، لدعوت إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق في وفاة 34 طفلا دماؤهم في عنق الدولة حتى نعرف الحقيقة، وحتى ينال المجرمون عقابهم، وحتى تعوض الدولة أسر الضحايا بما يجبر بعض الضرر المادي، أما النفسي فالرجاء في الله لا في العبد…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

حسن أغربي منذ 9 سنوات

فعلا و المصيبو عندما تجد بعض الموظفين من مريدي الشيخ فرحين بما يفعله بهم!!! تماما كالخروف يسوقه الجزار الى السلخانة و هو يتسابق معه الى دخولها!!

المصطفى منذ 9 سنوات

ما يؤلمني حقا في هذه الفاجعة ليس فقط الابرياء الذين التهمتهم النيران وانما ايضا تلك الاقلام المعلقة والماجورة التي تراها تتسابق الى المديح كلما تعلق الامر بانجاز شكلي لحكومة الندالة والتعمية.اين هم الان من الفاجعة.وقد لاحظت ايضا صمتهم خلال الفيضانات التي قتلت وشردت الالاف من الابرياء.اقول اليهم جميعا كفاكم من اللحية وقلة الحيا.واقول لحزب الندالة والتعمية بقاو حاضين غير الموظفين تقزبو فيهم .

حسن أغربي منذ 9 سنوات

لا أدري لما جعلتني فاجعة طانطان اتذكر لبنان و الدولة وسط الدولة...حكومة مركزية لا قبل لها بالخوض فيما يدور في جنوب لبنان...فهناك يتربع حزب الله ..أما هنا فيتربع حزب الريع المريع!!!

ملاحظ منذ 9 سنوات

ماكان عليك أن تحكم على بلاغ الاتحاد الاشتراكي أو تبرىء شركة النقل، قل فقط نريد الحقيقة الحقيقية التي لايعرفها أحد بعد بمن فيهم سي بوعشرين

مصطفى منذ 9 سنوات

جلالة الملك قال في خطاب بمناسبة ذكرى المسيرة يجب القطع مع الريع في الصحراء ومع المتاجرين بالقضية الوطنية والى اللحظة لم يحدث شئ علي الارض

الفساد أقوى من الجميع منذ 9 سنوات

الفساد أصبح أقوى سلطة في المغرب بدون منازع ، أصبحت أشك في أن حتى الملك لن يقدر على مواجهته . الفساد أصبح مؤسسة قوية وقائمة الذات ، لن تسطيع عليه لا قوات الامن أو قوات الدرك أو حتى قوات الجيش ، أو حتى أي قوة خارجية .. الفساد أقوى من الجميع .

omar منذ 9 سنوات

إلى الله الشكوى , إلى الله النجوى , وإليه ومنه السلوى , لا يمكن أن تكون أرواح المواطنين بيد تجار من المستوى الرفيع , ولا الساسة من النوع الوضيع، الضعفاء لهم رب سميع ، ودعاؤهم من نوع دعاء المظلوم ، وسيحرق الله الظالمين بحرب باردة في الدنيا ، وبالسعير يوم الحساب المنيع،

hamza rikuba منذ 9 سنوات

al kol yatakalam 3la tahrib almahro9at wala ahad takalam 3la al7afila alati kanat tasiro fi alitajah almo3akis li anana naraha tahtari9 fi lyasar wanatlob min allah assabr likol 3ailat ada7aya

التالي