بشكل لم يسبق له مثيل في السياسة المغربية، تحوّل مشروع زواج بين الوزير الحبيب الشوباني، والوزيرة المنتدبة سمية بن خلدون، إلى قضية مثيرة للجدل وسط الرأي العام الوطني، خاصة حين تم استغلالها في الصراع السياسي، الأمر الذي طرح للنقاش بقوة حدود العلاقة بين الحياة الخاصة والحياة العامة للمسؤول العمومي.
كان كل شيء بين بنخلدون والشوباني يمضي في صمت، اعتقادا منهما أن الحياة الخاصة لأي مواطن لا علاقة لها بالحياة العامة للمجتمع. حصلت الجدّة بنخلدون على طلاقها من زوجها قبل أكثر من عام، حين اختارت وطليقها وضع حد لحياة زوجية استمرت أزيد من 30 عاما، وخلّفت أربعة أولاد. لتبدأ فيما بعد علاقة جديدة مع الحبيب الشوباني، تطورت داخل ديوان هذا الأخير، إلى مشروع زواج، وحرص الطرفان على أن يبقى في السر، لكن يبدو أن جهات اختارت لهما خلاف ذلك، وقذفت بقصتهما إلى صفحات الإعلام، الذي نسج روايات حولهما، لا شيء مؤكد منها لحد الآن سوى اعتراف الوزيرة بطلاقها، وإقرار الشوباني بأنه قد تقدم لخطبتها.
حب حكومي، طلاق، زواج، ديوان الوزير، حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الجدة بنخلدون، كلها معطيات جعلت القصة مشوقة وجذابة، وإن كانت غير مكتملة، ما فتح الباب للقيل والقال، زاد من حدته تكتم الطرفين، اللذين فضلا السكوت عن الموضوع، ونهجا خيار الرد فقط حين يتعلق الأمر بـ»ألسنة قذرة» أرادت استغلال الحدث لتشويه سمعة الشخصين، ومن ورائهما صورة الحكومة وحزب العدالة والتنمية بالذات.
حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، كان أبرز سياسي خاض في الموضوع لحد الآن. ذهب شباط إلى موطن الشوباني في مدينة الراشيدية، التي يسيّرها حزب العدالة والتنمية بتحالف مع حزب التقدم والاشتراكية، ليقول إن في الحكومة «زير نساء» تسبب في تشريد أسرة وتطليق زوجة من زوجها، وهي التي بلغت من العمر 52 عاما، مشيرا إلى أن الشوباني، الذي لمّح له دون أن يذكره بالاسم، حاول مع امرأة أخرى، وعدها بالزواج إلى أن طلقت من زوجها، ثم تخلى عنها بعد ذلك.
يَعرف شباط عن قرب أسرة بنخلدون، لأن طليقها السابق من عائلة البوزيدي الاستقلالية(تاونات)، والتي لا زال لها نفوذ وموقع داخل حزب علال الفاسي إلى اليوم، لكن في الوقت الذي أراد شباط أن ينكأ جرحا لا يزال ينزف، أدت تصريحاته إلى حملة تضامن مع الوزيرة، خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي، استنكرت تدخل رئيس حزب سياسي في الحياة الخاصة لوزيرة، ومسّ بشرف وكرامة عفاف بنخلدون.
غزوة إفك
وسط حملة التضامن التي أطلقها نشطاء تنديدا بتصريحات شباط، قرر كل من بنخلدون والشوباني الرد بشكل منسق بينهما، لكن كل على حائطه الفايسبوكي. لجأ كلاهما إلى الاحتماء بأخلاق الإسلام وتقاليد الشعب المغربي، وأثار كلاهما قصة حسّاسة في تاريخ فجر الإسلام، والمعروفة بـ»قصة الإفك» التي اتهم فيها خصوم الدعوة الإسلامية زوجة الرسول «عائشة بنت أبي بكر» بالزنا مع الصحابي «صفوان بن المعطل»، وهي القصة التي نزلت فيها آيات من القرآن الكريم تبرئ عائشة من تهمة المنافقين فيها. الخطاب هنا موجّه إلى القاعدة الدينية لحزب العدالة والتنمية. بنخلدون كتبت تقول إن تصريحات شباط «مجانبة للصواب ومخالفة للحقيقة»، و»مليئة بالكذب»، إذ أنه «شحن الموضوع بكثير من الإفك والزور»، ثم أوضحت بعد ذلك أن انفصالها عن زوجها السابق كان «نتيجة طبيعية بعد أن تعذر استمرار الحياة الزوجية، وهو موضوع معروف لدى أسرتي وعائلتي كما لدى عائلة طليقي منذ سنين». واعتبرت ما أقدم عليه الأمين العام لحزب الاستقلال «انتهاك سافر لأخلاق الإسلام وتقاليد الشعب المغربي العريقة في احترام حرمات الأسر والحياة الخاصة للأفراد».
أما الشوباني، فقد وصف تصريحات شباط في مدينة الراشيدية بـ»غزوة الإفك»، ووضع تهجمات شباط في سياق الصراع السياسي بينه وبين الحكومة، حيث لا يتوارى عن «مهاجمة رئيس الحكومة بجميع الأسلحة المحرمة قانونا وأخلاقا بعد أن فشلت كل الأسلحة التقليدية في النيل من شعبيته التي لا تزيدها الأيام والأحداث إلا رسوخا». وأضاف «كانت غزوة الإفك محاولة بائسة لنسف وطمس مفاعيل هذا اللقاء التاريخي»(في إشارة إلى مهرجان بنكيران بالراشيدية).
وعن منهجه في الردّ على شباط وغيره، فقد أوضح الشوباني أن منهجه في ذلك الصبر على الأذى «ونحتسبه عند الله ضريبة من ضرائب مواجهة الفساد والمفسدين..لا ننزل إلى قعر الانحطاط الذي يحاول جرّنا إليه دعاته»، وهدد بالتوجه نحو القضاء لمواجهة «الإفك الشباطي الممنهج».
بين تهجمات شباط وردود الشوباني وبنخلدون، برزت بوضوح قضية الحياة الخاصة للوزراء، التي أكد عليهما الطرفان، لكن شباط كانت له وجهة نظر أخرى، إذ رد قائلا:»من حقي الخوض في الحياة الخاصة للوزراء، لكونهم شخصيات عامة». وأضاف أن الشوباني هو من أخرج الموضوع للعلن، حتى اضطر رئيس الحكومة إلى منع لقاءاتهما داخل أروقة الوزارة.
ماذا يقول القانون؟
وسط هذا الجدل السياسي، وعلى صفحات الفايسبوك، لا يبدو أن القانون المغربي يقدم جوابا. كل ما هنالك نصوص عامة، كما هو الحال في الفصل 24 من دستور 2011 الذي ينص صراحة على أنه «لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة». ويضيف مقتضيات أخرى في الفقرات الموالية التي توضح معنى ومدلول الحياة الخاصة، إذ ينص في الفقرة الثانية من هذا الفصل بالقول:»لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات التي ينص عليها القانون». وفي الفقرة الثالثة يضيف «لا تنتهك سرية الاتصالات الشخصية كيفما كان شكلها. ولا يمكن الترخيص بالاطلاع على مضمونها أو نشرها، كلا أو بعضا، أو باستعمالها ضد أي كان، إلا بأمر قضائي، ووفق الشروط والكيفيات التي ينص عليها القانون». وفي الفقرة الرابعة يدمج حرية التنقل ضمن هذا الموضوع، إذ ينص على أن «حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون».
انطلاقا من الفصل المذكور، ثمة إشارة إلى ثلاثة عناصر تندرج في الحياة الخاصة لكل شخص مواطن، أولا «حرمة المنزل»، وثانيا «سرّية الاتصالات الشخصية» وثالثا «حرية التنقل». ولا يبدو أن لحرية التنقل وجه خاص وحميمي، كما هو واضح من حرمة المنزل والاتصالات الشخصية.
عبد الرحمان بن عمرو، نقيب سابق للمحامين بهيئة الرباط، قال لـ» اليوم24» إن الحياة الخاصة موضوع فقهي، حيث إن القانون المغربي لم يضع لها تعريفا محددا، الأمر الذي يفتح النقاش على الاختلاف. وأضاف أن «السلوك الأخلاقي» مثلا «يعتبر جزءا من الحياة العامة»، مشيرا إلى أن قانون المحاماة يشترط صفات أخلاقية في المحامي، رغم أنها خاصة بكل إنسان، مثل التحلي بالوقار، والاحترام، وعدم الكذب، والسرقة، والتخاصم مع الجيران، أو سوء الخلق. واستنتج بن عمرو من ذلك أن «كل قضية في الحياة الخاصة للشخص، تؤثر على أدائه الوظيفي، تصبح قضية عامة»، ومثال ذلك أن «يضرب الزوج زوجته أو أولاده»، فهي قضية تقع عادة داخل منزل الزوجية، الذي له حرمته، لكنها إذا كشفت وعرفت تصبح قضية عامة، ولا يمكن حينها لأي شخص أن يدافع عن نفسه بمبرر الحياة الخاصة.
الرأي نفسه تقريبا عبّر عنه نجيب البقالي، محام بهيئة الدار البيضاء، إذ أكد أن القانون المغربي يتوفر على نصوص عامة فقط، مثل الفصل 24 من الدستور، لكنه لا يوفر نصوصا خاصة ودقيقة في الموضوع، باستثناء ما ينص عليه قانون حماية المعطيات الشخصية، الذي ينص على حماية الحياة الخاصة «التي يمكن الوصول إليها باستعمال الإنترنيت». وأوضح البقالي أن المسّ بالحياة الخاصة لا ينظمه القانون الجنائي لحد الآن، وبالتالي لا يمكن تكييفه كفعل جرمي يعاقب عليه. لكن للمتضرر الحق في التعويض، انطلاقا من القانون المدني.
هذا بشكل عام، أما في قضية الشوباني وبنخلدون، فإن الأمر مختلف. بن عمرو اعتبر أن الموضوع من الناحية القانوني يتعلق بمشروع زواج، وبناء عليه قال إن «القانون يعطي لهما الحق»، لأن قانون الأسرة يبيح التعدد في الزوجات»، الأمر الذي يجعل فعلهما قانونيا وشرعيا. هذا بالنسبة لمن يرى أن التعدد مقبول وجائز، أما الذين يرون أن التعدد في الزوجات يتنافى مع حقوق الإنسان وفلسفة الحق، مثل بن عمرو، فإن سلوك الشوباني وبنخلدون «لا يتمتع بأية مشروعية»، ما دام كل من الحق والعدالة فوق القانون.
وتوقف البقالي عند تهجمات حميد شباط على الشوباني، واعتبر أن وصف الأخير بأنه «زير نساء» يشتت ويفرق الأسر والأزواج، بأنه «سب وقذف» علني وصريح، الغرض منه تحطيم سمعة الشخص وكرامته، في الوقت الذي يمنحه القانون كل الحق لكي يتزوج زوجة ثانية. لكن البقالي استدرك بالقول: «إن بين الحياة الخاصة والحياة العامة خيط رفيع جدا»، خاصة عندما يتعلق الأمر بمسؤولين عموميين كالوزراء.
جدل فسيبوكي
نشطاء الفايسبوك لهم رأيهم في الموضوع كذلك، المقربون من الوزيرين، من شباب حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، انقسموا بين من يعتبر خطوة الشوباني مسألة حياة خاصة، وبين من يرى خلاف ذلك. علي فضلي، باحث في العلوم السياسية بكلية الحقوق بسطات، شبّه ما يقال في حق الشوباني بأنه «قتل معنوي» له، ونبّه مخالفيه من شباب الحزب وحركة التوحيد والإصلاح إلى أن «استهداف الشوباني لم يبدأ مع حكاية الخطبة، وإنما «منذ استوزاره»، وأكد «الكل يتذكر قصة اتهامه شهورا قليلة من طرف أحد القيادات، والضجة التي أثيرت حول تسجيله في الدكتوراه، دون أن ننسى الهجوم المحموم على اليوم الوطني للمجتمع المدني».
وفي تدوينة أخرى، كتب مميزا بين الهجوم على الشوباني في قضية خاصة به، تتعلق بمشروع زواج، وبين التهجمات التي طالت أبناء حميد شباط دون أن تتعداها إلى والدهم، أو إلى صلاح الدين يتيم ابن القيادي في حزب العدالة والتنمية، محمد يتيم، بعدما فاز في لعبة «البوكر»، وأثارت ضجة بسبب قناعة دينية لدى شباب الحزب والحركة ترى أن البوكر حرام. وقال فضلي إن الفرق بين حالة الشوباني والحالات الأخرى «شاسع جدا».
لكن حسن حمورو، من القيادات الشبابية بالحزب، دافع عن خلاف ذلك على حائطه بالفايسبوك، واعتبر أن «الحياة الخاصة ليست ورقة يلعب بها السياسي متى وكيف يشاء، يحتفي بها عندما يلبس «فوقية» وصندالة ديال الجلد أو يأكل الخبز والزيت. ويخفي تفاصيلها أو يدعو إلى عدم الخوض فيها عندما يرى أنها تمس موقعه السياسي وصورته العامة». وقال كذلك:»إنهم يدفعون بكم للدفاع عن الفصل بين الحياة الخاصة و»الحياة العامة» حتى يغلقوا أفواهكم إذا ما تكلمتم عن حيواتهم الخاصة القذرة!». وأردف «لا تؤسسوا لممارسات علمانية في عمقها تفصل الخاص عن العام، تحت ذريعة حماية الحياة الخاصة للمسؤولين السياسيين. لّي بغا سيدي بوغالب يبغيه بقلالشو!».
وأردف في تعليقات متتالية منتقدا من يدافع عن الشوباني بحجة أن تلك حياة خاصة به، وقال:»إنما أهلك الأحزاب التي قبلكم أنهم كانوا إذا أساء فيهم القيادي تركوه، وإذا أساء فيهم المناضل البسيط أقاموا عليه المساطر، وجمدوا عضويته، وطردوه من بينهم. فمن يقول منكم: وأيم الله لو أن وزيرا أساء لطردناه!».