الجلسة الأخيرة لمحاكمة المعتدين على «مثلي فاس»، بقاعة الغرفة الجنحية التلبسية بالمحكمة الابتدائية بفاس، والتي خصصت لمرافعات دفاع الطرفين، كانت ساخنة، حيث التمس الشاب المشتكي، والمطالب بالحق المدني، من المحكمة الحكم له بدرهم رمزي كتعويض في مواجهة المتهمين، مؤكدا على لسان محامييه أن المطالبة بمبلغ مالي كبير لن يجبر الضرر الذي لحقه من جراء «حفلة التعذيب» التي تعرض لها بالشارع العام، ما دفع بمحامييه إلى طلب تنزيل عقوبة تتناسب والأفعال المنسوبة للمتهمين، لتحقيق الردع العام لكل من سولت له نفسه تجاوز سلطة القانون وصلاحيات الدولة التي يبقى لها وحدها حق إيقاع العقاب على المخالفين للقانون، بحسب تعبير المحامي عبد الله الوزاني عن دفاع «مثلي فاس». ووجه المحامون، إدريس الهدروكي، وجواد لكناوي، وفهد الوزاني، باسم دفاع الشاب ضحية الاعتداء عليه بالشارع في رمضان، رسالة شديدة اللهجة في مرافعاتهم إلى وكيل الملك ووزارتي العدل والداخلية، طالبوا فيها هذه الجهات بالكشف عن مآل الأبحاث والتحقيقات التي فتحوها بخصوص التعرف على باقي المعتدين على «مثلي فاس» وتقديمهم للمحاكمة، مؤكدين على أنه مر أزيد من شهر دون أن تتمكن الشرطة من وضع يدها على العشرات من المعتدين، الذين عرضوا الضحية للضرب والسب والشتم، وظهرت وجوهم في الفيديوهات التي يعج بها الموقع الاجتماعي العالمي «اليو–توب»، واكتفاء المحققين بتقديم ملتحيين كمتهمين اثنين في الحادث الذي خلف ضجة في المغرب وخارجه، يقول دفاع الشاب.
مرافعة وكيل الملك، محمد حميدة، اختار لها أن تكون أكثر حدة من دفاع الضحية في تعامله مع وقائع الحادث، حيث أعلن ممثل النيابة العامة أن «الملف الذي تنظر فيه المحكمة الابتدائية بفاس يكتسي أهمية كبرى من حيث ما ستقرره المحكمة في حق المتهمين القابعين بسجن عين قادوس، والمتابعين بتهمة الضرب والعنف والإيذاء العمدي»، واللذين طالب وكيل الملك بتشديد العقاب في حقهما، مؤكدا أن «المغرب بات اليوم أمام اختيارين اثنين لا ثالث لهما، الأول إما أن يكون دولة قانون ومؤسسات، أو دولة تسود فيها الفوضى، ويتكفل الشارع بتجريم أفعال الناس وإنزال العقاب عليهم، وحينها علينا جميعا، يضيف وكيل الملك، أن نقرأ الفاتحة على الاستقرار والاستثناء المغربي» بحسب تعبيره. من جهتهم، دافع محامو المتهمين على براءة بائعي العصير من التهم المنسوبة إليهما، حيث كشف المحامون، عبد العزيز العلمي، ورشيد لحريشي، وإدريس التواتي، في مؤازرتهم للمتهمين أمام المحكمة، أن الشابين المعتقلين انضما في رد فعل طبيعي إلى بقية الفاسيين الذين كانوا بالشارع في ليلة من ليالي رمضان، للتنديد والاحتجاج ضد «الشاب المثلي»، الذي اتهمه الدفاع باستفزاز مشاعر الناس في رمضان، عن طريق خروجه بلباس نسائي فاضح للإجهار بمثليته وشذوذه الجنسي في الشارع، حيث حمل الدفاع في مرافعتهم المسؤولية فيما وقع بفاس للدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية، التي لم تتدخل لحماية أخلاق وأعراف المجتمع المغربي، كما ينص عليها دستور فاتح يوليوز 2011، والذي يعتبر المغرب دولة إسلامية، وعلى من يريد ممارسة حقوقه الفردية ألا يتحدى حدود الدولة الإسلامية وإمارة المؤمنين التي عهد إليها حماية الملة والدين للمغاربة في الشارع وداخل الفضاءات المغلقة، بحسب تعبير دفاع المتهمين.
وعاتب المحامي، محمد علال لكحل، وكيل الملك على تعامله بمكيالين في قضية «مثلي فاس» وبائعي العصير المتهمين بالاعتداء عليه، حيث اتهم المحامي النيابة العامة بسكوتها على واقعة إشهار الشاب لمثليته بالشارع، وظهوره بلباس نسائي فاضح، وعدم تحريك المتابعة ضده من أجل «الإخلال بالحياء العام»، طبقا لمقتضيات المادة 483 من القانون الجنائي، حيث أدلى الدفاع بقرص مدمج وصور فوتوغرافية لتدعيم طلبهم، والتي سبق للمحكمة أن عرضتها على «المثلي» فأنكر خلال مشاهدته للصور حمله لـ»البيروك» فوق رأسه، وكذا وضعه لـ»الماكياج» على وجهه، وتأكيده بأنه كان يرتدي «عباءة « تقليدية خاصة بالرجال في رمضان.
وبعد أن كان بائعا العصير المعتقلين آخر من تكلم، حيث جددا إنكارهما بتعريض الشاب «المثلي» للضرب، وتأكيدهما على أنهما أثارتهما واقعة فرار شاب ظنا منهما في البداية أنه فتاة تتعرض للضرب بالشارع، واعتراف أحد المتهمين بالاقتراب من « الشاب/ الفتاة» وخلعه لـ»البيروك» الذي كان يضعه على رأسه ورميه للجمهور، (بعد الكلمة الأخيرة للمتهمين)، قرر القاضي منير البصري حجز القضية للتأمل والنطق بحكمه فيها يوم الخميس القادم.