أثار وزير الصحة، الحسين الوردي، جدلا كبيرا في الآونة الأخيرة بعد إعلانه إعداد وزارته لمسودة مشروع قانون حول الخدمة الصحية الإجبارية، وتناسلت الأنباء والأخبار حول مضامينها، وأثار جزء كبير منها حفيظة العاملين في مجال الصحة، ما دفعهم إلى خوض إضرابات واحتجاجات عديدة حول هذا الموضوع.
وأكد الوردي في تصريح خص به « اليوم 24″، أن « كل ما يتداول حول هذا الموضوع كذب وافتراءات »، وشدد على أن ما نشرته بعض وسائل الإعلام حول مقترح مشروع القانون المتعلق بالخدمة الصحية الإلزامية عار عن الصحة، كالترويج بأن الأطباء المتخرجين الذين سيعملون في المناطق النائية في إطارها سيتقاضون تعويضا لا يتجاوز ألفي درهم، وسيحرمون من مباريات الإقامة والأقدمية.
وفي هذا الصدد، أوضح الوزير أن المسودة، التي تعمل وزارته على مراحلها الأخيرة، تأتي لضمان تكافؤ الفرص بين الأطباء، وضمان توزيع عادل للموارد البشرية في مناطق المملكة، مبرزا أن النص الجديد يتضمن تحفيزات للخريجين، الذين سيشتغلون سنتين في إطار هذه الخدمة ومن ضمنها احتساب هاتين السنتين أربع سنوات في عقد ثماني سنوات الذي يوقعه الطبيب مع الدولة، إلى جانب تقاضي الأطباء لأجرتهم كاملة، سواء كانوا أطباء عامين أو متخصصين، مع تلقي تعويضات عن العمل بالمناطق النائية.
وعلاوة على ذلك، يحتفظ هذا المشروع للأطباء بحقهم في التغطية الصحية في الأقدمية، إذ تحتسب لهم السنتان التي يقضونها ضمن هذه الخدمة، إلى جانب ضمان حقهم في إجراء مباريات الإقامة « فلا يعقل أن تفكر الوزارة في حرمانهم من هذا الحق، وإلا من أين سنأتي بالأطباء المتخصصين، هل سنستوردهم؟ »، يتساءل الوردي، قبل أن يوضح أن المشاورات ما تزال جارية بين وزارة المالية ووزارته للاتفاق حول الجوانب المالية المتعلقة بالمقترح المذكور.
وفيما يتعلق بدفوعات بعض الأطر الصحية المتعلقة بغياب التجهيزات في مستشفيات المناطق النائية، أوضح الوزير أنه لا يمكن الدخول في جدل في هذا الاتجاه « من يأتي أولا البيضة أم الدجاجة؟ »، إذ من الضروري حسب المتحدث نفسه الشروع في خطوات عملية لسد الخصاص في الموارد البشرية، بالتزامن مع الجهود التي تبذلها الوزارة لتوفير التجهيزات الطبية اللازمة.
وكشف الوردي أن وزارته حصلت، أخيرا، على موافقة حكومية على تمويلات تناهز المليار درهم، سيتم تخصيصها كاملة للتجهيزات الطبية، « الإرادة السياسية موجودة، لكن لا يمكن أن نحول المغرب إلى جنة في أربع سنوات فقط »، يقول الوزير التقدمي، مؤكدا في هذا السياق أنه يعي أن مستشفيات المناطق « ليست جنة، لكننا نحاول على قدر المستطاع تأمين عرض صحي ملائم لكل المغاربة ».
وحول الحوار مع الفئات المعنية بهذا المشروع، كشف الوردي أنه تلقى طلبين للحوار، أحدهما من طرف تنسيقية طلبة الطب، وهو ما استجاب له الوزير، وحدد لهم على أساسه موعدا لاجتماع يجمعهم بالكاتب العام للوزارة ومدير مواردها البشرية، إلا أن ممثلي الطلبة « رفضوا ذلك، واشترطوا أن يكون الاجتماع بحضور الوزير »، يقول المتحدث نفسه، موضحا أن الطلبة لم يحضروا على هذا الأساس في الموعد المحدد.
وبعد ذلك تقدمت اللجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين بطلب للحوار، يضيف المصدر نفسه، وهو ما تمت الاستجابة له، إلا أن « الكاتب العام ومدير الموارد البشرية فوجئ بحضور ما يناهز أربعين شخصا من ممثلي الأطباء الداخليين والمقيمين، بالإضافة إلى عدد من الطلبة، ما استحال معه استقبال كل الحاضرين »، وهو ما دفع بمسؤولي الوزارة إلى اقتراح أن يتم استقبال ممثلين عن الأطباء الداخليين والمقيمين فقط على أساس أن يتم تحديد موعد آخر للطلبة، » ليرفضوا ذلك جملة وتفصيلا، قبل أن يحولوا طلب الحوار إلى وقفة احتجاجية باللافتات أمام مقر الوزارة ».
وفي هذا الصدد، أوضح الوزير أنه مستعد للجلوس إلى طاولة الحوار « الجدي » مع الجهات المذكورة، « لكن دون شروط مسبقة، لا يمكن لأحد أن يملي علي من يترأس الاجتماع، « بقا ليهم غير يفتيو ليا الجواب »، حسب ما جاء على لسان المتحدث نفسه، والذي أكد أن المسودة المذكورة ستطرح للنقاش العمومي مع جميع الفرقاء حال الانتهاء منها.
وعلاقة بالاحتجاجات التي ينظمها الغاضبون من مقترح قانون الخدمة الالزامية، قال الوزير إن الأكثر احتجاجا هم « les pistones » ، ومن يتوفرون على وساطات « فهم يتخوفون من أن يتسبب هذا المشروع في حرمانهم من « امتيازاتهم » لكونه لا يميز بين الأطباء ويسعى إلى ضمان تكافؤ الفرص بينهم »، مستشهدا في هذا الإطار بحالة طبيبة تعمل في مركز تصفية للدم يبعد بـ60 كيلومترا عن مدينة ورززات، اضطرت إلى ترك رضيعها ذا الثلاثة أشهر لوالدتها في مدينة الرباط لعدم تمكنها من الانتقال « فلا أحد يقبل أن يحل محلها، وهي تؤكد أنها لا تستطيع أن تترك مرضاها دون بديل عنها خوفا على حياتهم »، يورد المتحدث نفسه، مشددا على ضرورة ضمان العدل في هكذا حالات.
وعلى هذا الأساس، جدد الوردي تأكيده أن النص الجديد كفيل بضمان تكافؤ الفرص بين أصحاب الوزرة البيضاء، مشددا على أن الجدل الذي أثير حوله لا يعدو أن يكون « مشكلا سياسويا »، بالنظر إلى أن أغلب معارضيه لا يعلمون عنه الشيء الكثير، على حد تعبير الوزير.
.