أثار خطاب الملك محمد السادس الأخير بمناسبة عيد العرش النقاش مجددا حول الأمن الروحي للمغاربة، تزامنا مع تنامي مظاهر التطرف والإرهاب في المنطقة العربية.
الخطاب الملكي الأخير، جدد التأكيد مرة أخرى على أن المغرب ليس بمعزل عما يقع في البلدان العربية الإسلامية، من تطرف وإرهاب، كما أنه لأول مرة توجه إلى مخاطبة المواطنين مباشرة بأن لا يقبلوا دعوة أحد لإتباع أي مذهب أو منهج قادم من الغرب أو الشرق.
إن تخصيص رئيس الدولة لجزء من خطابه للحديث عن التطرف والإرهاب، يوضح مرة أخرى أن قضية الأمن الروحي أصبحت على رأس أجندة الدولة التي يبدو أنها واعية بالمخاطر التي يطرحها هذا الموضوع.
وإن اهتمام الملك محمد السادس بموضوع التطرف في المغرب ومخاطبته للمواطنين حوله مباشرة، يجعلنا نطرح سؤالا حول ما إذا كان الأمن الروحي للمغاربة قد أصبح مهددا؟
رشيد الجرموني، الباحث في علم الاجتماع الديني، يرى أن الأمن الروحي للمغاربة ليس مهددا، لكن هناك تخوفات مشروعة لأن العالم بأكمله يعيش تحولا نحو العنف، موضحا في حديث مع موقع “اليوم 24” أن العنف والتطرف أصبحا ظاهرة عالمية وليس محلية، مبرزا أن الخطاب الملكي الأخير أراد التنبيه إلى خطورة هذه الموجة، ودعوة المؤسسات إلى تحمل مسؤوليتها.
وأضاف الجرموني أن الخطورة في المغرب تكمن في جو اللاثقة بين المجتمع والمؤسسات، حيث أصبح المجتمع يرفض كل ما يأتي من مؤسسات الدولة، خصوصا في الأمور الدينية، داعيا إلى مزيد من دمقرطة هذه المؤسسات حتى يكون لصوتها صدى في صفوف الشباب.
وأكد الباحث الاجتماعي أن كل المؤسسات معنية، من حكومة وإعلام ومجتمع مدني، فضلا عن المدرسة التي يجب أن تقوم بدورها في التثقيف، مبرزا أنها أصحبت لا تقوم بدورها.
وتابع الجرموني أن العنف يبنى في الأذهان أولا، في ظل وجود القلق الوجودي الذي يعتري الشباب الذين يمثلون الفئة الحرجة في المجتمع.
ويؤكد الجرموني أن التيارات المتطرفة تقدم للشباب عروضا مغرية من خلال تقديم أنفسهم بأنهم الأقرب إلى الحقيقة وتقديم قيم معلبة للشباب وأجوبة اختزالية وتبسيطية لأمور كبيرة، مضيفا أن خطابهم مزدوج يقوم على الوعد بالاستشهاد من جهة، وعلى الإغراء الجنسي بالحسناوات والجواري من جهة أخرى، وهو ما يجعل الكثيرين يتوجهون نحو هذه التيارات في ظل ضعف المؤسسات الرسمية وعدم قيامها بواجبها.
ويؤكد الجرموني أن التعددية المذهبية لا تهدد الأمن الروحي، حيث أن خطاب الفاعلين الجمعويين والحقوقيين لا ينبغي أن يكون متماهيا مع خطاب الدولة، فطالما أن باقي المذاهب لا تهدد الثوابت المغربية فلا يجب منعها أو منع أحد من تبنيها.
ومن جهته يرى الشيخ محمد الفزازي، أحد أبرز شيوخ السلفية بالمغرب، أن العالم كله مهدد بالتطرف والانحراف، ولا يجب أن نأخذ الدين من الشرق والغرب، مضيفا أن الدين يأخذ من القرآن والسنة.
وأضاف الفزازي، أن المغرب فيه علماء مشهود لهم بالكفاءة، ومعترف بهم في المجالس العلمية، يمكن أن يأخذ عنهم المغاربة أمور دينهم بدل اللجوء إلى شيوخ الفضائيات.
والفزازي لا يرى مشكلة في أن تدعو الدولة إلى اتباع مذهب واحد بعينيه، المذهب المالكي، فرغم أنه من حق المسلمين الانتماء لأي مذهب شاؤوا إلا أنه يمكن الاجتماع على مذهب واحد من باب سد الذرائع.
وأوضح الفزازي أن الأمن الروحي للمغاربة يواجه تهديدا من طرف التيارات المتطرفة، والإباحية التي تهاجم الدين.
كما أوضح الفزازي أن المقاربة الأمنية وحدها ليست كفيلة بمحاربة التطرف، بل لا بد أن تضاف إليها مقاربات أخرى تنخرط فيها كافة مؤسسات الدولة والمجتمع بدءا من المدرسة والإعلام وباقي المؤسسات.