بورجة متسلقة الجبال: نجوت من الموت أياما قبل التوشيح الملكي

26 أغسطس 2015 - 02:00

التوشيح الملكي بالنسبة إلى مريم بورجة، المرأة التي تحدت القمم العالمية الأعلى بشجاعة نادرة، هو أحد أبرز الأحداث

في حياتها، وسيكون حافزا لها كي تمضي قدما في طريق التحدي الذي آلت على نفسها أن ترفعه.

 بداية، هل كانت مريم بورجة تتوقع التوشيح الملكي؟

 للحق، لم أكن أتوقع الأمر نهائيا. فقد كنت في السويد من أجل صعود أعلى قمة هناك، وتسمى «كيبنكيز»، فإذا بي أفاجأ باتصال من المغرب يخبرني بأنني أوجد على لائحة الذين سيوشحهم جلالة الملك لمناسبة عيد الشباب.

 كيف كان وقع هذا الاتصال المفاجئ؟

 لا أخفيك أنه كان بالنسبة إلي مفاجأة كبيرة جدا، حد أنني أعتبر ما وقع حدثا هائلا في حياتي. وبطبيعة الحال لم يكن هناك أي مجال للتفكير في مسألة العودة، لأن التوشيح الملكي فوق كل اعتبار، ويسبق كل شيء.

 هل كانت ترتيبات العودة بسيطة، أم أنك وجدت نفسك إزاء صعوبات معينة؟

 «كنت غادي نموت فهذاك الجبل»، فقد تلقيت الاتصال السعيد بعد قطعي ثلثي الطريق نحو قمة «كيبنكيز»، إذ قيل لنا في اليوم الأخير إن عاصفة ستهب على الموقع، ويتعين علينا الانتظار ثلاثة أيام قبل التحرك. غير أنني لم أستسغ ذلك، فما كان مني إلا أن تسللت عن المجموعة التي كنت ضمنها، وواصلت الرحلة، حتى أكون في الموعد مع التوشيح الملكي.

 يا لها من مخاطرة..

 صحيح، هذا هو الوصف الذي تستحقه. فقد استخففت نوعا ما بالظروف من حولي، لأجدني إزاء الضباب، وهكذا تهت عن الطريق، وبقيت عالقة لمدة 18 ساعة تقريبا، لا أدري أين أنا ولا إلى أين أتجه.

لحسن الحظ أنني حققت في الأخير أمنيتي، وهي الوصول إلى القمة، حيث تسنى لي أن أرفع العلم المغربي هناك، لأعود أدراجي نحو المغرب، حيث حظيت بالاستقبال الملكي.

 بعد التوشيح تساءل كثيرون عمن تكون مريم بورجة، وما هي الدوافع التي جعلت هذه السيدة تمضي نحو اختيار رياضة صعبة كهاته. ما تقولين لهؤلاء؟

 للصدق، لم يكن الأمر عبارة عن اختيار، ذلك أن عدة اعتبارات هي التي جعلتني أعجب بهذا النوع الرياضي، فضلا عن كل الأنشطة الجبلية التي لها به صلة.

فقد كانت تجربتي الأولى في هذا العالم، والتي انطلقت في سن الثامنة عشرة، عبارة عن اكتشاف كبير راقني كثيرا، وهي التجربة التي ما تزال مستمرة إلى يومنا هذا، حيث عمرت عشرين سنة.

 ألم يكن لهذا الاختيار، في بداياته على الأقل، تأثير سيّء على الحياة الاجتماعية لمريم بورجة؟

 في بداية هذه المغامرة لم تكن نظرة العائلة والمحيط القريب لمريم بورجة بعين الرضى، وذلك بالنظر إلى حجم المخاطر التي لاحظوا أنها تحف هذا النوع الرياضي. وهكذا راح البعض منهم ينصحني بالسفر بعيدا عن أي مخاطرات أو مجازفات.

غير أن كل شيء تغير بمرور الوقت، فحينما اقتنعت أسرتي والوسط الذي أنتمي إليه بأنني مغامرة من الطراز الكبير، وبأنني مصرة على رفع التحدي القاضي بتسلق القمم السبع الأكثر علوا في العالم، والذهاب في ذلك الطريق إلى ابعد حد، بادر الجميع إلى تشجيعي للمضي قدما إلى الأمام.

 هذا يعني أن عملية الإقناع لم تكن سهلة على الإطلاق، أليس كذلك؟

 إلى حد ما، فقد اقتنع الوسط الذي أنتمي إليه، بمرور الوقت، بأن الأمر يتعلق برياضة، وليس فقط بمغامرة. وزاد الاقتناع العائلي بذلك أكثر حينما لاحظت أسرتي أن التداريب صعبة وتحتاج المواظبة؛ بحيث كانت تتضمن الجري والسباحة من أجل اكتساب قوة التحمل (الجلد)، فضلا عن حمل الأثقال لغرض تقوية العضلات.

 في ما يتصل بمشروعك القاضي بتسلق القمم السبع الأعلى عالميا، هل وجدت من يقدم لك العون على مستوى السلطات، والدولة؟

كلا، فلم يحدث على الإطلاق أن تلقيت أية مساعدة سواء مباشرة أو غير مباشرة، في صيغة احتضان، حتى يتسنى لي تنفيذ مشروعي القاضي بتسلق القمم السبع الأعلى في العالم.

 في تقديرك، السيدة مريم، لماذا برعت المرأة المغربية، بشكل خاص، في هذا النوع الرياضي، رغم كل المخاطر التي تحفه؟

 للحق، لقد تطورت الأمور كثيرا في بلادنا نحو الأفضل، والملاحظ اليوم أن المغاربة يتعاطون بشكل أكثر من أي وقت سابق لهذا النوع الرياضي، سيما وقد صارت لدينا جمعيات متعددة أصبحت تعنى بتنظيم رحلات جبلية للاستكشاف والتريض معا.

أما بخصوص تألق المرأة المغربية في هذا النوع الرياضي، رغم ما يحفه من صعاب، فلا أخفيك أنني لاحظت، من خلال ممارستي لرياضة تسلق الجبال، أن المرأة تعد أكثر تحملا من الرجل.

 حققت الكثير من آمالك، فما هو أكبر طموح لدى مريم بورجة اليوم، بعيدا عن مشروع القمم السبع؟

 لدي الكثير من المشاريع التي أطمح إلى إنجازها، غير أنني متخوفة من شيء واحد، وهو أن يكون العمر أقصر من قدرتي على تحقيق تلك المشاريع.

 هل من أمثلة حية على المشاريع التي تحلمين بتحقيقها؟

 أفكر على سبيل المثال في قطع سلسلة جبال الهمالايا (من الشرق إلى الغرب)، ولم لا جولة حول العالم بزورق شراعي. باختصار شديد، فأنا دائمة التفكير في مغامرات لتجاوز الحدود الإنسانية والروحية، وبخاصة تلك التي تتيح لي اللقاء بالآخر، في ذلك الرباط الذي غالبا ما يترك بسبب مشاغل الحياة.

 تملكين مشروعا آخر بطابع إنساني ورياضي، وهو مشروع خطوات من أجل السلام، فما هي طبيعته؟ وما الجدوى منه؟

 بالموازاة مع مشروع تسلق القمم السبع الأكثر علوا في العالم، لدي مشروع آخر تحت شعار «خطوات من أجل السلام»، أو «لنمشي من أجل السلام»، ويرنو إلى تسلق جملة من القمم العالية في عدد من البلدان التي تعاني من اضطرابات سياسية، على أن يكون ذلك برفقة متسلقين آخرين، من جنسيات مختلفة.

 قبل الختم، هل من ذكرى لتسلق جبلي ظل محفورا في ذهنك لأسباب معينة؟

 لقد تسلقت جبل «طحات» بالجزائر، رفقة بعض الأصدقاء الجزائريين، حيث رفعت هناك العلم المغربي، دلالة أن الشعوب ينبغي أن تسعى نحو اللقاء والتعارف والمحبة والسلام، كما تسلقت قمة «سانت كاترين» وجبل موسى بمصر، وذلك في عز الاضطرابات التي شهدتها ارض الكنانة، وأقصد هنا ما وقع في أحداث مسجد رابعة العدوية.

غير أنني، وبكل صدق، لم أشعر على الإطلاق بأي تخوف وأنا أمضي في سبيل تمرير رسالة السلام؛ فالرياضة كانت بالنسبة إلي، وستظل، وسيلة للتقارب والتصالح بين الشعوب، بعيدا عن كل الاعتبارات الأخرى.والآن أنا بصدد الإعداد من أجل الذهاب إلى سوريا إن شاء الله.

 هل أنت جادة فعلا عند حديثك عن الذهاب إلى سوريا رغم كل ما يعيشه هذا البلد من أوضاع كارثية ومخاطر فوق الوصف؟

 نعم، جادة جدا. وقد كنت فعلا بصدد الإعداد، غير أن تأخر بعض الوثائق الإدارية حال دوني والذهاب في وقت سابق.

لا أخفيك بأن الوضع هناك سيء جدا، غير أنني لا أخاف شيئا، ولم يسبق لي أن تخوفت من أي شيء، وأعلم، وهذا أقوله لكل معارفي، بأن ما قدره الله هو فقط ما سيحدث.

 هل من كلمة تودين أن تختمي بها هذا اللقاء؟

لعل الكلمة السر في حياة مريم بورجة هي الجرأة. فهذه السيدة الجنوبية لا تخاف أبدا، أو هكذا وجدت نفسها منذ أن وعت الدنيا، وعرفت معنى الحياة، مثلما يحلو لها أن تقول وهي تتحدث عن نفسها، وعن مسارها في رياضة تسلق الجبال.

بورجة، التي وشحها الملك محمد السادس لمناسبة عيد الشباب، باعتبارها رائدة التسلق الجبلي مغربيا، وبالنظر إلى أنها عرفت بالمغرب دوليا بطريقتها الخاصة، وهي تتسلق أعلى وأشهر القمم العالمية، و»على حسابها»، حيث ظلت ترفع العلم المغربي في كل مرة تنجح في الوصول إلى قمة شاهقة، تقول عن نفسها:»هكذا لقيت راسي، مكنخاف من تا شي حاجة، والخوف من الله فقط، والموت غتجي نهار تكتاب».

ولأنها كذلك، فهي تستعد للذهاب إلى سوريا، في عز الاضطراب الحارق، الذي خرب البلد، وأنتج التنظيم الإرهابي الداعشي، معتبرة أن من واجبها الدعوة إلى السلام بين الشعوب، بعيدا عن كل اعتبار آخر، مهما كانت طبيعته، سياسية، أو عقدية، أو طائفية، وتقول في هذا الصدد:»نعم قد يبدو للناس أن هذه مخاطرة خارجة عن نطاق المعقول، ولكن هذه هي مريم بورجة، وهذا واجبها الذي نذرت له صحتها، ووقتها، ومالها الخاص». لعل الكلمة السر في حياة مريم بورجة هي الجرأة. فهذه السيدة الجنوبية لا تخاف أبدا، أو هكذا وجدت نفسها منذ أن وعت الدنيا، وعرفت معنى الحياة، مثلما يحلو لها أن تقول وهي تتحدث عن نفسها، وعن مسارها في رياضة تسلق الجبال.

بورجة، التي وشحها الملك محمد السادس لمناسبة عيد الشباب، باعتبارها رائدة التسلق الجبلي مغربيا، وبالنظر إلى أنها عرفت بالمغرب دوليا بطريقتها الخاصة، وهي تتسلق أعلى وأشهر القمم العالمية، و»على حسابها»، حيث ظلت ترفع العلم المغربي في كل مرة تنجح في الوصول إلى قمة شاهقة، تقول عن نفسها:»هكذا لقيت راسي، مكنخاف من تا شي حاجة، والخوف من الله فقط، والموت غتجي نهار تكتاب».

ولأنها كذلك، فهي تستعد للذهاب إلى سوريا، في عز الاضطراب الحارق، الذي خرب البلد، وأنتج التنظيم الإرهابي الداعشي، معتبرة أن من واجبها الدعوة إلى السلام بين الشعوب، بعيدا عن كل اعتبار آخر، مهما كانت طبيعته، سياسية، أو عقدية، أو طائفية، وتقول في هذا الصدد:»نعم قد يبدو للناس أن هذه مخاطرة خارجة عن نطاق المعقول، ولكن هذه هي مريم بورجة، وهذا واجبها الذي نذرت له صحتها، ووقتها، ومالها الخاص». 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مبادي منذ 8 سنوات

المال موجود و بكثرة و الله أعلم بمصدره إذن يمكنك أن تجوبي العالم طولا و عرضا و تسافري كل يوم تقريبا. و المواطن البسيط هنا لم يجد ما يوصله لأقرب منطقة. لو كنت تفكرين في السلام و المحتاجين فعلا لتبرعت بجزء مهم من أموالك الطائلة لهم

التالي