توفيق بوعشرين: ألوان التطرف

01 أكتوبر 2015 - 22:30

التنطع في الدين يقود إلى التشدد، والتشدد يقود إلى التطرّف، والتطرف يقود إلى الإرهاب، والإرهاب يقود إلى التوحش… هي ذي دورة الفكر الأصولي المعاصر. بدأ كل شيء من القراءة الحرفية للدين احتجاجا على حداثة الاستعمار، ثم انتقلنا من هذه القراءة، التي تقف عند الحرف ولا تصل إلى المقصد، إلى فكر إخواني منغلق يقول إن الإسلام هو الحل، ومنه انتقلنا إلى الجهاد هو الحل، وها نحن في عصر الذبح هو الحل.. شعار داعش التي ترتكب أسوأ الفظاعات باسم الدين.
حول طاولة اجتمع العالم أول أمس في نيويورك يبحث عن سلاح لمحاربة الإرهاب في العراق وسوريا واليمن وليبيا… تحدث الرئيس الامريكي باراك أوباما وضيوفه في ندوة الكبار ثم تفرقوا على قول واحد: لا مستقبل لداعش ولا مستقبل للإرهاب. إنهم يتوعدون، يهددون، يصفون، لكنهم لا يحللون جذور هذا الإرهاب، لا يقفون على المتاهات التي أدخلنا إليها الفقر والجهل والاستبداد والفوضى الخلاقة للآنسة كوندليسا رايس.
تصوروا كيف نزلنا في درج الفكر الديني من القمة إلى الهاوية.. كانت البداية جمال الدين الأفغاني، ثم تبعه محمد عبده، ثم جاء من بعده علال الفاسي ورشيد رضى، ثم نمى إلى جانبه حسن البنّا وتبعه المودودي، ثم سطع نجم سيد قطب الذي نظر لإخوانه من زنزانة السجن، ثم خرج الدكتور أيمن الظواهري فأسامة بن لادن فالملا عمر فالزرقاوي، ثم ها نحن أمام أمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي بكر البغدادي، الذي جاء يبشر بسبي النساء وقطع الأعناق وقتال العدو القريب قبل البعيد.
تحول الإصلاحي إلى وهابي، والوهابي الى سلفي، والسلفي إلى جهادي، والجهادي إلى قاعدي، والقاعدي إلى داعشي، أما الأسوأ فلم نره بعد.. الأرض العربية مازالت خصبة ومازالت رحمها قادرة على إخراج كل أنواع التطرف والغضب والاحتجاج .
مشكلة التطرف، أي تطرف، سواء في الدين أو الفكر أو السياسة، أنه جواب خاطئ عن سؤال صحيح، وهنا يقع الخلط، وهنا تزل الأقدام وتحار العقول. التطرف الديني يقوم بتشخيص صحيح للواقع، يبسط أمامك مظاهر الاستبداد والفقر والظلم والتفكك والضعف والفساد والانحراف، وكل أعطاب الدولة والمجتمع، وعندما يمر من التشخيص إلى العلاج يرتكب أفظع الأخطاء، فيقتل المريض عِوَض أن يعالجه. يرى الاستبداد قائما، وعوض أن يقترح عليك الديمقراطية كعلاج يكتب لك وصفة لنظام الخلافة، حيث الشوكة أس الحكم والطاعة جوهره. يرى الظلم في كل مكان، وعوض أن يقترح عليك دولة القانون وحقوق الإنسان والمساواة كدواء، ينصحك بدولة الفقهاء وحكم العمائم. يرى المجتمع غارقا في الفقر والبؤس والحرمان، وعوض أن يقترح عليك العدالة الاجتماعية يشير عليك بقائمة مفصلة للحلال والحرام. يرى المرأة مهضومة الحقوق مبعدة عن العلم والسياسة والاقتصاد، فينصحها التطرّف بالنقاب ولزوم البيت وعدم الخروج إلا للحاجة. يرى التطرّف أننا أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج وتركب ما لا تصنع، وعوض أن يقترح علينا العلم والانفتاح على منجز الحضارة الغربية، يعرض علينا الجهاد وقتال أمريكا وأوروبا وروسيا وسبي نسائهم وفرض الجزية على كفارهم.
الأصولية المعاصرة رد فعل على الحداثة القسرية، والإسلامي الراديكالي ابن الحداثة المعطوبة، والجهادي الثوري ابن التنمية المعاقة، والداعشي، الذي هجر بلاده لقتال الشيعة والعلويين في سوريا، جندي الإحباط في المعركة الخطأ. إنها صورتنا الأخرى في مرآة الفشل الذي وصلت إليه الدولة العربية ما بعد الاستقلال.
خلف الصور والكليشهات والعناوين والمظاهر هناك حقائق مؤلمة، وهناك حساب يجب أن يدفع. التطرّف لا يقود إلى الحل بل هو المشكلة الكبرى التي تجيب عن المشكلة الأصغر منها. التطرّف حيلة الضعيف الذي لا يقدر على محاربة القوي بسلاح العلم والفكر والسياسة والحضارة، فيلجأ إلى تفخيخ نفسه والانتحار عند أول معبر يلاقيه. الإرهابي مجرم وضحية في الوقت ذاته…
الحياة أكثر تعقيدا من البساطة التي يقترحها علينا عقل التطرّف، والصراع في عالم اليوم مركب أكثر مما تراه أعين التطرّف، والمعركة أوسع مما يصل إليه سلاح التطرف…

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عزيز منذ 7 سنوات

"فيلجأ إلى تفخيخ نفسه والانتحار عند أول معبر يلاقيه." هذه العبارة يلزمها التشخيص و التمييز و لك سي توفيق كامل التقدير

عزيز منذ 7 سنوات

بعد التحية و السلام "فيلجأ إلى تفخيخ نفسه والانتحار عند أول معبر يلاقيه." هذه العبارة يلزمها بعض التشخيص و التمييز و لك سي توفيق كامل التقدير

مغربي على قد الحال منذ 7 سنوات

اذا كان مثل هذا الكلام الهادئ الرزين يدفعك لكتابة مثل هذا التعليق فلا امل لما هيمنت افكار الكنيسة على اوربا كان الجمود وكان البؤس في كل مكان ولما هيمنت الفاشية والنازية كان الخراب وكان الدمار للاسف مثل افكارك تجمعها في شر واحد يلتهم نفسه قبل غيره العالم العربي اليوم مقبرة كبيرة : آلــــة جهنمية رهيبة تقتل المئات كل يوم بالرصاص والقنابل والبراميل و حتى بالدهس في الزحام آلــــة تستمد طاقتها المدمرة من الجهل والغباء والتنطع الامل الوحيد ان يفني هذا الوحش نفسه بنفسه ليسمح لغد افضل بالبزوغ

MELHAOUI /Liège منذ 7 سنوات

مستوى التواصل عندك ينِمّ ،بمالا يدع مجالا من الشك على تنطُّعِك ،وهذا مؤشر على تشدُدك الديني و لا غرابة إنْ وجدناك يوما تجُشُّ رؤوس العباد ،لا لشيء إلا أن أفكارهم لا تستسيغها سيادتكم. أفٍّ منك ومن أمثالك.

محمد منذ 7 سنوات

أضم دعوتي إلى دعوة الأخ سفيان ... أعد من فضلك قراءة المقال

سفيان منذ 7 سنوات

سي محمد .. أعد قراءة المقال فقد فهمت كل شيء على غير شاكلته .. أو أنك تتكلم عن موقف توفيق بوعشرين بأحكام مسبقة ؟؟

محمد بن أحمد منذ 7 سنوات

إلى محمد بن السيد ..إنه لشرف عظيم أن يكون الإنسان علمانيا بالمفهوم الديمقراطي..و عليك أن تعرف أن ازدهار الدين و بقائه يعود فيه الفضل إلى العلمانية..و انتشار الإسلام في أوروبا و أمريكا يعود فيه الفضل إلى العلمانية..أما العقلية الببغاوية التي لم تمل منذ قرون في ترديد نفس المقولات البئيسة حول العزة فلن تفيد الدين في شيئ بل تسيئ إليه..و انظر جيدا من حولك و انظر ما يفعله المسلمون ببعضهم البعض و يجرأون على قتل المصلين في المساجد حتى في أيام الأعياد الدينية..و انظر إلى أين يفر المسلمون و المسلمات ..هل إلى السعودية حامية الحرمين أم إلى ألمانيا العلمانية..مشكلة المسلمين و المسلمات أنهم يعتقدون أنهم أفضل خلق الله و يريدون أن يخضع لهم العالم و الحال أن واقعهم لا يسمح لهم حتى بإخضاع الخرفان..راجع نفسك و شكرا للأستاذ بوعشرين على هذا الإجتهاد الذي فقط كان عليه أن يشير إلى دور الإمبريالية و خصوصا الأمريكية منها في ظهور التطرف و سط المسلمين و تغذيته و تشجيعه ضدا على مصالح المسلمات و المسلمين أنفسهم..

مواطن منذ 7 سنوات

لو سكت الجهلاء من امثالك لقل الخلاف

يوسف منذ 7 سنوات

لماذا تقصدون الى ربط السلفية و الوهابية و غيرها بالارهاب و التشدد. ما علاقة البنا و المودودي و عبده و رضى بذلك كله؟ عدم الالمام المتجرد للحق بكل تلك المفاهيم يؤدي بقصد و بدونه الى تلك اللخبطة. ارجو التمييز بين المفاهيم و الاشخاص و سياقات كل منها قبل الخوض في موضوع يجب ان يكون شاملا و عادلا. ما نتفق عليه ان الارهاب لا يمت للدين بصلة لكن علاقته بكل ما هو سلفي، وهابي ، بن تيمية ، اخواني... كل ذلك غير مدروس و اصله ايديولوجي سياسي او حنق على الدين كله من طرف البعض. ليس كل صحفي بباحث و ليس كل باحث بموفق لدراسة كل ظاهرة. بالتوفيق

نورالدين منذ 7 سنوات

الإرهابي مجرم وضحية في الوقت داته,مجرم نعرف كلنا كيف أما ضحية فلا أحد يريد أن يعرف لماذا ومتى ومند متى أصبح كذالك؟

ع المصلوحي منذ 7 سنوات

الارهاب وجد مرتعا خصبا يغديه ,فلولا الدكتاتوريات التي عشعشت في الدول العربية ,وما زالت تعشعش , ولولا التهميش والطبقية الفظيعة بين الشعب الواحد , ولولا الظلم الغاشم في فلسطين , ومؤازرة امريكا والدول الغربية لهدا الظلم و فالارهاب هي تلك القنينة ,التي تعد تحتمل الظغط المفرط ,فانفجرت ,فاتت على اليابس والاخضر ,وادا استمرت المعالجات الظاهرية , سنرى ما هو اخطر وابشع ,حتى يقول الانسان ليتني لم حيا في هدا العصر .

النعناعي منذ 7 سنوات

التطرف لا وطن له ولا دين له يوجد في الدول المتخلفة كما يوجد في الدول المتقدمة .الاصوليون في كل الدول .الفرق الوحيد هو ان الدول المتقدمة حسمت علاقة الدين بالدولة و المجتمع وحجمت تاثيره و دوره اضافة الى قوة القانون الشيء الذي حد من نشاط المتطرفين وحجمهم اما الدول الاسلامية فهي دول فقهية بامتياز ولا احد يستطيع تحديد الحد الفاصل بين الاعتدال و التطرف وبتعبير ادق كل منا يحمل نسبة من الداعشية.ومنا الكثير من الدواعش مع وقف التنفيد .باختصار التطرف في بلداننا حي يرزق ويمول ويحضى بالشرعية و الوقار والتبجيل.

محمد بن السيد منذ 7 سنوات

الواقع أنك غارق "سيد توفيق بوعشرين" في قواميس العلمانية اللقيطة و كره كل ما يتعلق بالإسلام و الدين كنت أظنك عارفا و لو قليلا بواقع الأمة الإسلامية و بحلول أزماتها لكن مع الأسف إختزلت عنوان "ألوان التطرف" في شرح ركيك و مدلس للحقائق و للحلول فحتى أسوأ الصحفيين الغربيين العلمانيين لن يكتبوا مثل هذا المقال المدلس و الكاره لكل ما يمثل الإسلام و المسلمين جعلت الخلافة و الحلول الإسلامية المعتمدة على القرآن و السنة والعلم وإجتهاد علماء الأمة في مقابل أنظمة وضعية نسبية تخطئ أكثر ما تصيب إسمها الديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان هذه الأنظمة التي لا يؤمن بها حتى من يتخدونها منهجا وواقع السوريين أمامك كمثال فأين هي قيم الغرب التي كانوا يتبجحون بها منذ عقود أم أن قلوبكم أيها العلمانيين أصيبت بالعمى...أقنعكم الغرب أن الإسلام سبب تخلف الأمة و نحن نقول لكم أن العزة في الإسلام و ما أبتغنا العزة في غير الإسلام إلا أذلنا الله

قارء منذ 7 سنوات

كنت انتظر من خلال عنوان المقال ان تتطرقوا ايضا الى تطرف السويد في موقفها من قضيتنا الوطنية وتنضم الى تطرف الجزائر وكوبا وجنوب افريقيا