ما الذي يميز منظومة اقتصاد الريع في الصحراء، عن باقي التراب الوطني؟
منظومة اقتصاد الريع في الأقاليم الجنوبية ترتبط بشكل كبير بظروف وشروط مرحلة ما بعد استرجاعها، حيث فرضت الظرفية الوطنية والدولية إيجاد آليات لتثبيت الساكنة بالمنطقة، تعزيز جاذبيتها بالنسبة إلى الأطر الإدارية والعسكرية وعامة الباحثين عن ظروف معيشية، بالإضافة إلى الرغبة في كسب الدعم السياسي لفئات واسعة من السكان الأصليين لتلك الأقاليم.
هذه المنظومة الاقتصادية توزعت بشكل عام بين تخفيف العبء الضريبي عن الاستهلاك،عبر تخفيض بعض نسب الضريبة على القيمة المضافة أو إلغائها بشكل تام، على نحو استثنائي مقارنة مع باقي أقاليم المملكة، مع منح أدونات خاصة وبطائق الإنعاش الوطني بالنسبة إلى العائدين أو في أوساط الشباب العاطل، بالإضافة إلى رخص خاصة لاستغلال بعض الأنشطة الاقتصادية كالصيد في أعالي البحار، دون طلبات عروض أو التزامات استثمارية محددة وذات طبيعة تعاقدية بين الدولة والمستفيدين. على أن تلك المنظومة، وبغض النظر عن تأثيرها في مسار القضية ومدى نجاعتها في تقوية الجبهة الداخلية، ودورها كآلية للضبط النفسي والسياسي لبعض الفئات الاجتماعية والقيادات والزعامات المحلية السياسية والقبلية المؤثرة، فإنها بالمقابل أصبحت تنتج أشكالا من التوتر الاجتماعي بين من يعتبرون أنفسهم خارج تلك المنظومة، ومن يتهمون بالاستفادة من امتيازات اقتصادية غير مشروعة.
ما أسباب نشأة هذا الريع؟ وما هي الجهات المستفيدة من هذا الريع، وهل هي فئات محدودة أم شرائح واسعة؟
يجب التأكيد على أن جاذبية المرتكزات السياسية للطرح الانفصالي، سواء في أوساط الساكنة، وخصوصا الشباب، أو على المستوى الدولي، قد بدأت في الخفوت، بالنظر إلى التحولات الدولية والإقليمية التي جعلت بعض الشعارات التي تأسست عليها أطروحة الانفصال تصبح ضعيفة التأثير في صيرورة الملف، وهو ما جعل الجبهة تنتقل إلى مستوى آخر من المواجهة مع المغرب، يرتكز على محور التنمية الاقتصادية وتدبير الموارد الطبيعية المحلية. ونتذكر جميعا محاولات بعض الفرق في البرلمان الأوروبي حصر مجالات نفاذ اتفاقية الصيد البحري أو التبادل الحر في منتوجات شمال المملكة.
في هذا الإطار يندرج المشروع الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية، على التأسيس لاقتصاد سوق حقيقي، تنافسي ومنتج، قادر على توفير شروط خلق الثروة الاقتصادية وتحقيق شروط الكرامة والعدالة الاجتماعية بين جميع سكان الصحراء، وخصوصا استيعاب تطلعات الأجيال الجديدة من الشباب، التواقة للقطع مع وصاية المؤسسات التقليدية من الشيوخ والعائلات والقبائل، مما يعكس في العمق التحولات التي مست المجتمع المحلي، الأمر الذي يستلزم وعيا من طرف الدولة المغربية للذهاب في اتجاه التأسيس لقطاع خاص اقتصادي بالأقاليم الجنوبية، قادر على الاستمرار دون التنفس الاصطناعي الذي لطالما وفرته الدولة، عبر استنادها على التوظيف بالقطاع العام ومنح الرخص الاستغلال.
ما الذي يفسر إقدام الدولة على الاعتراف بهذا الريع رسميا وإعلان القطيعة معه؟
أعتقد أن القطاع الخاص لم يلعب أدواره الوطنية الأساسية المطلوبة منه طوال سنوات، فإذا كان من الممكن تفهم تردد الاستثمار الأجنبي، بالنظر إلى الاعتبارات السياسية المرتبطة بتواصل طرح النزاع على أنظار الأمم المتحدة، بالإضافة إلى التهويل والتخويف الذي لطالما روجت له الأوساط الانفصالية. في المقابل لم تمتلك الباطرونا المغربية الإرادة اللازمة من أجل تجاوز الوضع القائم بالأساس على منظومة اقتصادية ريعية غير منتجة، خصوصا أن قطاعات اقتصادية واسعة، كانت خارج تلك المنظومة، وكانت تحتاج فقط، إلى تصور تنموي للجهات الجنوبية الغنية بالوعاء العقاري وفرص التنمية. في هذا الإطار، وجب استيعاب تحديات المرحلة المقبلة، وتجاوز المنطق الذي يرتكز على الاعتقاد بأن الدولة تريد توفير الحماية الاقتصادية لبعض الفاعلين الاقتصاديين وبعض الفاعلين المحليين، على حساب إقرار المنافسة، وهو ما أكد الخطاب الملكي على القطع معه.
* أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء