توفيق بوعشرين: صورتنا في مرآة الحقيقة

17 أكتوبر 2015 - 22:00

لم تضِع الميزانية التي صرفت على الإحصاء العام للسكان، والبالغة حولي 80 مليار سنتيم.. لقد أعطانا المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، أرقاما ومعطيات وإحصائيات وحقائق وخرائط لحقيقتنا الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية واللغوية.. لا تقدر بثمن، وكل أمنياتنا أن تجد الحكومة والأحزاب وكبار المسؤولين والخبراء المغاربة الوقت لمطالعة هذه الأرقام واستخلاص الحقائق منها، وألا تظل هذه المعطيات النفيسة نائمة في الموقع الرسمي للإحصاء يستغلها فقط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وسفارات الدول الأجنبية والشركات العالمية، ووكالات المخابرات الدولية المهتمة بحركة المد والجزر في المملكة الشريفة.
أرقام كثيرة صادمة جاءت في تقرير الحليمي حول نتائج الإحصاء، الذي جرى نهاية السنة الماضية، ومن أبرز هذه الحقائق أننا بلد مازال يعيش تحت سمائه 8,6 ملايين مغربي لا يقرؤون ولا يكتبون، ولا يعرفون إلا القليل عن متغيرات العصر وحقائقه الكبرى.
قبل عشر سنوات، أي إبان الإحصاء الذي جرى في 2004، كان عدد أميي الحرف المغاربة 10.2 ملايين، وبعد عشر سنوات وثلاث حكومات، ومئات الوعود وملايين الدراهم التي صرفت على محاربة الأمية، لم ينخفض هذا الرقم سوى بأقل من مليون وستمائة ألف أمي. هذا معناه أن سياسات محو الأمية لم تكن جدية، وأن جزءا من نسبة انخفاض الأمية في المغرب تكفل به ملك الموت عزرائيل، الذي أخذ جزءا من الأميين الشيوخ إلى جوار ربهم بعدما عجزت الدولة عن إخراجهم من ظلام الأمية إلى نور العلم والتعلم… بلاد فيها 34 مليون مواطن يعيش بينهم 8.6 ملايين أمي لا يفتحون كتابا ولا موقعا على النيت ولا جريدة، ولا يخطون حرفا، ولا يعرفون أكثر من الدارجة التي يتعاملون بها كل يوم.

الدارجة هذه التي يتحدث بها ٪89.8 من المغاربة، حسب نتائج الإحصاء العام دائما، في حين يتحدث 27٪ الأمازيغية (٪15 الشلحة، ٪7.6 السوسية و٪4.1 الريفية) هذا معناه أن المغرب متعدد اللغات، لكن الدارجة النابعة من العربية هي السائدة والمهيمنة على لغة المعيش اليومي لسكان هذه الأرض، وهذه حقيقة يجب أن يتأملها جميع المتطرفين الواقفين على جبهات الحروب اللغوية في المغرب، من الأمازيغيين إلى الفرانكفونيين إلى القوميين العرب.
الهرم السكاني في المملكة يتغير بسرعة كبيرة، الخصوبة تنزل (كل 100 امرأة لا يلدن سوى 215 طفلا). هذا معناه، حسب المندوب السامي، أننا «وصلنا إلى مستوى لم نعد قادرين فيه على تعويض الأجيال»، وهذا لا يفسر بتراجع الإقبال على الزواج، الذي ازداد في العشر سنوات الماضية (٪45 من الرجال كانوا عزابا في إحصاء 2004 مقابل ٪40.9 في إحصاء 2014، و٪34 من النساء كن عازبات قبل عشر سنوات وقد انخفض عددهن اليوم إلى 28.9 ٪). قلة الإنجاب مردها، أولا، إلى قلة ذات اليد، أي الفقر، وثانيا الوعي الصحي لدى المرأة، وثالثا نمط العيش الغربي الذي يستهوي المرأة والرجل معا، ورابعا النزوح من القرية إلى المدينة، وتغير نمط الإنتاج غير المرتبط بالأرض… تراجع نسبة الخصوبة معناه أننا يمكن أن نجد عدد المغاربة وقد نقص في إحصاء 2024 المقبل، وهذا، من جهة، يفرح لأن الضغط الديمغرافي سيخفف العبء عن المدارس والمستشفيات والبنيات التحتية، لكنه في الوقت ذاته يدل على ارتفاع معدل الشيوخ وسط السكان.

 

أرقام الحليمي تقول: «انتقل عدد الشيوخ في المغرب من 2.3 مليون إلى 3.2 ملايين شيخ وعجوز في عشر سنوات فقط، هذا معناه أن الأمل في الحياة يزداد في بلاد كان الناس يموتون فيها قبل سن الستين. اليوم ٪28 من المسنين أعمارهم تتراوح بين 70 و79 سنة، والأخطر من هذا أن 300 ألف منهم يعيشون لوحدهم بلا معيل، منهم من يضطر إلى العمل أو التسول في أرذل العمر.

 

هذه الأرقام يجب أن تُقرأ جيدا من قبل النقابات التي تعارض إصلاح صناديق التقاعد التي توجد على حافة الإفلاس. المغرب لن يعود بلادا للشباب، سيصير قريبا جدا، مثل دول أوروبية كثيرة، بلاد الكهول والشيوخ، وهؤلاء يحتاجون إلى سياسات عمومية خاصة في مجال التقاعد والتطبيب والرعاية الاجتماعية، وكلها سياسات غائبة الآن في بلاد لا ينتبه فيها المواطنون إلى هذه الفئة العمرية، وجل المواطنين يعتبر أن مرحلة الشيخوخة فترة قصيرة، وهي قنطرة نحو القبر، لهذا لا يكلفون أنفسهم سوى الدعوات مع الشيخ والعجوز بأن يتقبلهما الله في رحمته الواسعة قريبا!
الشيء نفسه يقال عن المعاقين الذين يبلغ عددهم اليوم بيننا 1.3 مليون معاق، لديهم مشاكل في الحركة أو البصر أو السمع أو الكلام أو الإدراك، أو لديهم مشاكل في الاعتناء بأنفسهم، أو التركيز أو التذكر (تعريف الأمم المتحدة للمعاق)… الأكثر مدعاة إلى الحزن أن هؤلاء الأشخاص في وضعية صعبة، وجلهم لا يعرف القراءة والكتابة، أي أمي، و8 من كل 10 منهم عاطلون عن العمل، وهذا ما يفاقم محنتهم، لكنه في الوقت نفسه يضع الحكومة والدولة أمام صورتهما غير الإنسانية في المرآة؟ كيف تصرف الحكومة مليارات الدراهم كل سنة لدعم كبار الفلاحين وكبار الصيادين وكبار الصناعيين وكبار السياحيين… ولا تدعم 1.3 مليون معاق، أو على الأقل ٪30 منهم ممن يحتاجون إلى علاجات طبية دائمة؟ طبعا هؤلاء ليس لهم محامٍ يدافع عنهم، ولا لوبي يضغط لأجلهم، ولا حزب ينطق باسمهم… لهم الله ورحمته الواسعة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

maghribi منذ 7 سنوات

هوما اللي دارو فيك الخير اما دابا غاتكون كتقاتل الحوثيين فاليمن

منعم منذ 7 سنوات

لقد افصحت عن العنصرية التي بداخلك ،،الدارجة نفسها فيها الكثير من الكلام الامازيغي ...العربية التي تتبجح بها لا يجيد النطق بها الكثير من المغاربة في اعلامنا و صحافتنا ايضا ،،اتحداك ان تنطق بالحروف العربية كما هي ،،،

وطن يرافع منذ 7 سنوات

أنا "مواطن" أيضا ، كتبت تحت هذا اللقب عدة مرات ، لكنني على النقيض منك أرى أن معطيات و أرقام المفوضية السامية للتخطيط قريبة جدا من الواقع و الحقيقة ، ثم بما أنك استعملت لقب "مواطن" و أنت على النقيض من وجة نظري و آرائي ، فقد قررت تغيير اللقب الذي أكتب تحته تعليقاتي و ردود فعلي إلى "وطن يرافع" ...

وطن يرافع منذ 7 سنوات

ردا على المناهضين للغة العربية و المدافعين عن اللهجات ، نقول : إن ما ورد في تقرير المفوضية السامية للتخطيط قريب جدا من الواقع ، بل على المسؤولين في معهد الأمازيغية أن يتحملوا مسؤولياتهم في تصريحاتهم ، فلا ينساقوا نحو الشعبوية و الشعوبية ، بالتشكيك في المعطيات دون أدلة أو حجج و بإلقاء الكلام على عواهنه …كما أن على هؤلاء المسؤولين و أعضاء الجمعيات الأمازيغية أن يتخلصوا من “البارانويا” التي تجعلهم يُظهرون الأمازيغيين كأنهم “مستهدفين” أو “مضطهدين”!!! ننصحهم كذلك بالتخلص من الاستيهامات المعشعشة في أدمغتهم … التي جعلتهم يشككون في معطيات و أرقام ، الواقع يؤكدها بجلاء ، بصيغة أوضح فنسبة الناطقين باللهجات الأمازيغية بأقسامها و تفرعاتها المتعددة ، أقل مما ورد في التقرير و هي في تناقص مستمر بشهادة الكثير من الأمازيغيين ، بل سيبدو الأمر واضحا بجلاء ، إذا أجري استطلاع نزيه ومحايد ، بعيدا الإكراهات والضغوطات … فالنسبة الكبرى من المغاربة و على رأسهم الغالبية العظمى من الأمازيغيين ـ بما فيهم الناطقين بها ـ هم ضد تدريس و ترسيم الأمازيغية ، فنحن جميعا و أنتم نعرف الظروف و الحيثيات التي جاء فيها قرار ترسيم “الأمازيغية” ، بل ونعرف الأهداف الحقيقية الكامنة وراء ذلك القرار … المجال لا يسمح بالاستفاضة ، نقول للمسؤولين فيما يسمى "الحركة الأمازيغية" : كفى من وضع العصى في العجلة و بعيدا عن التقاطبات ، أعملوا على أن تكون لكم مطالب ملموسة وموضوعية بعيدا عن مطلب تدريس الأمازيغية أو ترسيمها لأن ذلك ليس من مطالب الغالبية الساحقة من المغاربة و على رأسهم الأمازيغ ، بمختلف مجموعاتهم حتى لا نقول “طوائفهم”!!! إنكم على غرار الكثير من المكونات السياسية و تحديدا الأحزاب ومكونات المجتمع المدني المنفصلة عن نبض المجتمع ، المعاكسة للمجتمع في مساره ، لا تمثلون الفئة التي تدعون تمثيلها و الدفاع عنها … كفى كفى كفى

مثقف مغربي منذ 7 سنوات

لا فض فوك يا أستاذ بوعشرين على عشرين خصوصا ما ختمت به لأننا نعيش تحت رحمة قانون(قانون) الغابة وضعه مفترسي الغابة في بارلمانات الزور من لوبيات الفساد السماسرة وأثرياء الحرام وفي مقدمتهم الابناك وأحزاب الوراثة و حزب الإدارة الفاسد واللائحة معروفة

Nki dagh منذ 7 سنوات

Vous croyez vous ses chiffres ? Vous pensez vraiment que le nombre des amazigh est moins de de 9millions d'habitant ? Que des mensonges que vous aimez croire quand vous arrange ...

مغربي وأفتخر منذ 7 سنوات

الزيت ماهو إيدام والشلحة ماهي كلام...

مواطن منذ 7 سنوات

للتوضيح فقط الروافد الثلاثة للغة الأمازيغية هي تشلحيت و تمازيغت و تريفيت ويبدو أنك وقع لك خلط بين تشلحيت لسان أهل سوس و تمازيغت لسان أهل زيان و الأطلس فالشلحة هي نفسها السوسية هذا من جهة ومن جهة أخرى لم تشير الي أن نتائج الأحصاء فيما يخص اللغة المتداولة اعتمدت فقط على عينة من 2في المائة من الأسر كما أنك لم تشير الي السجال الذي وقع قبل الاحصاء بخصوص صياغة السؤال المتعلق باللغة بين وجهة نظر الداعين الي اعتماد سؤال اللغة الأم و و جهة التظر الأخرى كما أن الجزم بالقول أن الدارجة نابعة من العربية فقط ينافي الموضوعية والمنطق الذي يقول ان الدارحة خليط من الأمازيغية والعربية

محمد أبطان منذ 7 سنوات

المغرب بلد أمازيغي أما أرقام الحليمي فتكذبها انت و سيدك كيران اذا كانت ضدكم و تصفق لها ان كانت في صالح قومجيتكم كون المغاربة يستعملون الدارجة لا يعني بأنهم عرب. فالدارجة خليط لغوي أمازيغي عربي فرنسي... و ان كانت نابعة من العربية فلماذا تعارضون التدريس بها المبتغى من هذا الرقم هو ادخال فكرة الى الضمير الجمعي للمغربة مفادها " غالبية الساحقة من المغاربة يتحدثون الدارجة اذن هم عرب و هناك فئة قليلة من الامازيغ" يا سيدي المغرب دولة أمازيغية و لسان اهلها و جبالها و سهولها و صحاريها تنطق بذلك و كون بعض العائلات فروا من الجزيرة العربية خوفا من الاضطهاد لا يجعل منه دولة عربية لنسلم جدلا بصحة الرقم ألا يدل ذلك على فشل الدولة في تدبير التعدد اللغوي و يدل على تورطها في سياسة طمس الهوية و تعريب شعب يتحدث 88 في المائة من سكانه الامازيغية في فجر الاستقلال ألا يدعو الرقم الى ضرورة تضافر الجهود للحفاظ على هذه الغة و التمكين لها في التعليم و الاعلام و الحياة اليومية كموروث ثقافي لكل المغاربة.

ناظوري منذ 7 سنوات

اسمه ملك الموت وليس عزرائيل آسي بوعشرين

مغربي على قد الحال منذ 7 سنوات

سياسة الابن الوحيد جعلت الصين على سكة النهضة والتقدم 2 لكل امرأة نسبة كافية تماما للتعويض فكيف 2.15 المهم ليس في عدد المواليد بل في جودة الحياة التي تنتظرهم بيل غيتس وستيف جوبس وهنري فوررد و... أثروا في حياة الناس وخلقوا من الثروة لهم ولغيرهم ما لم تستطعه مليارات من البشر غيرهم

sahrawi منذ 7 سنوات

الفليسطينين زغم الحروب الصهيونة والحصار القتل إلا أن لديهم ــــصفر في المائة أمي والمغاربة سيدخلون لموسوعة غنيز مرفوعي الرأس بالأمية