– قدّم رئيس الحكومة عبد الاله ابن كيران نموذجا جديدا للمسؤول الحكومي بالمغرب، من خلال حرصه على الحضور الاعلامي المكثف والتواصل المباشر مع الرأي العام، هل تعتبر ذلك إيجابيا أم سلبيا؟
بداية لابد من التأكيد على أن الأمر يرتبط بشخص ابن كيران من جهة، كشخصية صدامية فرجوية وهذا الأمر سابق على توليه مسؤولية رئاسة الحكومة، وهناك من جهة أخرى التحول الذي عرفه الدستور المغربي سنة 2011 والانتقال من مجرد وزير أول إلى رئيس للحكومة، بما يحمله هذا التحول من حضور نوعي وميداني لأن العديد من الاختصاصات التي كانت محتكرة في السابق من طرف المجلس الوزاري برئاسة الملك، أضحت من اختصاصات رئيس الحكومة والمجلس الحكومي الذي أصبح له موقع دستوري حقيقي، بهذا المعنى كان من الطبيعي أن يظهر رئيس الحكومة بصورة مكثفة بشكل يشمل مجالات واسعة تهم أمور الدولة وهو ما كان مطلبا بخصوص مطالب الاصلاح الدستوري الذي رفعته لسنوات الفوى الوطنية الديمقراطية، والذي لم يكن -للصدفة- من أولويات الخط السياسي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية. السلبي في كل هذا المشهد هو أن السيد ابن كيران يتجاهل حقيقة يعرفها المبتدئين في التواصل وهو ببساطة » كثير من التواصل..يقتل التواصل »، لهذا يمكن القول بأن ابن كيران أساءة بأسلوبه إلى المكانة الدستورية لرئيس الحكومة الذي يجب أن يكون نموذجا لرجل الدولة، خاصة عندما تكون الحصيلة غير مسعفة..والخوف كل الخوف هو محاولة استثمار هذه الوضعية المتدنية لصورة رئيس الحكومة للمس باختصاصات مؤسسة رئاسة الحكومة.
-لماذا لجأت المعارضة إلى الضغط عبر طلب « التحكيم » الملكي للتخفيف من الحضور الاعلامي والميداني لرئيس الحكومة عوض مواجهته ومجادلته؟
المعارضة لم تلجأ إلى الضغط في علاقتها برئيس الحكومة، ومن غير المفيد عزل مبادرة المعارضة المسؤولة عن سياقها العام المرتبط ببناء قواعد للتنافس السياسي والانتخابي في سياق دستوري جديد وبسياقها الخاص المرتبط بشخصية السيد ابن كيران وسوء تقديره المستمر لموقعه الدستوري بوصفه رئيس حكومة المملكة المغربية، وهو منصب يظهر جليا اليوم بأنه كبير عليه لأن الرجل يقاوم مغادرة جبة رئيس حزب ويواصل الوفاء لدور السياسي ذو الخصوصيات المحلية الذي لا يتصور وجوده الواقعي والفعلي خارج منطق الصراع، وهنا بالضبط كان لزاما على المعارضة أن تطلب إعادة رسم حدود للتدافع السياسي والانتخابي بين مختلف الأطراف، وبصفة خاصة تحييد الملك من هذا الصراع والالتزام بتجنب التصريح أو التلميح إلى أن الملك يوجد في صف هذه الجهة أو تلك، لأن الوضع الدستوري للملك لا يسمح له بذلك بوصفه رئيسا للدولة ويقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، ولجوء المعارضة إلى الملك في مثل هذه القضايا فيه رغبة في الحفاظ على الاستقرار إضافة إلى أن السيد ابن كيران نفسه لا يعترض عليه وهو ما تؤكده مذكرة حزب العدالة والتنمية بخصوص دستور 2011. لهذا فالأمر لا يتعلق بهروب من المواجهة والتي هي مستمرة في جميع المستويات.
-اتّهمت المعارضة رئيس الحكومة بتحويل البرلمان إلى منصة للخطابة والتواصل مع المواطنين بدل محاورة البرلمانيين، لماذا يصرّ ابن كيران على هذا التواصل برأيك؟ أهي شعبوية أم استعانة بالتعبئة الشعبية في مواجهة خصومه السياسيين؟
السيد بنكيران يعاني عطبا بنيويا في التنشئة السياسية، فنموذج بنكيران لم يتم إعداده لتولي مسؤوليات في الدولة بل فقط في الاحتجاج وما يتطلبه هذا الاحتجاج من وظيفة منبرية، حركة التوحيد والاصلاح تربي عليها حتى الأطفال في المخيمات الصيفية، وهذا ما يفسر كيف أن السيد ابن كيران يفقد أعصابه بسرعة وعند احتكاكه بخطاب مغاير ينتقد ويعارض، فالسيد رئيس الحكومة لا يميز بين خطبة الجمعة وبين خطبه في البرلمان، فهو يأمل أن لا يعقبها نقاش..ومن الناحية الدستورية فالجلسة الشهرية هي جلسة للرقابة، والرقابة لها إتجاه واحد من البرلمان إلى الحكومة..ابن كيران يرفض أن يكون موضوع محاسبة ومساءلة من قبل البرلمان، بالإضافة إلى أنه يرفض أن يكون في موقع المساءلة لأسباب ثقافية وإديولوجية فإنه يعرف بأنه يفتقد لحصيلة يفخر بالدفاع عنها، لذلك يخلق قضايا هامشية للفت الأنظار عن القضايا ذات الأولوية..ويسعى إلى تحويل مروره في الجلسة الشهرية إلى تجمع خطابي منقول على الهواء مباشرة يسدد تكاليفه الشعب المغربي، و هذا لا يعكس سوى شعوبية في صورها الأكثر إثارة للشفقة.