في تقريره لسنة 2013، كشف المجلس الأعلى للحسابات إحدى الفضائح الكبيرة التي تورط فيها مديرون في شركة العمران، بتواطئهم على تفويت أرض لصالحهم في منطقة الهرهورة، مع توليهم تحديد ثمن البيع. التقرير خلق ضجة لكنه طرح تساؤلات حول هوية المديرين المعنيين، وطبيعة المشروع وموقعه، وما إذا كان الملف سيحال على القضاء. « اليوم24» بحثت في هذه الفضيحة، واطلعت على ملابسات عملية التفويت، وطبيعة المشروع، والتواطؤات التي حصلت، وأنجزت التحقيق التالي:
على بعد أمتار من شاطئ سيد العابد في الهرهورة يسار الطريق في اتجاه الدار البيضاء، تظهر إقامة تضم عدة فيلات في طور الإنجاز محاطة بسور. الأشغال الكبرى انتهت، وعمال البناء مازالوا يشتغلون في الورش تحت الشمس. إنها «تجزئة ودادية الشروق إسكان»، التي حاز أصحابها أرض الدولة بـ193 درهما للمتر المربع سنة 2009، وفضحها تقرير المجلس الأعلى للحسابات. توجد الإقامة في موقع استراتيجي قرب شاطئي «سيد العابد» و«بوتي فال دور»، بمحاذاة الطريق الرئيسة. لا توجد أي لافتة تشير إلى صاحب المشروع، لكن عندما سألنا أحد العمال، قال إن الأمر يتعلق بـ«مشروع ناس ديال العمران».
الأمر يتعلق بـ15 فيلا مساحة كل واحدة منها تصل إلى 250 مترا مربعا، تتكون من طابق تحت أرضي وطابق أرضي وطابق أول، بنوافذ واسعة تطل على البحر. في وسط الإقامة، يجري بناء مسبح ومواقف للسيارات، وإعداد مناطق خضراء. كانت هذه الأرض مخصصة في الأصل لإنجاز تجزئة سيد العابد، من طرف «العمران»، ثم تحولت في تصميم للتهيئة إلى إنجاز مشروع سياحي وشارع عمومي ومناطق خضراء، قبل أن تظهر ودادية «الشروق إسكان» التي أسسها مديرو «العمران»، وحصلت على تفويت الأرض بثمن بخس، وعلى الموافقة على تغيير التصميم العمراني لإنجاز فيلات، بدعوى «توفير السكن اللائق» لأطر الشركة.
الأسماء المستفيدة من هذه الكعكة هم تسعة مديرين في العمران أسسوا الودادية في 2006، لكن انضمت إليهم شخصيات أخرى بعد تفويت الأرض في 2009، أبرزهم وزير الجالية السابق، الاتحادي محمد عامر، ونجيب العرايشي، الرئيس المدير العام لمجموعة العمران سابقا، ويده اليمنى محمد نجيب لحلو، عضو مجلس قيادة مجموعة العمران سابقا. فكيف أمكن لهؤلاء المديرين الحصول على هذه الأرض بثمن أقل بكثير من الثمن الحقيقي؟ وكيف تمت عملية التفويت بسرعة ما بين 2006 و2009، في فترة كان يجري فيها تعويض الشركات الجهوية للتجهيز والبناء (ليراك)، بـ«مجموعة العمران» (2007)؟ كيف حصلت التواطؤات على تسريع التفويت وتغيير التصميم وتحديد الثمن؟ وهل يمكن أن يصل هذا الملف إلى القضاء؟
للإجابة عن هذه الأسئلة كان على «أخبار اليوم» أن تبحث عن المعطيات التي لم يذكرها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وتغوص في ملفات تأسيس ودادية الشروق إسكان، وملابسات تسريع عملية التفويت.
ودادية الشروق إسكان
تأسست ودادية «الشروق إسكان» في سنة 2006 من طرف تسعة مسؤولين في المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية (ليراك)، وهم: عبد الله يامول، بصفته رئيس الودادية، وكان حينها مديرا للدراسات بالمؤسسة وتولى منصب مدير وكالة تمارة، ومنتصر بنحمو، بصفته أمين مال الودادية، وكان حينها المدير المالي بمؤسسة ليراك، ومحمد الكود، الكاتب العام للودادية، وكان يشغل منصب المدير التجاري في المؤسسة. أما بقية الأعضاء فهم، عبد الواحد صبور، رئيس القسم المالي حينها في المؤسسة، وكمال بنربيعة، رئيس قسم المعلوميات، وإلياس أمقران، المدير التقني بالمؤسسة، وعلي المرنيسي، إطار سابق في مديرية الشؤون التقنية (حاليا تم وضعه رهن إشارة وكالة أبورقراق)، وعبد الحميد بن الطاهر، رئيس قسم العقار (غادر العمران في إطار المغادرة الطوعية)، وعبد الكريم الموراجي، المدير السابق للموارد البشرية بالمؤسسة (حاليا متقاعد). هؤلاء هم المسؤلون التسعة الذين تحدث عنهم تقرير المجلس الأعلى للحسابات، منهم ما لايزال يمارس مهامه حاليا في العمران، مثل منتصر بنحمو، المدير المالي للعمران الرباط، وإلياس أمقران، مسؤول قطب الدراسات حاليا في العمران الرباط، ومحمد الكود، الملحق بالإدارة المركزية حاليا.
العقل المدبر
مسلسل هذا الملف بدأ في 13 يونيو 2006، حين وجه رئيس الودادية، عبد الله يامل، رسالة إلى المدير العام للمؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء، الحسين الشليح، يطلب فيها تمكين الودادية من الحصول على القطعة الأولى ذات الرسم العقاري 88785/03. الرد لم يتأخر كثيرا. بعد مرور 15 يوما حصلت الودادية على الموافقة المبدئية من المدير في 28 يونيو 2006، مع وعد بالتدخل للحصول على الاستثناء لأن التفويت بقي مرتبطا بالحصول مسبقا على الاستثناء بتغيير التخصيص العمراني للأرض. وبعد مرور 5 أيام فقط في 3 يوليوز 2006، عاد مدير الودادية عبد الله يامل، لتوجيه رسالة جديدة إلى مدير المؤسسة الجهوية الحسين الشليح، طالبا الحصول على القطعة الثانية ذات الرسم العقاري 51908/ر لفائدة الودادية، مبررا طلبه برغبة الودادية في «استفادة أكبر عدد من أطر الشركة».
إلى هنا كان يظهر أن الأمر عادي، حيث إن مجموعة من الأطر أسسوا ودادية، ووجهوا طلبا للمدير لتمكينهم من قطعتين في الهرهورة. ورغم أن اسم المدير لم يكن ضمن مؤسسي الودادية، فقد تولى شخصيا مراسلة الوزير المنتدب المكلف بالإسكان، توفيق حجيرة، في أكتوبر 2006، أي قبل 3 سنوات من إبرام عقد التفويت، وطلب منه السماح بتفويت القطعتين إلى الودادية، و«التدخل» لدى الجهات المعنية لتغيير التخصيص المعماري للقطعتين، بما يسمح للودادية بإنجاز سكن للأعضاء. تقول الرسالة إنه «في إطار إشراك جميع الفعاليات في النهوض بالقطاع السكني من أجل توفير السكن اللائق لمختلف الشرائح الاجتماعية، يشرفني أن أخبركم بأنه بمبادرة من مجموعة من أطر المؤسسة تم تأسيس ودادية سكنية تحمل اسم «الشروق إسكان» لتكون وسيلة لتوحيد جهودهم المادية والمعنوية من أجل تحسين ظروفهم السكنية». مدير المؤسسة يخبر الوزير بأن الودادية تقدمت إليه بطلب تفويت القطعتين، وسيظهر فيما بعد سبب هذا الحماس الكبير من المدير لتسريع التفويت، لأنه سيكون مستفيدا فيما بعد من المشروع.
تعترف الرسالة بأن القطعتين المعنيتين اقتنتهما المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء «من أجل إنجاز تجزئة سيد العابد، غير أن المشروع أنجز على جزء من الأراضي المقتناة، في حين بقيت الأراضي الأخرى شاغرة». ويخبر المدير في رسالته بأن جزءا من القطعتين المعنيتين مخصص، حسب تصميم التهيئة، لإنجاز مشروع ذي صبغة سياحية وجزء آخر لمساحات خضراء، والجزء المتبقي لإنجاز شارع عمومي يربط التجزئات المجاورة بالطريق الشاطئية الرابطة بين الرباط والدار البيضاء. وهكذا يطلب المدير من الوزير الموافقة على أمرين؛ الأول: «تفويت القطعتين»، والثاني يتمثل في «التدخل لدى الجهات المعنية لدراسة إمكانية إعادة النظر في التخصيص المعماري لهاتين القطعتين حتى يتلاءم مع طلب الودادية الرامي إلى إنجاز برنامج سكني لفائدة أعضائها». الجهات المعنية المقصودة هنا هي الوكالة الحضرية، والتي وافقت فيما بعد على تغيير التخصيص المعماري، وسمحت ببناء فيلات لأعضاء الودادية بدل مشروع سياحي، ومساحات خضراء وشارع عمومي.
يقول مصدر «اليوم24» إن عملية التفويت التي جرى الترتيب لها منذ 2006 خلقت ضجة في ذلك الوقت داخل المؤسسة وصلت حد تقديم مسؤول نقابي شكاية ضد الودادية إلى الإدارة، حيث اتهم أعضاء الودادية باستغلال النفوذ واستعمال جميع الوسائل للحصول على الأرض وإقصاء الأطر من الاستفادة. وقد فتحت إدارة العمران تحقيقا لم يسفر عن أية نتيجة.
أعضاء الودادية.. بائعون ومشترون ومحددون للثمن
بعد مرور 15 يوما على رسالة مدير «ليراك» إلى وزير الإسكان توفيق حجيرة لطلب التفويت، جاء الجواب بالموافقة في رسالة موقعة من محمد رشيد الفهري، مدير المؤسسات العمومية والشراكة مع العمل الجمعوي بوزارة الإسكان، في 13 يونيو 2006، وحمل التوقيع عبارة «عن الوزير وبتفويض منه». تقول الرسالة: «لا أرى مانعا في الاستجابة لطلب الودادية شريطة أن تحصر الاستفادة من المشروع في أطر المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية، أو اطر الوزارة المنتدبة المكلفة بالإسكان والتعمير»، وفي اليوم نفسه، أي 13 يونيو، وجهت المديرية ذاتها رسالة إلى الوكالة الحضرية تطلب فيها مراجعة تصميم التهيئة الخاص بالقطعتين، وهو ما تمت الاستجابة له بسرعة.
وبعد تمهيد الطريق للحصول على الأرض بقيت أمام مسؤولي الودادية جزئيات بسيطة: تحديد ثمن الأرض، وتوقيع اتفاقية بين الودادية والعمران التي ورثت «ليراك». ومن أجل تحديد الثمن، تشكلت لجنة ضمت 9 أشخاص من الشركة، أبرزهم ثلاثة مسؤولين في الودادية، هم رئيس الودادية عبد الله يامل، والكاتب العام للودادية محمد الكود، وعضو المكتب عبد الحميد بن الطاهر، ثم هناك العنصر الأساسي الحسين الشليح، المدير الجهوي لمؤسسة «ليراك» سابقا (سيصبح فيما بعد عضوا في الودادية ومستفيدا من المشروع). أما بقية الأعضاء فهم: لطيفة اليمني، دينيا شكيب، شويقري خليل، الودغيري عبد الرحمان، ومحمد الكبدي.
مصدر مطلع أكد لـ« اليوم24» أن الأعضاء المؤثرين في عمل لجنة تحديد الثمن كانوا هم مدير «ليراك» والمسؤولون في الودادية، أما البقية فكانوا مجرد أطر تم وضعهم في اللجنة لإضفاء «شرعية» على عملها. هذه الوضعية يصفها رجال القانون بـ«حالة تعاقد شخص مع نفسه»، وحالة «تضارب المصالح»، وهي غير قانونية، خاصة إذا تعلق الأمر بتفويت عقار عمومي. هكذا خلصت اللجنة إلى تحديد ثمن تفويت المتر المربع للودادية في 193,197 درهما للمتر المربع، أي أن كلفة تفويت 16194 مترا مربعا، كانت هي 3 ملايين و128 ألفا و639,83 درهما فقط. ولمعرفة كم كان هذا الثمن بخسا، لا بد من البحث في القيمة العقارية الحقيقية التي يحددها موقعه والأسعار في تاريخ بيعه.
ثمن بخس
لمعرفة القيمة الحقيقية للأرض التي تم تفويتها لا بد من البحث عن ظروف اقتنائها من طرف «ليراك» في بداية التسعينات. اقتنت المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الشمالية الغربية القطعة الأولى، ذات الرسم العقاري المسمى «الشرقاوي»، من خواص في 14 أكتوبر 1991، بمبلغ 566790 ألف درهم )56 مليون سنتيم و6790 درهما(. وبعد ذلك لجأت المؤسسة في 8 غشت 1994 إلى اقتناء قطعة أخرى مجاورة بمساحة مماثلة، لكن الثمن كان مضاعفا، حيث اقتنت الشركة الرسم العقاري المسمى «برادة»، لتضمه إلى القطعة الأولى المجاورة من أجل إنجاز تجزئة سيد العابد. كانت القطعة الثانية في البداية موضوع نزع للملكية، صدر بشأنها مرسوم لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة في الجريدة الرسمية، وكانت مسطرة النزع جارية، لكن مسؤولي «ليراك» قرروا التخلي عن هذه المسطرة، واتجهوا إلى اقتناء الأرض من أصحابها الخواص بالتراضي مقابل مبلغ 1416975 درهما (أي 141 مليون سنتيم و6975 درهما)، وهو مبلغ يضاعف الثمن الذي اقتنيت به القطعة الأولى المجاورة لها رغم أن مساحتهما متساوية وبالمواصفات نفسها، مع فاصل ثلاث سنوات فقط بين الشراء الأول والثاني. هذا يعني أن الفرق الزمني بين اقتناء القطعة الأولى والثانية هو 34 شهرا تضاعف فيه الثمن مرتين. لا يعرف لماذا لم تواصل «ليراك» حينها مسطرة نزع الملكية، لكن خبيرا في مجال العقار قال لـ«اليوم24» إن عمليات اقتناء الأراضي من طرف «ليراك» و«العمران» لم تكن تسلم من تلاعبات، وهذا موضوع آخر، لكن المهم هنا هو أن كلفة اقتناء القطعتين معا في 1991 و1994 هي مليونان (2) و177 ألفا و214 درهما و23 سنتيما. أي أن الزيادة التي ربحتها العمران بعد 15 سنة على اقتنائها القطعة الثانية و18 سنة على اقتنائها القطعة الأولى كانت لا تتعدى 951425 درهما (95 مليون سنتيم). هذا علما أن مصاريف مؤسسة «ليراك» على هذه الأرض بلغت 500 ألف درهم (50 مليون سنتيم)، حسب مصدر مطلع، أي أن ما ربحته ليراك من عملية التفويت لا يتعدى 45 مليون سنتيم.
عبد الله يامل :رئيس ودادية «الشروق إسكان» يدافع عن نفسه
{ انتقد تقرير للمجلس الأعلى للحسابات الطريقة التي حصلتم بها على أرض شركة العمران في الهرهورة. ما ردك؟
< لا أستطيع حاليا الرد. يمكنك أن ترسل إلي الأسئلة وسأعرضها على الجمع العام للجمعية.
{ لكن هناك انتقادات سجلت على طريقة حيازتك للأرض؟
< نحن جمعية قانونية تشتغل في إطار قانوني، وكل الإجراءات والمشاريع التي نقوم بها قانونية، ونحن نرفض هذا التشويش.
{ هل تعتبر تقرير المجلس الأعلى للحسابات تشويشا؟
< لم أقل إن تقرير المجلس يعد تشويشا، بل إنه قام بدوره.
{ أنتم مسؤولون في العمران واستفدتم من تفويت الأرض وشاركتم في تحديد الثمن. هل هذا عمل قانوني؟
< لا أريد أن أصرح بأي شيء، كل ما أقوله هو أن جمعيتنا قانونية، وجميع المعطيات متوفرة للجميع.
{ هل صحيح أن من ضمن المستفيدين نجيب العرايشي، المدير العام السابق للعمران، والوزير السابق، محمد عامر، ونجيب لحلو، عضو مجلس قيادة مجموعة العمران، وغيرهم؟
< من صرح لكم بهذه الأسماء عليه أن يتحمل مسؤوليته، وأنا لن أقول لك أي شيء. المهم أن كل شيء عندنا مضبوط وقانوني. إنه يمنع علي أن أكشف لكم الأسماء المستفيدة لأن هذه من صلاحية الجمع العام الذي هو صاحب القرار، ويجب احترام حرية الجمعيات. أيضا فإن هناك من يدخل إلى الودادية وهناك من ينسحب منها.
{ من انسحب من المستفيدين؟
< هذه صلاحية الجمع العام فهو الذي يضبط الانخراطات، وكل معلومات ستصدر خاطئة سوف نسجلها، وكل يتحمل مسؤوليته.
{ لماذا لا تؤكد لنا رسميا من المستفيد من تفويت عقار الدولة في الهرهورة بـ193 درهما للمتر المربع؟
< الأسئلة المتعلقة بالتفويت يجب أن تطرح على الشركة وليس على الودادية.
{ لكنك مدير الودادية وأيضا مسؤول في الشركة. لقد بعتم لأنفسكم عقار الدولة وحددتم الثمن؟
< أنا لا أتحدث باسم الشركة، يجب أن نكون واضحين.
{ هل تلقيتم أي استفسارات من المجلس الأعلى للحسابات؟
< لا تعليق لدي..