16 شخصية تجيب عن السؤال:هل رجعت الملكية إلى أدوارها التقليدية؟ (ج2)

18 يوليو 2015 - 14:42

أربع سنوات مرّت على خروج المغاربة في حلم جماعي بتحقيق العدالة والكرامة والديمقراطية؛ فترة زمنية كافية لتمكين الباحث السوسيولوجي وعالم السياسة والسياسي المنخرط من أدوات القراءة والتفكيك واستخلاص الوجهة التي اتّخذها قطار الإصلاح السياسي الذي انتظره المغاربة طويلا. سؤال واحد طرحته «أخبار اليوم» على عشرات المراقبين والمتخصصين: «ماذا تغيّر في ملكية المغرب بعد 4 سنوات من دستور الربيع العربي؟ هل تقلّص دورها في اتجاه إفساح المجال أمام دور أكبر لحكومات ومؤسسات منتخبة؟ أم اتّسعت دائرة تدخّلها، بفعل ضعف النخب الحزبية وعجزها عن ارتداء القميص الدستوري الجديد، أو تحت ضغط قوى المقاومة ورفض الإصلاح؟».

إدريس كسيكس*:الملكية استغلت ما يتيحه لها الإطار الدستوري إلى أقصى الحدود

أظن أن دستور 2011 في الأصل منفتح على قراءات متعددة، والأكيد هو أن المؤسسة الملكية استعملت الإطار الدستوري الجديد إلى أبعد حد، بحيث قوّت آليات العمل داخلها، من ديوان ومستشارين… كما حافظت المؤسسة الملكية على قدرتها في مجال التوجيه للمجالات الاستراتيجية، أي المجالات الاقتصادية والأمنية وغيرها.
من جهة رئاسة الحكومة، كانت هناك رغبة في توسيع مجال الاشتغال، لكنها ووجهت بمضايقات وعراقيل تعود إلى البنية السياسية وتعدد الفاعلين الموجودين، والذين هم في أمسّ الحاجة للإبقاء على ثوابت المنظومة الحالية. شخصيا لا أعتقد أن الحركية ستأتي من مجال القانون والدستور، بل هي جاءت وستأتي انطلاقا من التفاعلات السياسية، ومن مجالات التضارب في الأفكار والاختيارات في الفضاء العام، وهو ما قد يفرز إحساسا جديدا بأهمية الانتخابات. أي أن المواقف المحافظة للحكومة قد تدفع في اتجاه حركية جديدة في المجال التمثيلي، وقد يأتي الوقت الذي يصبح فيه السياسيون هم من يدافعون عن المكتسبات الديمقراطية.
الأكيد أن تجاوز الإطار الدستوري موجود في أداء المؤسسة الملكية، لكنه ناتج عن جدل مع مؤسسة رئاسة الحكومة. فهذا الأخير حاول أحيانا أن يستعمل المجال المتاح له إلى أبعد الحدود، لكنه في أحايين أخرى فضّل عدم الذهاب إلى المواجهة. أما من جانب المحيط الملكي، فهناك رغبة في التحكم مازالت قائمة، وفي بعض الأحيان يستعمل الهامش المتاح، وفي أخرى يتم تجاوزه. لكنني لا أنتظر من المؤسسة الملكية أن تعطي الديمقراطية كهبة، بل الديمقراطية نصل إليها من خلال صراع الفاعلين وتضارب المشاريع والأفكار في المجال العام.

* كاتب ومدير مركز الأبحاث HEM

 

محمد مصباح*: الملكية تعمل على استعادة ما تم التنازل عنه في 2011

بعد مرور أربعة أعوام على تعديل الدستور لم تحصل قطيعة في طريقة ممارسة السياسة بالمغرب، وهذا يعود إلى كون دستور 2011 يعبر عن موازين القوى المائلة لجهة القصر، وهو ما يعزز صلاحيات المؤسسة الملكية، سواء من خلال النص الدستوري أو عبر أعراف سياسية تشكلت عبر الزمن، وقبلت بها النخب السياسية. لهذا يمكن القول إن الوضع، بعد أربع سنوات على اعتماد الدستور الجديد، ينحو في اتجاه تطور بطيء جدا في منحى التعلم والممارسة الديمقراطية بالمغرب.
هذا البطء راجع إلى ثلاثة أسباب: أولا الدور المركزي الذي تلعبه المؤسسة الملكية ضمن العملية السياسية باعتبارها المؤسسة الرئيسية القادرة على القيام بإصلاحات عميقة، ولازال القصر يراهن على لعب أدوار سياسية لضمان التوازنات السياسية بالبلد.
ثانيا: اعتماد حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، مقاربة «المشاركة لا المغالبة» في تدبيره السياسي، وفي تعامله مع مسألة تنزيل الدستور. رغم أن هذا الأمر سليم سياسيا نظرا إلى الاعتبارات الإقليمية المناوئة للإسلاميين، إلا أنه يؤدي إلى البطء في تنزيل مقتضيات الدستور على الواقع.
العامل الثالث يرجع إلى ضعف الأحزاب السياسية وضعف استقلالية قرارها الداخلي وعدم قدرتها على إفراز نخب قادرة على الرفع من مستوى الممارسة السياسية بالمغرب.
ومن ثمة لا يمكن الحديث عن قطيعة في صلاحيات وسلطات المؤسسة الملكية بعد الدستور الجديد، بل الصحيح هو حالة من التكيف والانحناء للعاصفة خلال مرحلة ضغط الشارع سنة 2011، ثم العمل بعد ذلك، على استعادة ما تم التنازل عنه خلال 2011، مثلا تحدث الدستور عن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، إلا أن أنه بعد أربع سنوات لازالت لم توضع آليات تنفيذية توضح كيف يمكن تنزيل هذا المبدأ الدستوري، خصوصا وأنه تم تسجيل تجاوزات في هذا الأمر.
* باحث بمعهد كارنيغي للشرق الأوسط.

 

الحبيب بلكوش*: ليست هناك قوة سياسية قادرة على تحمل الأدوار البارزة للملكية

الحديث عن التقدم المحقق في دستور 2011 في اتجاه تعزيز مكانة السلط في النظام السياسي المغربي يتطلب التساؤل عن مدى التقدم في تقوية دور ومكانة السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية في هذا الاتجاه. أما مكانة الملك، فإنها مكانة رئيس دولة فعلي، إلى جانب تقلده إمارة المؤمنين.
لابد أيضا، من التأكيد هنا على الأدوار البارزة التي اضطلعت بها المؤسسة الملكية في عدد من الأوراش الأساسية والمتميزة في تاريخ المغرب المعاصر، وفي مجال حقوق النساء والعدالة الانتقالية والحقوق اللغوية والثقافية والأمازيغية، هذا فضلا عن دورها في المجال الديني الذي تأكدت أهميته في هذه الظرفية المضطربة والمقلقة؛ دون أن ننسى أدوارها التحكيمية في عدد من القضايا الخلافية الكبرى. فهل هناك سلطة أخرى أو قوة سياسية قادرة على تحمل هذه الأدوار والمسؤوليات في إطار توافق بنّاء، وفي قضايا خلافية إلى حد كبير داخل المجتمع وبين أبرز الفرقاء السياسيين وغيرهم؟ لا أظن ذلك.
إن المؤكد هو أن دستور 2011 وسّع من صلاحيات الحكومة ورئيسها، سواء من حيث ضوابط اختيار هذا الأخير من الحزب الحاصل على المكانة الأولى في انتخابات مجلس النواب، أو مسؤوليته على الحكومة، أو أدواره في تعيين جزء مهم من المسؤولين الكبار في الإدارة المدنية..كما أصبحت للبرلمان صلاحيات أوسع منها بالأساس اعتماد كل القوانين، فضلا عن المساءلة والتقصي وحقوق الأغلبية والمعارضة وما إلى ذلك.
هل طبقنا كل ذلك أم لا؟ أعتقد أن التطبيق شمل جزءا لا بأس به من الاختصاصات، وبقي جزء آخر، إلى جانب بطء وتيرة التنفيذ. والحال أنه إذا كانت هناك اختلالات في عدم اضطلاع البعض بكامل السلطات المخولة له، فمرد ذلك من جهة، إلى حداثة التجربة والتمرس على صلاحيات كل سلطة على قاعدة الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية المعتمدة. ومن جهة ثانية، إلى نوعية النخب السياسية وتقديراتها للظرفية وقراءتها لأدوارها في هذه المرحلة.
وأعتقد أننا في حاجة إلى الارتقاء بالتفكير والتناظر في مسار البناء الديمقراطي إلى مستوى تكامل الأدوار، وترسيخ قواعد هذا البناء وثقافته وأعرافه بما يخدم تقدم وتطور التجربة، ويحصن اختيارات البلد، ويسمح بكسب معركة التحديات الوطنية والإقليمية التي تستدعي ذكاء جماعيا للاستشراف والتفاعل الناجع مع رهاناتها، والتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ولا أظن أن الجواب يمكن الاكتفاء فيه بالوصفات النظرية الجاهزة، أو مزايدة طرف على آخر بعيدا عما أفرزه الواقع من ديناميات ونخب وموازين قوى.
* رئيس مركز دراسات حقوق الانسان والديمقراطية

 

16 خبيرا وسياسيا يجيبون عن السؤال:هل رجعت الملكية إلى أدوارها التقليدية ؟ (ج1)

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي