شباط يدفن ماضيا ولا يبني مستقبلا 

16 أبريل 2015 - 21:27

قرأت جل ما كتب عن ندوة السيد حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، في وكالة المغرب العربي للأنباء بداية هذا الأسبوع، فما وجدت فكرة ولا تحليلا ولا مقترحا ولا برنامجا بديلا أو نقدا عقلانيا للحكومة. كل ما قرأته يدخل في باب التهريج الانتخابي والشعبوية الفارغة من أي مضمون فكري أو سياسي، فالرجل يقسم أنه لن يترك حزبا آخر من غير حزب الاستقلال يضع رجله في فاس إلى يوم القيامة، ثم يعرج على الحكومة ويتهم الدولة العميقة بأنها من جمع لبنكيران الأغلبية، ولولاها لما وصل إلى رئاسة الحكومة، ثم عندما بحث عن نموذج خارج المغرب تتمتع فيه المعارضة بوضعية أفضل، لم يجد إلا موريتانيا التي رأى فيها شباط جنة سياسية للمعارضة. هل تريدون أكثر؟ راجعوا خطب شباط على يوتيوب وسترون ظاهرة شعبوية بامتياز… 

شباط عامل بسيط، لم تساعده ظروفه العائلية على الجلوس في مقاعد الدراسة، ولا هو ساعد نفسه، بعد أن صار ميسورا، على التعلم وفهم حقائق العصر وأحوال الدنيا من حوله. تربى على السياسة في النقابة ومنها إلى المجالس المنتخبة، ومنها إلى قيادة الاتحاد العام للشغالين. ومن عمادة فاس وكرسي البرلمان وشبكة علاقات معقدة مع شركات العقار، وصل شباط إلى رئاسة حزب الاستقلال بعد معركة ضارية في باب العزيزية (المقر الرئيس لحزب الاستقلال في الرباط كما سماه شباط نفسه وليس أحدا سواه). أصبح «الاستقلال»، الحزب العريق المحافظ الذي اخترق من قبل أعيان الانتخابات وسماسرة السياسة، يعيش بوجهين: الأول وجه تاريخي كان فيه الحزب رمزا للوطنية المغربية ولمشروع الإصلاح من داخل «الإسلام والعروبة وتامغريبيت».. هذا الوجه لم يعد له أثر في الواقع، وأصبح مثل أصل تجاري لا يعبر عن الماركة الموجودة في السوق الآن. الوجه الثاني معاصر لا يختلف فيه حزب الاستقلال عن أحزاب الأعيان الذين يحملون قميص الحزب ويلعبون خارج قوانينه وتقاليده وأعرافه، لهذا تجد وسط حزب الاستقلال تناقضات بلا حصر.. تجد أبدوح مراكش وكريم غلاب وياسمينة بادو وامحمد بوستة -أطال الله عمره- وفوزي بنعلال الهرهورة، وقيوح أكادير، والدكتور الكيحل… وكل واحد من هؤلاء وراءه قصة وتجربة وبروفايل، لكنهم جميعا موجودون تحت خيمة واحدة اسمها حزب الاستقلال.. 

تحدثتُ أخيرا مع قيادي عضو في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال عن مآل حزب سيدي علال في نسخته الشباطية، فسألته: «هل أنت راضٍ عن الصورة التي يسوقها شباط عن حزب الاستقلال اليوم؟». أجاب بدون تردد: «لا»، ثم عاودت سؤاله: «إذن، لماذا تسكتون ولا تعبرون عن رأيكم صراحة، خاصة الأطر من بينكم؟»، فرد علي بصراحة طالبا عدم ذكر اسمه تلافيا للإحراج: «إذا عبرنا عن اختلافنا مع شباط سنضر الحزب الآن، خاصة ونحن على أبواب الانتخابات، لهذا نحاول بالتي هي أحسن أن نتحدث مع شباط لإصلاح ما يمكن إصلاحه في أسلوبه الشعبي والاستفزازي أحيانا، لكن لا تنس أنه منتخب ديمقراطيا من قاعدة الحزب، ولا تنس أن أسلوب شباط الذي لا يعجب المثقفين يلقى استحسانا لدى فئات أخرى من الشعب». قلت لصاحبنا: «إذن هي الشعبوية»، فقال: «نعم للأسف هذا هو الموجود الآن.عباس الفاسي أهلك الحزب، ومن أجل إعادة بنائه نحن مضطرون إلى غض الطرف عن انزلاقات شباط لأنه يجمع الناس، ثم لا تنس أن بنكيران هو أيضاً شعبوي كبير، والذين أيدوا شباط كانوا مدفوعين بفكرة خلق زعامة مقابل زعامة بنكيران». قلت له: «أنا لدي رأي آخر في بنكيران. أنا لا أظنه شعبويا، إذ إنه اتخذ قرارات كبيرة غير شعبية، ولو كان شعبويا يسعى إلى إرضاء الجماهير على حساب المصلحة العامة، لما راجع دعم المحروقات الذي كنتم تقولون عنه أنتم الليبراليون إنه ضريبة السلم الاجتماعي، وأنتم تعرفون، قبل غيركم، أن صندوق المقاصة كان يفيد الأغنياء أكثر من الفقراء». ثم عرجت على موضوع آخر وسألت القيادي الاستقلالي: «هل كنت موافقا على قرار الخروج من الحكومة؟». قال: «لا»، فقلت: «هل فعلا أخطأ شباط في الحساب عندما تصور أن الخريف العربي سيجرف بنكيران كما جرف مرسي في مصر؟ وهل قام شباط بقراءة خاطئة عندما خرج من الحكومة متوهما أنه يقدم خدمة للسلطة ويسهل عليها طي صفحة بنكيران؟». قال: «للأسف، ما تقوله صحيح. شباط أخطأ في قراءة الوضع، وخروجه من الحكومة كان خطأ. لقد كنا مؤثرين في الحكومة من خلال وزارة المالية ورئاسة مجلس النواب ووزارة التعليم وغيرها من المناصب، ووزراؤنا لم يكن لهم مشكل مع بنكيران كشخص»…

هذه خلاصة دردشة عابرة مع أحد قادة الاستقلال أوردت مختصراً عنها أظنه أمينا من أجل فهم أحوال حزب أراه يدفن ماضيا ولا يبني مستقبلا، والله أعلم بأحوال عباده…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عبد الحندد منذ 9 سنوات

ااذا أسندت الأمور لغير أهلها فانتظري الساعة..انك تعرف الحديث النبوي الشريف عندما تلد الأمة سيدتها عراتا. حفاتا. رعاتا يتطاولون في البنيان ...

متتبع.الناضور منذ 9 سنوات

تحليل منطقي يكشف واقع احزابنا العقيمة التي اصبح واقعها مزريا ومشفقا في نفس الوقت.ماينطبق على شباط يصب في خانة"جامع لفنى"حيث الضوضاء والفوضى والنشل والتحايل والاكل ثم "الشطيح والرديح"...الى الصباح لبدءفصول جديدة من يوم جديد"قديم"هدا هو حالنا وحال احزابنا التي تضرنا وﻻتنفعنا

حنين منذ 9 سنوات

مشاء الله خطاباته فيها انتقادات فقط ليست فيها برامج مستقبلية ولا مشاريع فعالية تنهض بالبلاد ياآسفاه

10 % منذ 9 سنوات

merci de cette analyse realistique et logique et je pense que tout les marocains savent bien le Puzzle politique marocains mais malheureusement le maroc qui perd dans cette politique

مغربي على قد الحال منذ 9 سنوات

لا اظن الحديث عن شباط يستحق عمودا كاملا من صحفي كبير من حجمكم ولا يمكن نفي صفة الشعبوية عن خطاب بنكيران وان كانت قراراته -التي اتفق مع اكثرها- تبدو غير ذلك فتسويقه لها شعبوي صرف انسيت يوم قرأ على الناس اسعار البطاطا والموز اوحديث ديالو" اللي كبير ..."

التالي