في 2004، كانت منطقة زاكورة الأكثر فقرا في المغرب كله. لونت المندوبية السامية للتخطيط، وهي تضع خريطة الفقر في ذلك العام، ثلثي الإقليم باللون الأحمر كعلامة على أن الفقر هناك تخطى نسبا قياسية. كان يفوق 40 في المائة كمعدل عام بين جماعات الإقليم، لكنه كان يزيد على 60 في المائة في بعضها. في جماعة البليدة، مثلا، كانت نسبة الفقر بين السكان 60.26 في المائة، وفي الروحا 54 في المائة، وفي آيت ولال 44.22 في المائة. «هناك عالم منسي في تلك الأرجاء»، يقول خالد الغالي، وهو واحد من شبان زاكورة الذين يعانون قسوة الظروف في منطقتهم، ويضيف قائلا: «يصعب علي أن أحدد عدد الدواوير التي تعاني الخصاص.. ما يحدث هناك أشبه بمجال مقفل لا أحد تقريبا يعرف ما يحدث داخله».
ويظهر أن الفقر لم يكن قابلا للتجاهل الرسمي. في 2005، ومع الشروع في تنفيذ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وضعت السلطات إقليم زاكورة ضمن دائرة الاستهداف المستعجل، وتدفقت بعض الأموال إلى هناك. آيت ولال كانت، على سبيل المثال، ضمن الجماعات الأكثر أولوية في مخطط التنمية، وما صرف على منطقة زاكورة كلها طيلة عشر سنوات لم يكن يتعدى 357 مليون درهم، حسب الرقم الذي قدمه القسم الاجتماعي لعمالة زاكورة. 3 ملايير ونصف فحسب، لكنهم يقولون إن 67 ألف مواطن هناك «تغيرت حياتهم بفضل هذه الأموال». لكن كيف تغيرت؟ هنالك وثيقة تكشف طبيعة المشاريع المطبقة في جماعة آيت ولال. ومنذ 2006 وحتى 2010، خصصت السلطات 8 ملايين درهم لواحدة من أفقر الجماعات القروية في زاكورة، وكانت أغلب هذه الأموال مصدرها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومع ذلك، فإن النتائج لم تكن جيدة. في 2010، نشرت المندوبية السامية للتخطيط خريطة جديدة للفقر بالمغرب، وكانت نسبة الفقر في جماعة آيت ولال هي 42.2 في المائة، أي أن ضخ 800 مليون سنتيم في 24 مشروعا، طيلة خمس سنوات، لم يخفف من درجة الفقر سوى بنقطتين ضئيلتين، وتستمر آيت ولال جماعة تحت خط الفقر. وفي البليدة، الجماعة الأكثر فقرا في المغرب، لم يكن لديهم قبل 2005 شيء هناك، ورأت المبادرة أن تهتم بهم أكثر، فماذا فعلت؟ أنشأت قسما للتدريس، وأصلحت مركزا صحيا، وحفرت بئرا، وزودت السكان بالكهرباء، وجهزت قاعة للتنشيط، وأقامت سدا لحماية الدوار من الفيضانات. كانت المحصلة النهائية 15 مشروعا من 2005 حتى 2010. فهل كان لذلك تأثير على معدل الفقر هناك؟ في 2010، كان المعدل مازال مرعبا: 52.4 في المائة بعدما كان 60.26 في المائة قبل ذلك بـ6 سنوات.
أين المشكلة؟
«هنالك مشكلة رئيسة في كيفية التخطيط العمومي لمحاربة الفقر أو التخفيف منه، وكان من الواضح أن السياسات العمومية منذ 2005، والتي جعلت من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نقطة ارتكازها، لم تكن مجدية.. هناك خلل جوهري في طبيعة المشاريع المقدمة كآليات لمكافحة الفقر، وعلى ما يبدو، فإنها لا تكافح الفقر، وفي بعض المرات تفشل حتى في التخفيف منه إلى نسب معقولة»، يقول إدريس الفينا، وهو خبير في الاقتصاد الاجتماعي.
لننظر أولا إلى طريقة الدولة في صرف الأموال في جماعة آيت ولال. في 2006، ضخت السلطات 60 مليون سنتيم لإنشاء دار الطالب، وصرفت 60 مليونا أخرى لتزويد السكان بالماء، وبنت أقسام تعليم في دوار تملالت ودوكو وصفصاف وحندور، وحديقة ألعاب صغيرة بـ20 مليون سنتيم، وأعادت إصلاح مسجد محلي في دوار إيمي نواقا، وجهزت ملعب كرة قدم بـ70 مليون سنتيم. «بالنسبة إلى الناس الذين لا يجدون مصدر رزق، فأن تشيد لهم ملاعب كرة قدم أو حديقة أو دور شباب، دون أن تضمن لهم وظائف أو مصدر دخل يعيشون بواسطته، كأنك تجعل العربة في مقدمة الحصان.. لن تحقق أي تقدم يذكر»، كما يشرح الفينا. وفي هذه الأثناء، مازالت جماعة آيت ولال على حالها تقريبا، مثلها في ذلك مثل جماعة «البليدة»، حيث معدل الفقر يصل إلى 52.4 في المائة، وهو أعلى معدل في المغرب كله. وفي بلاد لا يتجاوز فيها معدل الفقر الوطني 8.9 في المائة، كما يقول لنا أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، و14.4 في المائة في القرى والدواوير، فإن «نسبة تفوق 50 في المائة يجب أن تكون علامة تحذير».
في شتنبر الفائت، أي قبل نحو عام، طلبت وزارة الداخلية، على نحو مفاجئ، من أقسام العمل الاجتماعي في العمالات والولايات، إعداد بيانات شاملة عن الحاجيات المطلوبة في المناطق القروية بالنفوذ الترابي لتلك العمالات، وبشكل سريع، بُعثت البيانات بمعية مشاريع تقترح معالجة «الأوضاع الصعبة» في تلك المناطق. وسيظهر أن تلك العملية كانت بأمر من الملك حسب ما كشفه خطاب 30 يوليوز 2015: «لقد قررنا تكليف وزير الداخلية، بصفته الوصي على الجماعات الترابية، بالقيام بدراسة ميدانية شاملة لتحديد حاجيات كل دوار وكل منطقة من البنيات التحية والخدمات الاجتماعية الأساسية في مجال التعليم والصحة والماء والكهرباء والطرق القروية وغيرها». وفي واقع الأمر، فإن أقسام العمل الاجتماعي لم تبذل جهودا كبيرة في تحديد الحاجيات، لأن «المعطيات كانت جاهزة في ما نسميه ببنك من البيانات الخام توفرها دراسات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية»، وفق ما صرح به مسؤول بولاية الدار البيضاء، رفض الكشف عن هويته.
وما جرى في هذه العملية هو أن دائرة الاستهداف توسعت أكثر فأكثر. حدد الملك 29 ألف دوار في 1272 جماعة «تعاني الخصاص»، وسيستهدف 20 ألفا و800 مشروع في أكثر من 24 ألف دوار يقطنها 12 مليون شخص. وطيلة عشر سنوات، لم تكن هذه الأعداد الهائلة قد وضعت في عين الاعتبار. ولنأخذ على سبيل المثال برنامج التأهيل الترابي، وهو مخطط تنفذه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ سنين في القرى، ولم تكن دائرة استهدافه تضم سوى عدد ضئيل بالمقارنة مع الأعداد المذكورة في خطاب الملك. كان يستهدف 3300 دوار فحسب تابعة لـ503 جماعات قروية جبلية وصعبة الولوج، تتفرق على 22 إقليما. ومن الواضح أن هذا البرنامج لم يكن يتقدم بالسرعة المطلوبة، أو ينطوي على سوء تقدير للأولويات، وحينما خطط لما يجب عمله في جماعة آيت ولال مثلا، فقد كان العمل ينحصر في تزيد دواويره بالماء والكهرباء فحسب. وحتى في برنامج محاربة الفقر بالوسط القروي، كان مجموع الجماعات القروية المستهدفة منه هو 701 فحسب، أي نحو نصف عدد الجماعات التي ذكرها الملك. وفي البرنامجين معا، لم يكن عدد مثل 24 ألف دوار يخطر على بال أحد. هناك مشكلة إذن تطرحها هذه المقارنات بين الأعداد. مصطفى اليحياوي، وهو خبير دولي في السياسات العمومية، وعمل إطارا بوزارة الداخلية لوقت طويل محاولا تقويم خطط التنمية، يشير إلى أن عدد الجماعات القروية التي ذكرت في خطاب الملك «يمثل نسبة %99 من العدد الإجمالي للجماعات القروية، كما سنجد عدد 12 مليون شخص يمثل نسبة %89 من العدد الإجمالي لعدد سكان الجماعات القروية بالمغرب (13.415.803 نسمة)، حسب آخر إحصاء عام للسكان والسكنى لشتنبر 2014».
يبدو هذا العدد هائلا، فهو يشمل جميع المواطنين خارج المدن، وكما يشرح عبد الخالق التهامي، وهو عالم إحصاء وعمل على خطط أعدها البنك الدولي بالمغرب، فإن «ما حدث هو أن رقم الـ12 مليونا قدم كإطار جديد لاحتساب الفقر، ورغم أن البعض تداوله كرقم مثير للفزع، وكأنه يحيل على عدد الفقراء في المغرب، إلا أن معناه هو جعل الدوار، كمجال جغرافي، وحدة للتدخل والحساب، ومن غير المنطقي أن يقال إن المقصود هو وجود 12 مليون فقير في تلك الدواوير الـ24 ألفا!».
وحتى إن لم يكن هناك 12 مليون فقير في المغرب، فإن هناك حرمانا تتعرض له هذه الملايين بدون شك، وكما يؤكد التهامي، فإن تحليل الأعداد يظهر وجود مشكلة معينة، فأن يعيش البدويون غير الفقراء، بطريقة ما، جنبا إلى جنب مع بدويين فقراء في دوار واحد بدون طريق ولا مستوصف ولا مدرسة، سيجعلهم ذلك معرضين لشروط الحرمان نفسها، وسيحتسبون ضمن المحرومين حتى وإن كانت لديهم مصادر رزق تضعهم فوق خط الفقر».
كيف نحارب الفقر؟
تنطوي الخطة الجديدة على فهم أفضل لواقع الفقر. «إذا كانت الخطة ستركز على البنيات الأساسية فهي فكرة قديمة، لأن الخطط العمومية جعلت من الخدمات الأساسية والبنيات التحتية وسيلة رئيسة لمحاربة الفقر، لكنها تجاهلت أن تحسن دخل الناس الفقراء»، كما يقول الاقتصادي المهدي لحلو، مضيفا أنه «كان من الواضح أن تعبئة الموارد لتنمية المناطق الفقيرة يعوزها تصور ديمقراطي، لأن البرامج الرئيسة لمحاربة الفقر لم تقطع البتة مع التمييز القائم بين مغرب نافع ومغرب غير نافع، وكانت الرساميل الأهم تُضخ في مشاريع مدرة للدخل في مناطق لم تكن ذات أولوية في خريطة الفقر بالمغرب».
الفقر لم يحارب بالطرق الملائمة، ولذلك لم تكن النتائج جيدة، وحتى مع التحذيرات المتتالية، فإن تغييرات صغيرة حدثت في توجيه الخطط العمومية. في 2013، وحينما أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي رأيه بشأن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كإحدى الواجهات الرئيسة لمكافحة الفقر، فقد كانت إحدى الملاحظات الثانوية مثيرة للانتباه: «ظلت نفقات برنامج محاربة الفقر أقل بنسبة 20 في المائة مما كان متوقعا». وكما يعتقد لحلو، فإن «الإشكال الجوهري ظل دوما يتمثل في مفهوم المخططين عن البرامج العمومية لمحاربة الفقر، ورُبما لم يكن لديهم تصور فعال لكيفية محاربة الفقر، ولذلك، فإنهم يجدون صعوبة في إنفاق المال على طرق تساعد على تجاوز خط الفقر، لأن الدليل العملي المقدم إليهم لا يمنحهم طرقا كثيرة للاجتهاد، ويقيد أيديهم بشكل كبير في ما يخص المشاريع ذات الجدوى». وفي الواقع، وحتى الآن، لم تصدر أي دراسة جدوى لبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وحتى المجلس الاقتصادي والاجتماعي وجد صعوبة في تقييم أثرها، لكنه اكتفى بتوصيفها كـ«برنامج إضافي للحد من الفقر والإقصاء، يخضع لتدبير وزارة الداخلية، ويعمل خارج نطاق باقي السياسات القطاعية وبموارد متواضعة نسبيا لا تتيح له إحداث الأثر الكبير على التنمية البشرية».
والمشكلة ليست في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وحدها، وإنما في برامج أخرى تطلقها الدولة لكن يبدو أنها، هي الأخرى، لم تكن بالفعالية المطلوبة حسب ما يفهم من الاستدراك الجديد في خطاب الملك. «يظهر أن البرامج المعتمدة، حتى الآن، لم تكن بالفعالية المطلوبة، وكان من الضروري تغطية النقائص الموجودة، وربما سيتغير المبدأ المحرك لكل أعمال التنمية في المغرب، لأن ما يُفهم الآن هو أن الفقر ليس بالضرورة أن يحارب بـ12 كيلومترا من الطرق أو بمستوصف قرية أو مدرسة أو بئر مياه في دوار.. هنالك تغيير تام للمنهج، والأهم أن هناك برنامجا جديدا».
مشاريع في ازدياد وفقر في استفحال
خصصت الدولة عبر حساب خصوصي طيلة عشر سنوات، وعلى مرحلتين، نحو 21 مليار درهم لصالح صندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وحتى وهو يركز على القرى، كما لاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فإن التقييم الأولي «يُبين أن تأثيره لم يكن فعالا في القرى ولا في المدن أيضا».
ويرى الاقتصادي المهدي لحلو أن «طرق محاربة الفقر لا تتم دوما بواسطة الاستهداف المباشر ببرامج تحسين الدخل»، مضيفا أن «بعض السياسات العامة غير ذات الصلة ببرامج محاربة الفقر تنطوي أيضا على مشكلة.. فأن تنشئ مشروعات اقتصادية هائلة في منطقة معينة أفضل من أن توسع طريقا نادرا ما يُستعمل، أو أن تزين بلدة يكثر فيها العاطلون بحديقة صغيرة».
وبالطبع، يمكن لمثل هذه الطريقة أن تكون فعالة، لكن ليس دائما. لنأخذ منطقة الفحص أنجرة على سبيل المثال، فهناك، يوجد أضخم مشروع عرفه المغرب في عهد الملك محمد السادس: ميناء طنجة المتوسط. لقد خلقت الآلاف من الوظائف في ذلك المكان، وتحقق ازدهار محلي. في 2004، كان قد شُرع في العمل بالمركب المينائي، وكان معدل الفقر في الفحص أنجرة قياسيا في جهة طنجة-تطوان بأكملها. في قصر المجاز مثلا، وهي الجماعة القروية حيث شيد المركب، وصل معدل الفقر، حسب المندوبية السامية للتخطيط، إلى 16.85 في المائة، فيما بلغت درجة الهشاشة 20.71 في المائة. ملوسة أيضا (حيث يوجد حاليا مصنع رونو) كان الفقر قد وصل إلى 15.78 في المائة، والهشاشة إلى 20.15 في المائة، فيما بلغ بجماعة تغرامت، حيث تتركز مقالع الحجر، 16.42 في المائة، والهشاشة 20.43 في المائة.
في 2010، كان المركب المينائي وجميع ملحقاته مشغلة حينها بنسب تامة تقريبا، ولم يتغير الأمر نحو الأفضل، لكنه زاد سوءا. في الأرقام المعلنة في 2010 من لدن المندوبية السامية للتخطيط، أصبح معدل الفقر في جماعة ملوسة 17.9 في المائة، والهشاشة 22.8 في المائة، وفي جماعة تغرامت تزايد الفقر فأصبح معدله 17.2 في المائة. في قصر المجاز لم يحدث تغيير كبير، فقد بقيت نسبة الفقر ثابتة تقريبا وبلغت 16.3 في المائة، أما في القصر الصغير فقد وصلت إلى 13.6 في المائة. فما الذي حدث حتى أصبح ضخ 200 مليار درهم على الأقل (2 مليار أورو حسب المعطيات المقدمة من لدن وكالة ميناء طنجة المتوسط) في مشروع معين لا يفيد السكان المحليين في شيء، بل ربما يزيد أحوالهم سوءا؟
كان واضحا من النسب المعلنة في 2004 حول الفقر، من لدن المندوبية السامية للتخطيط، أن هنالك مشكلة حقيقية في منطقة الفحص أنجرة، وقد تدخلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في 2005 كي تفعل شيئا إزاء ذلك. ماذا فعلت إذن؟ في قصر المجاز، وضعت مشروعين صغيرين في 2006 و2007؛ واحد يتعلق بمشروع للصناعة التقليدية مخصص للنساء، وآخر لشراء مركبات لفائدة بعض الصيادين المحليين. كانت قيمة المشروعين معا 56 مليون سنتيم فحسب، دفعت منها المبادرة حصة تبلغ 32 مليون سنتيم. في جماعة ملوسة ساهمت المبادرة في ثمانية مشاريع كانت تستهدف بالخصوص تشجيع التمدرس، ومساعدة النساء في بعض الحرف التقليدية، وتقوية البنى الرياضية. صرف نحو 600 مليون سنتيم في هذه المشاريع، وبلغت حصة المبادرة منها نحو 200 مليون سنتيم، وهذه في الغالب مشاريع أعدها المجلس الجماعي لملوسة، وضخ المجلس الجهوي حصصا كبيرة فيها. وطيلة الفترة ما بين 2005 و2010، كانت تلك المشاريع هي كل ما ظهر في تلك الأنحاء. وفي جماعة تغرامت، أسست الدولة، وبمساهمة من المبادرة قيمتها 90 مليون سنتيم، مركز تكوين سوسيو-تربوي بقيمة 720 مليون سنتيم، ثم أنشأت دارا للطالب بقيمة 350 مليون سنتيم، وصرفت على تجهيزها 138 مليون سنتيم أخرى.
سعاد بولعيش، نائبة في البرلمان تمثل سكان منطقة الفحص أنجرة، يؤرقها أن تكون «منطقتها ذات حظ هائل من الاستثمارات، في حين أن معظم ناخبيها عاطلون عن العمل وفقراء معدمون». وقد وجهت أكثر من سؤال إلى الحكومة، لكن يبدو أن المشكلة مستمرة، بيد أن هنالك بشائر بدأت تلوح في الأفق في هذه الفترة، حيث تقول إن «الأجوبة الحكومية تبعث على الاطمئنان في وجود فرص كبيرة لتشغيل الناس في مشروع مدينة الشرافات الجديدة، ومشروع الميناء المتوسطي الثاني». وحتى الآن، لم يظهر أن تلك المشروعات ذات مردودية، لأن الشبان القرويين هناك وهم المتعلمون والعاطلون في الوقت نفسه، لا يكفون عن الاحتجاج. ويحس محمد الهيشو، وهو شاب من جماعة قصر المجاز، حاصل على شهادة من جامعة عبد المالك السعدي، بنوع من القهر وهو يرى كيف «يتجاهله جيرانه الجدد»، كما يقول. لم يعمل الهيشو في المركب المينائي ولا في أي شركة أخرى، ورفضت كافة طلبات تشغيله دون أن يقدم له أحد توضيحا، لكنه حينما يرى العمال والموظفين الجدد يشعر بالغبن لأن السكان المحليين «ربما لا يجب أن يكونوا من المستفيدين من خطط الاستثمار والتنمية فوق أراضيهم».
تطرح الإشكالات الواردة في النموذج المذكور آنفا الكثير من الانتقادات بشأن طريقة تدبير الدولة لخطط محاربة الفقر، وتُلخص عادة في عبارة تنطوي على بعض الغموض: «الالتقائية». وبشكل مبسط، فإن المصطلح يعني التآزر والانسجام، أو حسب الوصفة العملية: دمج البرامج العمومية مع بعضها البعض لتحقيق الهدف الموحد. في المغرب هناك مشكلة حقيقية في دفع البرامج نحو الالتقائية. وعلى سبيل المثال، يُنسب جزء من الفشل النسبي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى المشاكل التي تعتري مفهوم الالتقائية، وهو ما لاحظه المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وعبر عنه قائلا: «إن تناغم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مع مخططات التنمية الجماعية، وباقي برامج وكالات التنمية والبرامج القطاعية والبرامج الوطنية التي تستهدف الساكنة المعوزة، يبقى غير كافٍ.. إن العديد من الاتفاقات التي تم إبرامها في هذا الصدد لم تكلل بالنجاح، ولا تضطلع اللجان التي تم إحداثها على المستوى المركزي والترابي بصفة كاملة بدورها كهيئة انسجام وتآزر بين مختلف الفاعلين والبرامج». وكخلاصة محبطة، اعتبر المجلس أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أصبحت «مجرد برنامج لإنجاز مشاريع غير مندمجة في السياسات القطاعية».
هناك برامج أخرى لمحاربة الفقر والهشاشة تعكس غياب مفهوم الالتقائية. فقد خصصت الحكومة 160 مليون درهم، على سبيل المثال، لصندوق التكافل العائلي لدعم الأرامل بشكل مباشر، كما أنشأت صندوق دعم التماسك الاجتماعي بـ2.5 مليار درهم، ليصل ما ضخته فيه عام 2014 إلى 4 ملايير درهم لتمويل العمليات الاجتماعية المتعلقة بنظام المساعدة الطبية «راميد»، وبرنامج «تيسير» للمساعدات المالية المباشرة لدعم تمدرس أبناء الأسر الفقيرة وذوي الاحتياجات الخاصة، ورفع الحد الأدنى للأجور في الوظيفة العمومية إلى 3000 درهم بكلفة 160 مليون درهم سنويا، وإحداث صندوق التعويض عن فقدان الشغل بـ500 مليون درهم. كما تلقت الحكومة نحو 7 ملايير درهم من حساب تحدي الألفية-المغرب، وهو حساب تمنحه حكومة الولايات المتحدة وتراقبه لمحاربة الفقر والهشاشة، ناهيك عن الاتفاقات مع وكالة المساعدة الأمريكية USAID، وحتى الحسابات الخصوصية الموجودة في قوانين المالية المتعلقة بالتنمية القروية.
وبالنسبة إلى الخبير اليحياوي، فإن المشاكل المرتبطة بالالتقائية تنطوي على عائق سياسي، وكما يشرح، فإن «فعالية أي برنامج جديد مرتبطة بدرجة ملاءمة إجراءاتها لواقع العيش المزري للفئات الاجتماعية المعوزة. وهذه الملاءمة تشترط إيجاد حلول بنيوية غير وقتية وغير خاضعة لتنازع الشرعية بين الفاعلين، والذي عادة ما حكم تموقع الملك والأحزاب وبقية الفاعلين في الحقل الاجتماعي». ويضيف أن هذه الحلول «لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود مسالك واضحة وناجعة لتنظيم التضامن الوطني عبر إطار لالتقائية المشاريع والبرامج يضبط بشكل عقلاني غير محكوم بعقلية تعدد مراكز قرار الدولة بتعدد المصالح». ومثل هذه الالتقائية يجب أن تفرض بقرار سياسي على كل حال، لكن لا يظهر وجود مؤشر على ذلك في البرنامج المستحدث في خطاب العرش. ويؤكد عبد الخالق التهامي أن «إعلان برنامج جديد، حتى وإن لم يلغِ برنامجا مطبقا أو لم يصدر في حقه تقييم سلبي، فإن معناه، بشكل ضمني، أن هناك تكملة إضافية، وما يحدث حاليا هو أن برنامج الـ24 ألف دوار سيكون برنامجا موازيا ستتم رعايته بالطريقة نفسها كما حدث بشأن المبادرة لكن بمضمون مختلف».