«إذا كنت في المغرب فلا تستغرب».. جملة يرددها الخاص والعام، المثقف والأمي، السياسي ورجل الشارع العادي، من أجل التعبير عن العجز عن فهم واستيعاب الكثير من الأشياء التي تدور في هذه المملكة السعيدة بعيدا عن المنطق والعقل.
إليكم واحدة من «المغربات».. رجل الأمن المتقاعد والناشط السياسي محمود عرشان، مؤسس حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية (المعروف اختصارا بـ«حزب الكوميسير») يسعى جاهدا هذه الأيام إلى تأسيس جناح دعوي لحزبه من السلفيين الذين أفرج عنهم بعفو ملكي حديثا.. استمعوا إلى تصريحه بالحرف لموقع «اليوم24»، الذي حاوره بعد خروجه من بيت حسن الحطاب: «علاقة حزبنا بالسلفيين ليست جديدة، فليس عندنا إشكال أن يتم تأسيس حركة سلفية وجناح دعوي للحزب… الحوار مازال مستمرا بيننا وبينهم من أجل توحيد الرؤى.. لقد زرت حسن الحطاب في بيته وهنأته، لكننا تركناه يرتاح قبل الدخول في نقاش حول موضوع انضمامه إلى حزبنا».
السيد محمود عرشان رجل «جنتلمان»، ترك الحطاب يرتاح من عناء السجن قبل أن يعرض عليه الدخول إلى «كوميسارية الحزب»، لتأسيس جناح دعوي لحزبه، وكل هذا من أجل الديمقراطية… نعم الكوميسير عرشان، صاحب السوابق «الطيبة» في مجال حقوق الإنسان، يريد أن يصنع ذراعا دعويا من بقايا السلفيين الذين خرجوا من السجن من أجل بناء الديمقراطية في المغرب، وكل من يتهم السيد عرشان بأنه يريد أن يصنع حزب نور جديدا في المغرب يشبه النموذج المصري الرديء فهو سيئ النية، وكل من يسأل عن إيمان الكثير من السلفيين بالديمقراطية أصلا فهو مغرض، وكل من يرى في مبادرة «الكوميسير السلفي» خدمة لأجندة خلط الأوراق في الساحة السياسية، ولعبا بالنار، فهو لا يرى أبعد من نظرية المؤامرة.
إذا كان الديمقراطيون والعقلاء في هذه البلاد يحاولون إقناع حزب العدالة والتنمية بالابتعاد عن جناحه الدعوي (حركة التوحيد والإصلاح)، مع العلم أن هذه الحركة تشكلت قبل تأسيس حزب المصباح، فبعد أن مُنع بنكيران وصحبه من تأسيس حزب سياسي في الثمانينات، لجأ إلى تأسيس جمعية ثم حركة، فهل سنأتي في 2015 ونسمح للسيد عرشان بتأسيس جناح دعوي سلفي لحزبه السياسي؟
أيها السادة، الحقل الديني حقل ألغام حساس وخطير جدا، واللعب فيه قد يخلف ضحايا وخسائر ومشاكل كبيرة. يكفي ما نعانيه الآن في مجتمع تقليدي أغلقت في وجهه أبواب كثيرة، ولم يجد إلا باب الدين مفتوحا فدخله بلطف أحيانا وبشدة أحيانا أخرى… لا بد أن نفتح أمام الناس أبواب المستقبل لا نوافذ على الماضي. مبادرة العفو الملكي عن السلفيين، الذين قاموا بمراجعات فكرية وسياسية، مبادرة حميدة، وخروج هؤلاء وغيرهم من السجن بعد سنوات طويلة ومريرة خطوة نحو المصالحة، ونحو إزالة فتيل التوتر، فجل أبناء التيار السلفي ضحايا وضع داخلي ودولي معقد… ولهذا، فإن إعطاءهم فرصة لتصحيح أخطائهم ونبذ التطرف والتعصب والتكفير أمر قد يساعدهم ويساعد آخرين على تجنب هذا الطريق المهلك، والاندماج في المجتمع المغربي المتعدد والمتناقض أحيانا، والذي يعيش فيه يجب أن يقبل به… هذا شيء، واستغلال السلفيين الخارجين من غياهب السجون سياسيا وانتخابيا شيء آخر تماما.
الذي يريد أن يمارس السياسة، ويتقدم إلى الانتخابات، ويدخل إلى البرلمان، ويشكل الحكومات يجب أن يتوفر على برنامج سياسي.. على أجوبة لمشاكل المغرب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية… ثم أن يحصل على ثقة الناخب، وبعدها أن يحترم الدستور وقواعد اللعبة الديمقراطية، وأولها ألا يخلط بين الدين والسياسة، بين الذراع السياسي والذراع الدعوي.
الذي يسعى إلى الحكم يجب أن يدخل إليه من باب السياسة، والذي يسعى إلى «الدعوة»، أو لنقل، للدقة، نشر نمط من التدين، فيجب أن يدخل إليه من باب العمل التطوعي في الحقل المدني والثقافي والتربوي… ولكل مجال قواعده وخطابه وناسه وأهدافه ووسائله.. هذا بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع السلفيين أو غيرهم حول استيراد نموذج تدين «خليجي» أو مصري أو أفغاني أو باكستاني إلى المغرب، هذا موضوع آخر. المجتمع الحر والديمقراطي يقبل مناقشة كل المشاريع، حتى تلك التي تبدو غارقة في الماضي، ومهووسة بالبحث عن سلف صالح يستحيل إعادة بعثه من جديد في زمن غير زمنه وبيئة غير بيئته… من حق السياسيين بل من المفروض فيهم أن يتوفروا على خلفية إيديولوجية أو فكرية، أو نزعة أخلاقية في عملهم وفي برامجهم، لكن دون خلط بين المسجد والبرلمان، بين التنافس على أصوات الناخبين والتبشير بالجنة أو النار.
يحكي الجزائريون نكتة معبرة عن الشيخ علي بلحاج، الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ، التي كانت تخلط بين الدين والسياسة في بداية التسعينات في بلاد خرجت من جبة الحزب الواحد إلى غابة التعددية دفعة واحدة دون مقدمات. تقول النكتة إن مواطنا جزائريا سأل علي بلحاج، بعد أشهر من فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بجل البلديات في الجزائر: «يا شيخ، لقد وعدتنا بمنزل لائق بكرامتنا إذا فزتم في الانتخابات، وها قد مرت أشهر على إدارتكم شؤون البلدية، ولم نر بعد مفتاح هذا المنزل»، فرد عليه الشيخ على بلحاج: «يا أخي، نحن وعدناكم ببيوت في الجنة وليس بمساكن في هذه الدنيا الفانية».
كما أنني لا أتفق مع الكوميسير عرشان على تأسيس ذراع دعوي لحزبه، لا أتفق مع وجود رموز لحزب العدالة والتنمية في أجهزة حركة التوحيد والإصلاح، كما لا أتفق مع وجود ذراع صوفي لوزارة الأوقاف في الحقل الديني.
شريط الأخبار
أزمة المحاماة والتهميش الدستوري لهيئة المحامين/حق المعتقل في الاتصال بمحاميه (2)
بلعيد الفقير رئيسا جديدا لحسنية أكادير خلفا لأمين الضور
الإصابة تغيب لاعب المنتخب المغربي سفيان ديوب عن كأس الأمم الإفريقية
سحر الصديقي تكشف سر نجاح شخصية عفاف في “إلى ضاق الحال” وتمهد لعمل جديد
بنعطية مستشارا رياضيا في نادي مارسيليا
فصيل مشجعي الوداد البيضاوي يطالب الناصيري بالرحيل
انطلاق برنامج لتكوين الشباب في الحرف المهددة بالانقراض الإثنين المقبل بفاس
دوري أبطال أوربا: غلطة سراي يحيي آماله في التأهل وآرسنال يلتحق بركب المتأهلين وريال مدريد بالعلامة الكاملة
نقابة الصحافة تنتقد عدم إشراكها من طرف الحكومة في إعداد مشروع دعم الصحافة
البطولة.. مريانة يقود تداريب الكوكب المراكشي إلى حين التعاقد مع مدرب جديد
