جلست على ناصية الطريق بشارع محمد الخامس بالبيضاء، وهي ترقب حركة المارة. اختارت هذه المرأة التي تجاوزت الأربعين بقليل، والتي تعكس ملابسها فقرها بؤسها، الجلوس على بعد متر واحد من الشباك الأوتوماتيكي لسحب النقود من وكالة بنكية. كانت تمسك بمحفظة نقودها، فيما الزبناء الذين يسحبون نقودهم يبدو عليهم الامتعاض، اعتقادا منهم أنها هناك لاستجداء الصدقات. وجودها هناك، في حقيقة الأمر، أمر مألوف بالنسبة إلى مرتادي شارع محمد الخامس. اسمها «سعاد»، أو هكذا سمت نفسها، في محادثة لم تكن تتوقعها، وهي تجلس هناك منذ ساعة مبكرة من الصباح، وليس غرضها، على كل حال، أن ترتاح من تعب السير كما يفعل الكثيرون، وإنما كانت تتصيد الزبناء. هي عاملة جنس، أو بائعة هوى، وتعرض خدماتها بسعر بخس، لكنها ليست موضع إقبال كبير من لدن الزبناء المفترضين.
لكي تحكي لنا سعاد قصتها، كان علينا أن نجد وسيطا مناسبا لإقناعها، وقد تكفل حارس سيارات بالقرب من المكان بهذه العملية، لكنها طلبت مقابلا عن ذلك: خمسون درهما، وحتى وإن كان يبدو مبلغا زهيدا إلا أن سعاد تلقفته بكثير من السعادة، زد على ذلك تسديد ثمن كأس قهوة لا يؤديه أي أحد من زبنائها عادة، لأن المقهى لا يكون أبدا جزءا من عملية الاستمالة ولا التفاوض حول الخدمة الجنسية. وستتكرر هذه العملية بالنسبة إلينا مع عاملات جنس أخريات.
تلخص قصة سعاد، كما سترويها لنا، قضية في غاية التعقيد، لأن عملها في ماكينة الدعارة الرخيصة تحول إلى أمر مستعص على المعالجة. وكما تقول هي: «كالطبقات، نستطيع تصنيف مستويات الدعارة، وحتى داخل الصنف الرخيص منها هناك درجات، وقد يكون ما أفعله أنا ضمن الطبقة السفلى.. ما أفعله أنا، وهناك الكثيرات مثلي، هو القعر». كانت سعاد تتحدث بألفاظ متكسرة لكن أفكارها واضحة، لأنها تروي الحكاية، كما تفعل عاملات الجنس عادة، دون أي بإحساس بالندم.
عملت سعاد في هذا الركن من شارع محمد الخامس منذ سنوات مضت، ونادرا ما أزعجتها السلطات: «في بداية الأمر، كنت أحاول أن أكسب رزقا حلالا، وعملت لفترة مساعدة في الأشغال المنزلية. كنت أقف على رصيف في شارع موسى بن نصير بمعية بعض النساء، حتى يطلبني أحدهم لمساعدته في بعض الأعباء المنزلية. كنت أقوم بالتنظيف وغسل الصحون، ثم أغادر ويمنحونني ما بين 50 و100 درهم.. لكني تعرضت في تلك الفترة لكثير من التحرش، وتبين أن نوايا الكثيرين لم تكن حينها سوى أن يمارسوا معي الجنس». بقيت سعاد على هذه الحال لسنتين، ثم قررت أن تتخلى عن ذلك العمل، الذي «لم يكن، في نهاية المطاف، سوى دعارة وقد غُلفت ببعض الأعمال الشرعية.. وحتى حينما غيرت المكان، لم يكن شيء يتغير. كان أغلب الزبناء يرغبون في الجنس ثم في الأعمال المنزلية ثانيا. كان عمري حينها 36 عاما، وكنت مازلت أبدو مثيرة بالنسبة إليهم، ولكن بسبب ضعف الموارد، لأني لم أكن أحصل في كل الأحوال بعد يوم طويل من الأعمال والجنس سوى على 100 درهم، قررت أن أستغني عن الأعمال المنزلية، وأصبحت أحتل رصيفا في شارع آخر حيث لم تعد وظيفتي سوى ممارسة الجنس».
وفي الواقع، فإن من شجع سعاد على أن تغير فكرتها بشأن العمل المناسب بالنسبة إليها، هي إحدى صديقاتها في الحي حيث تسكن، فقد عرفتها على فتاة مسترجلة فهمت فيما بعد أنها تتحكم في مناطق الرصيف بشارع محمد الخامس، ولخصت لها طبيعة العمل في عناوين جذابة: جنس سريع بدون لوازم إضافية، لكنه بمردود مالي أكبر. وبالنسبة إلى سيدة في الـ39 من عمرها، فقد كان العمل مرهقا، لأن اصطياد الزبناء ليس بالعمل الهين بالنسبة إلى عاملة جنس في سنها، لكنها كانت جديدة على ذلك الرصيف، وذلك كان امتيازا لاحظه الزبناء الذين يبدون أكثر معرفة بما يحدث. «كنت أقف على الرصيف في شارع محمد الخامس قبل أن تبدأ أعمال الحفر لتشييد سكة قطار الترامواي، وكان الزبناء يأتونني بشكل كثيف. كنت أبدأ عملي في الصباح، في حوالي الساعة الحادية عشرة، ولم أكن أنتهي سوى في الساعة العاشرة ليلا. لم يكن يزعجني أحد، لأن الفتاة التي تتحكم في هذه الأرصفة كانت تبعد عني خشونة المنافسات اللواتي كن يحسدنني على كل حال، وهي أيضا من كانت ترشد الزبناء إلي.. كانت فترة ازدهار».
لم تتعرض سعاد طيلة ست سنوات من نشاطها كعاملة جنس على رصيف شارع محمد الخامس سوى لملاحقتين من لدن الشرطة، وكلتاهما لم تكن بسبب الدعارة: «في إحدى المرات، في عام 2012، تشاجرت مع امرأة أخرى كانت هي الأخرى عاملة جنس، فقد أرادت طردي من المكان حيث اعتدت الوقوف فيه، وقد استمر الشجار حتى باغتنا رجال الشرطة بدراجاتهم، وسيطلق سراحي ذلك اليوم بعدما تنازلت كلتانا لبعضنا البعض». وفي المرة الثانية، حاول لص أن يخطف محفظة نقودها من يدها، لكنها نجحت في الإمساك به، وأشبعته ضربا بمعية رفيقاتها حتى جاءت الشرطة، ونقلتها هي واللص إلى مخفر الشرطة، ثم أطلقت سراحها في نهاية المطاف. كانت الشرطة تعرف ما تفعله سعاد في ذلك المكان، لكنها لم تكن ترغب في ملاحقتها. «كانوا يسألونني دائما عما أفعله في ذلك الرصيف، وكنت أجيبهم بأني أعرض خدماتي في القيام بأعمال منزلية، وأعرف أنهم لا يصدقونني، لكنهم ربما يحسون بالتعاطف معنا، وكل ما يهمهم هو ألا نخلق لهم المشاكل في ذلك المكان، وألا يتلقوا شكوى ضدنا».
وفي غالب الأحيان، لا تتلقى الشرطة شكاوى ضدهن، لكن يحدث أن تأتيهن مشكلة من حيث لا يدرين. «في مرة، ربما قبل ست سنوات، نشرت جريدة موضوعا عنا مرفقا بالصور.. كان إحراجا كبيرا لنا، وقد منعت الشرطة وقوفنا في شارع محمد الخامس لفترة حتى فتر الحديث عن المشكلة ثم عدنا إلى مكاننا». ابتسمت سعاد ابتسامة متكلفة واستطردت: «سيحدث هذا بمجرد أن تنشر ما أنت بصدد كتابته، لكننا أصبحنا معتادات على ذلك. تصور معي أن جريدة كتبت أننا نمارس الجنس في سيارات ‘‘هوندا’’، وقد لقي أصحابها مشاكل كثيرة مع السلطات بعد نشر ذلك الموضوع بالرغم من أن ذلك لم يكن صحيحا تماما».
في سن الـ45، لم تعد سعاد جذابة كما كانت تظن نفسها حينما بدأت هذا العمل في ذلك الرصيف، فقد كثرت عاملات جنس أخريات أصغر سنا: «هناك من سنها لا يتجاوز 28 عاما.. لا أعرف لماذا يزاحمننا هنا. لو كنت في عمرهن لذهبت إلى مكان أفضل. في إحدى المرات نصحت إحداهن بأن تترك هذا الرصيف، لكنها استشاطت غضبا وكأني حاولت أن أصرفها بالحيلة لكي لا تنافسني». ومع تقدمها في السن، ووجود عاملات جنس رخيص أكثر شبابا منها، فإن سعاد أصبحت تجد صعوبة أكبر في العثور على زبائن. «أنهض في الصباح الباكر، وكأن لدي عمل قار ورب عمل يحرص على تدقيق مواعيد دخولي إلى مؤسسته، وبالكاد، أنجح في كسب زبونين أو ثلاثة، وفي هذه الفترة بالضبط، أي شهر أكتوبر، يكون الركود في عملنا قاسيا، وفي بعض المرات، قد أعود إلى منزلي بـ100 درهم فحسب أو بأقل منها».
في حكاية الزبناء المفترضين هناك ما هو أسوأ، لأن عاملات الجنس مثل سُعاد يمارسن «مهنتهن» في ظروف غير منطقية بتاتا. «هناك مخاطرة في هذا العمل، لكنها مخاطرة من طرفين؛ منا ومن الزبناء كذلك، ولذلك، فإن السعر يصبح أقل فأقل.. إن الزبون هنا لا يتقدم نحونا إلا وهو يعرف أن الجنس السريع في مفهومنا ينطوي على مغامرة، ولقد صورتنا إحدى الجرائد في تلك الوضعيات، وكان ذلك محبطا». كانت عاملات الجنس يقدن زبناءهن إلى أبواب عمارات في غالب المرات، أو تحت الدرج. لكن تلك العملية تغيرت مع تسليط الضوء عليهن. «هناك الآن أشخاص مكلفون بهذه الأمور. غرف يوفرونها لنا مقابل جزء من أرباحنا.. وهم من يتكفلون بحمايتنا، في الغالب، لن تجد واحدة منا تمارس أمام باب عمارة، إلا حالات نادرة لا تعد، وحتى الزبناء يرفضون فعل ذلك». يؤدي الزبون عادة ما بين 50 و100 درهم حسب ما يرغب فيه أو الوقت الذي يقضيه، ولا يتجاوز السعر هذا السقف. «إذا كانت المطالبات بأكثر من 100 درهم، فإن الزبون سيصرف نظره، لأنه بأعلى من هذا السعر بقليل سيجد عاملات جنس أفضل من الموجودات على الأرصفة».