توفيق بوعشرين :"البام" مرة أخرى

10 أكتوبر 2015 - 22:15

«نخشى أن تكون آلة التحكم قد عادت بقوة إلى المشهد السياسي المغربي لتحرق الأخضر واليابس، ولتواصل إخراج الكوابيس نفسها التي عاشها المغاربة في المسلسل الانتخابي الأخير».. «يروج حزب الأصالة والمعاصرة مرشحه حكيم بنشماس لرئاسة مجلس المستشارين.. لا يقبل أن يستغل مرشح البام وضعه الاعتباري أو قربه من مراكز القرار لإكراه البعض على مساندته للتعدي على حقوق الآخرين»..

الموقفان أعلاه ليسا لعبد الإله بنكيران، زعيم حزب العدالة والتنمية.. إنهما لحليفين رئيسين لحزب الأصالة والمعاصرة؛ الموقف الأول ليونس مجاهد، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، في عمود «بالفصيح» على صدر جريدة حزب الاتحاد الاشتراكي، والموقف الثاني لعبد الله البقالي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، في عمود «حديث اليوم» في جريدة العلم، لسان حزب علال الفاسي.
ماذا جرى حتى اكتشف الاتحاد والاستقلال أن البام آلة من آلات التحكم؟ وأين كان الحزبان من هذه الخلاصة عندما وضعا أيديهما في يد الجرار، وانخرطوا في جولة طويلة لمحاربة الإصلاحات الديمقراطية، والتآمر على الحكومة من خارج الآليات الدستورية التي تسمح بها المنهجية الديمقراطية؟ لماذا ساهم الحزبان العريقان في تبييض سيرة البام، واستخراج شهادة ميلاد شرعية له بعد خطيئة الولادة؟ هل فهم الحزبان الآن، والآن فقط، أن دور البطولة محجوز للبام من قبل الدولة العميقة، وأن من سيشارك في هذا الفيلم لن يلعب إلا دور الكومبارس؟ هل استوعبا متأخرين أن البام لا يأكل من حصة «البي جي دي» في السوق الانتخابي، لكنه يأكل من حصص الأحزاب الأخرى، وخاصة الاستقلال والحركة الشعبية والأحرار، والاتحاد إلى حد ما؟ هل فهمت قيادات هاذين الحزبين أن التحكم الجديد له عنوان كبير هو البام، وأن الانتخابات الأخيرة كشفت المستور، ولم تبق للحزبين سوى الفتات، وأن الخناق سيشتد حول عنق الميزان والوردة مع اقتراب استحقاق 2016، لأن مقتضيات التقاطب مع «البي جي دي» تتطلب تعبئة كل الوعاء الانتخابي الذي في حوزة الأعيان والأحزاب الأخرى لمواجهة بنكيران وحزبه؟ فمادام هذا الأخير يرفض التحالف مع إلياس العماري ورفاقه في الحكومة المقبلة، فلا مناص من أن يحارب الجرار لاحتلال الصدارة في انتخابات 2016 حتى يقطع الطريق على فوز المصباح بالمرتبة الأولى.
عندما كان حزب العدالة والتنمية يحارب البام، ولو بالكلام، وقع شباط ولشكر مع الباكوري على شكاية موجهة إلى القصر الملكي ضد رئيس الحكومة. الآن يتساءل شباط بمرارة: «واش البام هو الدولة؟ واش الانتقال للمساندة النقدية للحكومة يهدد الدولة؟ لماذا لم يؤجلوا المتابعات القضائية إلى غاية مرور انتخابات رئاسة مجلس المستشارين؟ ألا تحمل هذه المتابعات شبهة ترجيح كفة على كفة؟».
تذكرني المرارة التي يعبر بها شباط الآن بالمرارة التي كان يتحدث بها قادة الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار عندما خرجوا مهزومين من معركة انتخابات 2011 بعد دخول مغامرة G8، حيث نزلت لعنة البام على هؤلاء. الحكاية نفسها تتكرر الآن مع الاتحاد والاستقلال اللذين عاقبتهما الطبقة الوسطى في المدن، وأخرجتهما من الحواضر إلى البوادي جراء تحالفهما غير الطبيعي مع حزب غير طبيعي.
ليس ضروريا أن يتحالف حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي مع العدالة والتنمية، وليس ضروريا أن يتماهى اليسار مع التيار المحافظ الذي يعرف صعودا سياسيا بسبب عوامل سوسيولوجية وثقافية، لكن من المهم أن يظل حزب عبد الرحيم بوعبيد وحزب علال الفاسي حزبين مستقلين وديمقراطيين (لقد تألم جل الاتحاديين عندما بلغهم خبر استعمال لشكر في الربع ساعة الأخير في حكومة عباس الفاسي من طرف البام)، واستاء استقلاليون كثر عندما علموا أن البام صار يصوت في انتخابات الأمين العام لحزب الاستقلال، وأن جل وزراء الحزب في اللجنة التنفيذية يتشاورون مع الجرار لكي يحضروا أو يتغيبوا عن الاجتماعات الحزبية.
البام، الذي صار جل السياسيين والصحافيين والمعلقين يخشونه أو يتجنبون انتقاده أو يسخرون أنفسهم للدفاع عنه، ليس حزبا.. إنه هاجس وخوف من الديمقراطية… (الفديك) الذي خلق في الستينات كان جواب النظام عن راديكالية اليسار، الذي كان ينازع في الحكم وفي شرعيته، وكانت بعض فصائله تعتبر أن النظام الجزائري هو النموذج المثال (الجميع يتذكر انحياز الشهيد بنبركة إلى الجزائر في حرب الرمال مع المغرب سنة 1963)، فكان حزب رضا اكديرة، أي حزب الدولة، هو الجواب السياسي لتلك المرحلة المطبوعة بالصراع الحاد… بعد 40 سنة جاء البام ليعيد الكرة، وليقدم الجواب القديم لأطراف في الدولة تخشى أسطورة «التسونامي الإسلامي»، ويقول «إن حزبا للدولة جديدا بغلاف يساري وجوهر تحكمه يميني هو الحل، ولا تعولوا على أحزاب الحركة الوطنية التي هرمت وشاخت، فمن الأفضل إزاحتها من الطريق لأنها صارت عبئا»… نسي هؤلاء أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، وأن الإجماع الموجود اليوم حول المؤسسة الملكية لم يتوفر لأي من ملوك المغرب وسلاطينه، وأن الأحزاب كلها ملكية، وكلها مقتنعة بدور استراتيجي للملك في قيادة المغرب، وأن محمد السادس ليس هو الحسن الثاني… نسوا ذلك وقليلون من يذكرونهم للأسف.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

متتبع منذ 7 سنوات

صديقنا "العبدي"، التفكيك التام والمبا شر لعبارة الدولة العميقة من شأنه أن يضع صاحبه تحت طائلة القانون، لأن هناك دستور وجب احترامه. تفاهمنا؟

elabdi منذ 7 سنوات

هل الملكية جزء من الدولة العميقة؟وهل وزارة الداخلية جزء من الدولة العميقة؟وهل مستشاروا الملك جزء من الدولة العميقة؟وراس المال؟والاطر العليا من مدراء و كتاب عامين ؟ يجب تفكيك هذا المصطلح الذي عوض جيوب المقاومة زمان اليوسفي والذي يخفي اكثر مما يفصح

نيرون منذ 7 سنوات

الله ينجينا من التحكم ديال العدالة و التنمية. راه أصعب ما كاين.

عبد الغني منذ 7 سنوات

وأن الإجماع الموجود اليوم حول المؤسسة الملكية لم يتوفر لأي من ملوك المغرب وسلاطينه، وأن الأحزاب كلها ملكية، وكلها مقتنعة بدور استراتيجي للملك في قيادة المغرب، وأن محمد السادس ليس هو الحسن الثاني… نسوا ذلك وقليلون من يذكرونهم للأسف.

محمد منذ 7 سنوات

لا شك ان اي عاقل يراقب عن كثب الساحة السياسية المغربية سيقتنع ان حزب البام حزب يهدد المسار الديمقراطي المغربب ، وعلى الاحزاب المغربية ألا تترك العدالة والتنمية وحيدة في فضح سياسةالتحكم التي يتبناه هذا الحزب الغير الديمقراطي والخوف منهم لن يزيد الاحزاب الا ضعفا وهوانا لأن الشعب اصبح على وعي اصبح من خلاله يفرق بالصالح والطالح. ي

Badr el jadida منذ 7 سنوات

البام سيجر المغرب إلى ثورة ستدخله في دوامة مادام هدا الحزب خريج المعهد العالي للهمة لم يحل سوف يبقى دائما حزب مشبوه وحزب يتحكم فيه مسشار الملك وحزب يعطي فقط الأوامر ولا يناقش ويشتري كل من عارضه سوف تموت الديموقراطية إن لم نقل أنها ماتت في الإنتخابات الأخيرة

محمد بوجيدة منذ 7 سنوات

سي سالمون،مخلص الشعب بالإجهاز على قدرته الشراءية ،مخلص الشعب بإدلاله وحرمانه من حقه الدستوري في الاضراب،مخلص الشعب في إذكاء نعرات التفرقة و العنصرية بين مكوناته،من قال للصوص و المجرمين عفا الله عما سلف،و يتمرجل على الغلبانبن، ،من رهن مستقبل الأجيال القادمة بثقل المديونية رغم زيادتهالشهيرة و التي لم يأتي بمثلها أحد من المغاربة،سي سلمان السلطان في المملكة لا ينحاز للأحزاب ،لأنه يعلم يقينا أنها تدافع على مصالحها الضيقة و الخاصة،أما الشغب المغربي فهو أقوى و أذكى من الأحزاب التي تتسارع من أجل الجلوس على كراسي أحجامها مختلفة بداخلها حلاوة ،يقولون من طلعت معه أصبح مدمن عليها،حفظنا الله و أياكم منها،مع كامل إحترامي سي سالمون.

الرايس منذ 7 سنوات

كل شخص مسؤول عن كلامه... مدير تحرير تحرير صحيفة كبرى ينبغي ان تكون له الجراة في طرح أفكاره وليس الكلام العائم الذي يحتمل اكثر من تفسير

Said@ منذ 7 سنوات

دلوني على رجل بمواقف شجاعة وصادقة في المغرب .

سالمون منذ 7 سنوات

سي بوجيدة ﻻتنسى أن الملك يدعم البيجيدي ﻷنهم المخلص الوحيد لشعب المغربي من التحكم الذي تنهجه الدولة العميقة ﻷن ابن كيران ورجاله هم أناس ﻻيخشون في الله لومة ﻻئم واﻷيام بيننا.....

boujida Mohamed منذ 7 سنوات

pourquoi vous excercez la censure a l'instar des dictateurs.

mohamed 51 منذ 7 سنوات

الاتعرف ان اظهار الواضحات من المفضحات ايوا الحر بالغمزة والضبع بالدبزة

محمد بوجيدة منذ 7 سنوات

الأستاذ توفيق اطنبت و أطلت كثيرا و انت معدور في ذالك،السلطة و التحكم تستحق تستحق منك ذالك ،لكن الدولة العميقة هي سربقاء المغرب ثابتا قاءما على أركان متينة،ماذا تريد؟! أن يصبح المغرب فدانا لسي بن كيران يعيث فيه فسادا من حيث لا يشعر.هل تريد أن يعيد لشكر ما فعله أستاذه اليازغي الذي قهر و ،هل أقصى رجلا اسمه سي عبد الرحمان اليوسفي، هل تريد أن يصبح نوفل نجل شباط وزيرا للخارجية و زوجته رئيسة لمجلس النواب.الحمد لله الذي وهب للمغرب المبارك حكومة عميقة لا يصلها الدجالون و لا الأفاكون،عبقرية المغرب الأستاذ توفيق عميقة،مستعصية لا يدركها إلا العقلاء ،أما صاحبكم بن كيران فلا يغدو أن يكون واحدا من الدجالين الذين ذكرهم الرسول في حديثه واحتراما لنبؤوة الرسول الكريم يسمح له بممارسة دجله ،أما بالنسبة للأصالة و المعاصرة فالامريتعلق بفريق رسمي مضمون أعد بحنكة ومهارة لضمان استمرار اللعبة بدون مزايدات و مفاجآت قد تكون عواقبها و خيمة،حتى لا اطيل،من بمقدوره الإنتصارعلى عدو يمتلك الغاز و البطرول و في نفس الوقت ينتصر داخليا على الدجالين و المفسدين،ادام الله علينا بركات الدولة العميقة وشكرا

مختار منذ 7 سنوات

ما في المغرب هو الملك و الشعب لا اقل و لا اكثر

د. الحسين منذ 7 سنوات

تحليل سديد وكلمة حق يكتمها الكثير ويخشون البوح درء للعنة ولسخط الدولة العميقة البام حزب الهمة والهمة مستشار الملك وصديقه المقرب الذي لازال يتحكم في الحزب عن بعد وما بنشماس والباكوري والعماري سوى كومبارسات يسعون الى ترجمة نوايا وتوجهات الدولة العميقة ؛ لكن يجب ألا ننسى أن دهنية المغربي مشكلة على مقاومة كل ما له علاقة بالمخزن ؛ وحتى من هم اليوم أتباع البام ليسوا إلا فئة يسكنها هاجس الخوف من المخزن فقط؛ وحتى لشكر وشباط لا يستثنون من هذه الفئة الوجلة قلبها من الدولة العميقة.

محمد فاس منذ 7 سنوات

للإنتهازيين و لمحبي "الدولة" و عباد الأعيان والسلطة حق أن يكون لهم حزب يمثلهم وكدالك من حقي أن أنتمي لحزب الكنبة وحتى الشيطان له الحق أن ينشئ حزب . . المهم أن تكون لنا انتخابات نزيهة و قضاء عادل وصحافة حرة. و ليتنافس المتنافسون.

الورزازي منذ 7 سنوات

الملك لا زال يساند مشروع صديقه، لا استطيع تصديق تخلي الهمة عن البام، الخطاب الافتتاحي لدورة الخريف يدل على ذلك، لا شيء يؤشر على جدية النظام في ترك الأحزاب و شأنها، البام وسيلة مُقَنَّعَة لمواصلة التحكم، و الوقوف في مواجهة آليات التحكم يتطلب أحزابا بقواعد قوية تنظيميا و قيادة متمكنة سياسياً، قادرة على المناورة و استثمار المعطيات الظرفية لتحقيق التقدم على الساحة و التقليل من إمكانية حصول تراجعات تعود بنا إلى نقطة الصفر

M.KACEMI منذ 7 سنوات

التوازن المطلوب للحفاظ على أمن واستقرار البلد ووحدته السياسية والترابية هو ذاك الذي كفله دستور 2011 الذي احتفظ للملك بصلاحيات قوية ومنح أخرى للحكومة. وأما التحكم وعدم ترك الأحزاب تتبارى في ما بينها بشكل حر، فلن يحقق التوازن المنشود ويهدد مستقبل الديمقراطية ومعها الأمن والاستقرار. حذار إذن قبل فوات الأوان

محسن منذ 7 سنوات

قلها أنت أيها الشجاع...

أحمد المودن منذ 7 سنوات

مقال يستحق القراءة لمعرفة الواقع المغربي ودور حزب ( التحكم ) فيه .

الرايس منذ 7 سنوات

مامعنى (أطراف في الدولة)!!!!!! قلها بصراحة او اسكت أحسن.....

مجرد قارئ منذ 7 سنوات

جواب غير مباشر عن لقاء مباشر بين الباكوري وبنكيران صحيح ان المقال يجانب التحليل الواقعي في بعض فقراته لكن القارئ الواعي يستطيع ان يستنتج ما خفي وراء مضامينه والرسالة المتوخاة والجهة التي انحاز اليها

adil منذ 7 سنوات

لم يكذب بنكيران حين قال ان رؤساء هذين الحزبين(الاستقلال والاتحاد الاشتراكي) ليسا سوى كراكيز في يد البام... وكما نصبهم هناك فهو قادر على ازاحتهم وقت ما شاء

ع المصلوحي منذ 7 سنوات

يبدو انه كل من صافح يد الجرار , سواء من الاغلبية او المعارضة , ليلا او نهارا اصيب واكتوى بداء الجدري الذي لا يكتشف من اكتوى به , الا بعد قوات الاوان , فا للعبة السياسية لا ترحم المغفلين .

متابع لأخبار اليوم منذ 7 سنوات

لم ينسوا و إنما تناسوا

مكمك منذ 7 سنوات

مقال يستحق ان ينشر في كافة المواقع والصحف المغربية

ahmed منذ 7 سنوات

لبام، الذي صار جل السياسيين والصحافيين والمعلقين يخشونه أو يتجنبون انتقاده أو يسخرون أنفسهم للدفاع عنه، ليس حزبا.. إنه هاجس وخوف من الديمقراطية