توفيق بوعشرين :يوم حزين في بيت العدالة

09 أكتوبر 2015 - 22:39

«من الخطير أن تكون على حق عندما تكون الدولة على خطأ» (فولتير)
الجملة أعلاه مقدمة لا بد منها لكي نشرع في الحديث عن نازلة التحقيق القضائي الذي فتح مع 26 متهما باستعمال المال لشراء أصوات الناخبين في انتخابات مجلس المستشارين. هذا يوم حزين بالنسبة إلى وزير العدل والحريات ومشروع إصلاح العدالة، وكل ما قيل وما كتب عن ضمانات المحاكمة العادلة، وعن إبعاد القضاء عن التورط في حقل ألغام السياسة. لماذا أقول هذا الكلام؟
لنوضح ما لا نريد الدفاع عنه قبل تأكيد ما نريد الدفاع عنه. لا نريد الدفاع عن الإفلات من العقاب، ولا نريد التشويش على المسار القضائي المفتوح مع المتهمين باستعمال الأموال في بورصة الانتخابات، ولا نريد أن نساهم في إضعاف القضاء تجاه الأعيان الذين يفسدون العملية الانتخابية، وفي الأخير لا نريد جدلا سياسويا مع الحكومة والقضاة… أما ما نريده فهو احترام القانون، الذي يعد فيه الشكل أهم من الجوهر، كما عرف ذلك القانونيون. نريد احترام ضمانات المحاكمة العادلة، ونريد إبعاد القضاء عن وصاية السياسيين في الحكومة وخارجها، في المؤسسات وخارجها، هذه هي الحكاية ببساطة.
لنبدأ من البداية.. مساء يوم الأربعاء الماضي صدر بلاغ عن اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات، جاء فيه ما يلي: «تعلن اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات أن عدد الأشخاص الذين تمت متابعتهم أمام قضاء التحقيق بمختلف محاكم المملكة بلغ، إلى حدود يوم 7 أكتوبر 2015، ستة وعشرين (26) شخصا، من بينهم أربعة عشر (14) مترشحا لهذه الانتخابات، أعلن فوز عشرة (10) منهم بمقاعد في مجلس المستشارين، وفقا للقائمة التالية…».
أولا، لا يحق للجنة الحكومية المكلفة بتتبع الانتخابات، وهي مشكلة من وزارة الداخلية والعدل، أن تصدر بلاغا يوجه الاتهام إلى مشتبه فيهم لم يثبت عليهم شيء بعد. هذا اختصاص حصري للنيابة العامة وقاضي التحقيق، ولا يجوز، بأي حال من الأحوال، أن يصبح توجيه الاتهام إلى المواطنين من صلاحية وزارة الداخلية أو الفلاحة أو الصيد البحري، ثم إن اللجنة الانتخابية انتهى عملها بانتهاء آخر حلقة في المسلسل الانتخابي، وفق الظهير المؤسس لها الذي ينص على أن: «اللجنة المركزية واللجان الإقليمية لتتبع الانتخابات تباشر مهامها في تقيد تام بالقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، دون المساس بالاختصاصات والصلاحيات التي يخولها القانون للأجهزة التشريعية والإدارية والقضائية»، واللجنة، والحالة هذه، مست اختصاص القضاء بشكل لا لُبْس فيه عندما وجهت اتهامات علنية من صلاحيات القضاء، وعلى هذه اللجنة أن تُساءل عن هذا الخرق للقانون.
ثانيا، بلاغ اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات خرق سرية التحقيق وقرينة البراءة، وهي من ضمانات المحاكمة العادلة. المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية تنص على الآتي: «تكون المسطرة التي تجري أثناء البحث والتحقيق سرية. كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي». القانون يقول المسطرة، كل المسطرة، من الاستدعاء إلى التحقيق إلى الاستجواب.
السؤال الأخطر من هذا الخرق هو: من أخبر اللجنة المشتركة لتتبع الانتخابات، وهي جزء من الجهاز التنفيذي، بأن قضاة التحقيق في مختلف مدن المغرب (وهم سلطة قضائية مستقلة) قرروا متابعة المتهمين، والحال أن بلاغ اللجنة صدر 12 ساعة قبل أن يمثل المشتبه فيهم أمام قاضي التحقيق؟ فكيف علم وزيرا الداخلية والعدل بقرار قضاة التحقيق قبل صدوره؟
لنفترض أن التعبير خان اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات، وأن بلاغ اللجنة كان يقصد بعبارة: «تمت متابعتهم أمام قضاء التحقيق»، أن النيابة العامة، بعد أن اطلعت على فحوى المكالمات الهاتفية، تبين لها أن المشتبه فيهم يمكن أن يكونوا موضوع التماس بالمتابعة أمام قاضي التحقيق، وحتى في هذه الحالة كان يجب على النيابة العامة، كما تفعل مع جميع المشتبه فيهم، أن تستدعيهم، وأن تتحقق من هوياتهم، وأن تستمع إليهم قبل أن تقرر متابعتهم من عدمها أمام قاضي التحقيق. من قال للوكلاء العامين للملك إن الأصوات التي يسمعونها في أشرطة التنصت على المكالمات الهاتفية الموضوعة على مكاتبهم هي أصوات 26 متهما الذين فضحوهم في التلفزة أول أمس بأسمائهم الكاملة؟
أمس اتصلت بعدد منهم وسألتهم: «هل استمعت إليكم النيابة العامة قبل صدور هذا البلاغ؟»، فقالوا جميعا: «لا»، ثم سألتهم: «هل قرر قاضي التحقيق متابعتكم أمس عندما مثلتم أمامه؟»، قالوا: «لا، مازال البحث مستمرا ولم يقرر قاضي التحقيق شيئا»، فسألت مرة ثالثة: «ما هو شعوركم وأنتم ترون أسماءكم وصفاتكم في التلفزة الرسمية قبل الذهاب إلى قاضي التحقيق؟»، وهنا اختلفت الإجابات.. منهم من قال: «سامح الله وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، لقد أذانا في سمعتنا وشرفنا وعائلتنا»، وبعضهم قال: «هذا هو قضاء بلادنا يمشي بالريموت كونترول، وهو قدر وليس قضاء»، وبعضهم قال: «إن الهدف من هذه المتابعات هو الانتقام من حزب الاستقلال الذي قدم مرشحا ضد حكيم بنشماس. كان عليهم أن يخبرونا بالحقيقة لكي نمتنع عن منافسته، مادام المطلوب يوم إجراء انتخابات رئيس مجلس المستشارين هو تزكية مرشح الجرار في جلسة علنية»، والبعض قال: «إننا ندرس إمكانية الاستقالة الجماعية من الغرفة الثانية مادام الترشح للرئاسة سيدفع بلادنا إلى أن تشهد حفلا لذبح القانون وتوريط القضاء في دمه».
إن مسطرة التنصت على الهواتف معقدة جدا في القانون الجنائي المغربي، وهي لا تتم إلا بأمر من قاضي التحقيق، وعند الضرورة، ولفائدة البحث، كما تنص على ذلك المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، وهذا يفترض أن قضاة التحقيق فتحوا ملفات للمتابعين ولغيرهم قبل إجراء الانتخابات المهنية والجماعية والجهوية، وصولا إلى انتخابات مجلس المستشارين، بناء على شكايات أو وشايات أو معطيات أدلت بها النيابة العامة، وأقنعت قاضي التحقيق بلزوم خرق سرية المكالمات في فترة زمنية محددة لفائدة التحقيق، ولهذا، فإن جل الأحكام التي تصدر في الملفات التي يستعمل فيها التنصت على الهواتف كوسائل إثبات تنقض في محكمة النقض.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبو سارة منذ 7 سنوات

هؤلاء استعملوا المال لاستمالة الناخبين وما قامت به وزارة العدل والداخلية هو عين الصواب لأنه يجب فضح هؤلاء الفاسدين وليس التستر عليهم أليس كذلك يا توفيق إن كرهك للبام ومحاباتك للبيجيدي اعمياك عن قولك الحق إذا للتعاون جميعا لفضح المفسدين كيفما كان شأنهم ولا نعطي مبررات مجانبة للصواب لعرقلة العدالة

عبدالرحيم منذ 7 سنوات

نعم لسرية المحاكمة واذلكن هذا يهم كل المغاربة بدون استثناء فلا مجال للسرية سيدي الكريم .لا تحاولوا التشويش انا ضد حزب الجرار منذ نشاته في الدهاليز ولكن هذا لا يجعلنا ننساق وراء الكلام الفارغ .نحن بصدد حرب عاى الفساد .فلنتاعون جميعا.ولا نحاول ان نجد المبررات الواهية لنعرقل هذا المسار .

مواطن منذ 7 سنوات

حزب الأستقلال انتقم من نفسه يوم سلم أمانته العامة لشباط

محمد منذ 7 سنوات

الى كل من ارادبهذا البلدالخير ارجوكم التشهير بالمفسدين ولا تتركوا المجال الى المتسولين الصحافين لكي يضعواالحجر في طريق الاصلاح كل ما هنالك ان هولاء ليسوا مغاربة لانهم يريدون بذلك الضحك على اذقان المغاربة هادوا خاصهم طارو الزبل

belkamel jilali منذ 7 سنوات

صحيح يا سيدي المحلل طوي ملف الزوجة المتهمة وكان شيئا لم يقع كيف نتوقع شعور هده العائلة وسط المجتمع اين هي كرامة الانسان.

Lfadl منذ 7 سنوات

Ne commençons pas à chicaner. Nous en avons marre d'être plus pour des canards sauvages. Il faut que ceux qui aspirent à diriger, soient honnêtes et prennent leurs responsabilités à cœur, et rendre compte à qui de droit. Comme l'a bien dit SaMajeste aujourd'hui devant le Parlement, le peuple marocain a mûri et sait ce qu' il veut et çe qu'il exige des Élus qui ont obligation à defendre les intérêts du Peuple et celui de la Nation, en toute transparence. Les malhonnêtes doivent se terrer ailleurs......

مواطن منذ 7 سنوات

ولماذا أصدرت الشرطة بلاغا يتهم زوجة المرشح المنتمي للعدالة والتنمية التي اختطفت من مجهولين بأنها كانت مع خليلها قبل أن تبحث النيابة العامة في الموضوع وتناقلت جميع الجرائد والمواقع بلاغ الشرطة وكأنه حكم نهائي لم يتطرق أحد حينها إلى قرينة برائة الزوجة حتى تثبت إدانة الزوجة واليوم الكل يتهم اللجنة المكلفة بالإنتخابات باستباق الأحداث ونشر أسماء المتورطين في الفساد الإنتخابي رغم أن المتهمين مثلوا أمام قضاة التحقيق فهل حلال على الشرطة أن تتهم زوجة قبل مثولها أمام النيابة العامة فقط لأنها ومواطنة عادية من السهل اتهامها ومن السهل نفي التهمة عنها وحرام وممنوع على لجنة مكلفة من طرف جلالة الملك باتباع مسلسل الإنتخابات أن توجه اتهامات لأشخاص أفسدوا الإنتخابات باستعمال المال لأنهم من علية القوم وينتمون لأحزاب سياسية ولأن من بينهم إبني أمين عام حزب سياسي لماذا الكيل بمكيالين أحدهما من السهل اتهام مواطنين عاديين ونشر أسمائهم دون تمتيعهم بقرينة البرائة وآخرين يجب عدم ذكر أسمائهم لأنهم سياسيين من علية القوم وأبناء عائلات ألا يقول الدستور أن المغاربة سواسية أمام القانون ؟

Kamel Ahmad منذ 7 سنوات

La commisionn ne les a pas condanés comme l'article le pretend!!! La commission a annoncé au public qu'ils sont soumis à examen devant juge qui a seul droit de les presenter au tribunal. En plus l'article veut que la commission STOP tout travail à 6 pm le jour des elections: vraiment pas serieux. Ils sont tous des gens publics (en se presentant à la representation du citoyen)Rien ne peut etres privé des lors. Comme dit le proverbe: si vous craigner la chaleur, restez dehors de la cuisine. Le citoyen à droit de tout savoir et maintenant. Ceux qui sont prouves innocents on leur dit bien. Aucun mal n'est fait. L'action de la commision est tres benefiques pour les election à venir. Entetement incomprehensibe de l'auteur.

moroco منذ 7 سنوات

هذا راي سديد السؤال الذي يطرح نفسه هو: من وراء كل هذا السي توفيق ؟؟؟؟؟ولمصلحة من ؟؟؟؟؟؟ ظاهر القول وباطنه يوحي بان المستفيد هو البام ولكن لماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟ حقيقة نريد منك مزيدا من التوضيح لأن تهمة الاستبداد والرغبة في التحكم أراهما شماعة قد يعلق عليها الكثيرون فشلهم فهل من تفسير آخر أقرب إلى عقولنا البسيطة؟؟

adil منذ 7 سنوات

الهدف من هذه المتابعات هو الانتقام من حزب الاستقلال الذي قدم مرشحا ضد حكيم بنشماس