الإنسان كقيمة ثقافية

11 أغسطس 2015 - 21:55

لن نأتي بجديد ما دام القائم يحتاج إلى تصويب. هذا القائم غرائبي عجيب يحتاج منا فك الاندهاش الذي يعطل وظيفة العقل، ويجعل القَبول الذي قد لا يكون مصلحة ولا صحة.

لقد افتخر الغرب وانتشى بتفوقه الحضاري المطرد منذ قرون. وبذلك يقفز على هفواته وأخطائه التي يجني بها على شعوب الحضارات الأخرى، كما يجني بها على ذاته في سلمه وحربه، بعلمه وجهله. وقد بلغت درجة التمييز والإقصاء والإخضاع للآخر مستويات المقابلة بين المدنية  والبدائية، التحضر  والتوحش، والأنا الراقية  والآخر الدوني. كان التمييز وكانت مفارقة تعطي شرعية الغزو والاستعمار والاستغلال والإقصاء والإبادة أحيانا. مفارقة استمرت إلى يومنا هذا، إما صريحة مع خطابات التطرف اليمينية الغربية، وإما مشفرة داخل نهج رأسمالية تغولت داخل إمبريالية شرسة، وداخل انفلاتات الغرب الإيجابية، يكون الأمل لتصحيح المسار  وللمصالحة مع الإنسانية. كانت الطلعة التي قلبت عملة الدراسات الأنثروبولوجية هي ذلك التحول الذي طرأ على النظر للشعوب الأخرى غير الأوربية. فبعد أن كانت الصورة معتمة بالخلفية الاستعمارية التي تعطي شرعية وخلفية الغزو والاستغلال، ها هي تتحول مع بذور القيم الديمقراطية والحرية لتتحدث عن الإنسان والثقافة. ولعل الفضل يرجع إلى تعريفين، من خلالهما تعرفنا على هذا الحقل ومميزاته، كان ولا يزال تعريف تايلور(1832 ـ 1917)، وإلياد (1927 ـ 1986) للثقافة.

هكذا أصبح تعريف الثقافة أكثر إنسانية، يعتبر منتوج كل مجتمع من المجتمعات بقيمة أكبر  واستقلالية تميز  وكرامة واحترام. ستصبح عادات  وتقاليد  وطقوس القبائل البدائية محترمة كثقافة خاصة لها قيمتها  واعتبارها  وقداستها. سيكتشف البعض زيف الثقافة الصناعية وشقاءها، وسيحاول آخرون الاغتراف من الثقافات الآسيوية، خصوصا في مجال تربية الروح  والوجدان وصفاء النفس وشفائها. سيكون المهاتما غاندي كرمز للإنسان وكقيمة ثقافية ورمز للحضارة  وكسلوك رفيع يقتدى به.

ستكون هذه الرسائل صفعة قوية ومتدرجة تاريخيا لمختلف الطبقات السياسية المنبنية على التسلط  والقمع  والاستغلال، وكذا القنبلة الرحيمة التي ستزيل سراب الغمام الخادع. إن هذه الثقافة الجديدة قد وحدت الإنسانية داخل مشروع مشترك، كان فتيله حلما وشعلته حقيقة، كلما احترقا أزاحا ظلام الاستبداد والظلم والهضم للحقوق.

الثقافة الجديدة التي جعلت الإنسان كقيمة لا كأداة للتلاعب بها كبر معها الوعي بالحقوق وشروط العيش الكريم والاستثمار في تطوير مؤهلاته وقدراته  وسلوكه.

لطالما استغلت الثقافة القروسطية، ولا تزال، وهم المعتقدات الفاسدة والمرتبطة بقداسة هذا ودنس ذاك، بنبل هذا وحقارة ذاك، وترجمت ذلك طبقيا وفئويا  ومؤسساتيا وريعا في الاستفادة من خيرات البلاد الواحدة، واستغلته بوحشية فظيعة. لكن الجديد اليوم أكد فضائحيتها وضرورة تجاوزها. إذ بقي على عاتقنا المزيد من محاربة الجهل ونشر نور العلم وتوظيف مصباح العقل وتعديل كفتي الميزان حتى تتساوى.

وبالرجوع إلى المعادلات السياسية اليوم، فإن الإنسان كقيمة ثقافية لابد من أخذه بعين الاعتبار من أجل مزيد من الكرامة والحرية والمساواة في الحقوق والواجبات،  ومن تقليص للفوارق الطبقية عبر قيم المواطنة والتضامن بين مختلف فئات المجتمع.

القيمة الثقافية ستكون محملة وحبلى بهذه المرجعيات الحداثية التي تجعل قطيعة مبدئية مع نكسات  وأشكال تخلف الماضي. يكون فيها الإنسان محور الاشتغال  والخدمة والتأهيل الحضاري المستمر، عبر الرقي بمستوى تعلمه  وتربيته وتكوينه.

باحث

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *