توفيق بوعشرين:في هذا البيت ولدت داعش

19 نوفمبر 2015 - 22:48

من أين أتى هذا الوحش المسمى داعش، الذي يقود حملة توحش عابرة للحدود، ويحترف القتل والإرهاب من أجل إشعال حرب دينية بين المسلمين والمسيحيين، وحرب طائفية بين الشيعة والسنة، وحرب عرقية بين العرب والأكراد، وذلك بغية خلق إيديولوجيا حرب قوية تستقطب إليها مقاتلي «الرب» المهمشين والفاشلين والمحبطين، من أجل إعطاء معنى لحياتهم وقيمة لموتهم؟ كيف كبر تنظيم داعش حتى صارت له دولة وعلم وشعب وميزانية وأسلحة وفكر ومادة إيديولوجية فعالة لغسل الأدمغة، ودفع شباب في مقتبل العمر إلى الانتحار وتفجير الذات التي لم يعد لها مكان بين بني البشر؟
يمكن للمرء أن يجد ثلاثة آباء شرعيين لداعش التي ترفع شعار «باقية وتتمدد»، والتي نقلت معركتها إلى الغرب بعد أن أنجزت مهمتها في الشرق، وحصلت على دولة وآبار نفط و40 ألف مقاتل جاؤوا من 30 دولة عبر العالم للقتال تحت العلم الأسود.
الأب الأول لداعش وأخواتها هو الفوضى الدولية التي تعصف بالعالم، حيث القانون غائب عن الساحة السياسية والاقتصادية والعسكرية و البيئية والطاقية، فلماذا لا تمتد الفوضى إلى السوق الإيديولوجية راكبة ظهر العولمة الذي حملها إلى كل بيت وهاتف وكمبيوتر محمول… الأمم المتحدة أصبحت منبرا للخطابة كل سنة، والدول الكبرى التي تملك حق الفيتو في مجلس الأمن وقوة السلاح والاقتصاد لا تؤمن بشيء اسمه القانون الدولي ولا السلم العالمي. كل دولة لا ترى أبعد من مصالحها الذاتية، ولا تهتم بمصير الآخرين، وبالتالي، بمصير العالم. انظروا إلى كل دولة على حدة، وكيف كانت ترى داعش أشهرا فقط قبل مجزرة باريس: إسرائيل تنظر بإعجاب إلى داعش، وترى أنها هدية من السماء لأنها تضعف نظام الأسد، عدو تل أبيب التقليدي، وتورط حزب الله في المستنقع السوري، وتقسم المقسم، وتجزئ العالم العربي. تركيا لا ترى أن داعش هي الخطر الأول، بل الخطر الأول هم الأكراد الذين إن انتصروا على داعش فإنهم سيشكلون دولة جديدة على حدودها، وسيدفعون حزب العمال الكردستاني إلى ضم الجزء التركي إلى الدولة الكردية الموعودة. أكراد العراق لا يعتبرون داعش هي المشكلة الأولى، بل هاجسهم الرئيس هو الخوف من عودة الدولة المركزية إلى بغداد، لأن هذا معناه أن استقلالهم سيصير مؤجلا. نظام الأسد لا يرى أن داعش كلها سوء، بل يرى فيها ورقة لخلق داعتناقض بينها وبين جبهة النصرة والجيش الحر، لهذا أخلى الجيش السوري مناطق كثيرة دون قتال لداعش، وسمح لها بالاستيلاء على بعض آبار النفط لتسمينها. أمريكا لم تكن ترى في داعش خطرا لأنها لا تنظر بعين الرضى إلى تمدد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا، أما السعودية فإنها لا تنام بسبب الكابوس الإيراني، أما داعش فإنها تعرفها وتعرف فكرها، وترى أن توظيف التطرف ليس لعبة خطيرة على كل حال مادام فكرها السلفي الجهادي صناعة محلية في شبه الجزيرة العربية.
الأب الثاني لداعش هو الاستبداد العربي الذي يخلق بيئة خالية من الحرية والتنمية والتعددية، وكلها مقومات ضرورية لإذابة جليد التطرف والكراهية والعنف الذي يولد من رحم الدول والمجتمعات السلطوية التي تمنع الأفراد من تحقيق ذواتهم، والتعبير عن أفكارهم، والوصول إلى جزء من الثروة والسلطة والوجاهة، وهي العناصر الثلاثة التي تشكل وقود الحياة في عالم اليوم. مازلت أتذكر جملة سمعتها من السفيرة السابقة لأمريكا بالرباط، مارغريت تيتويلر، قالتها للصحافيين الذين حضروا حفل وداعها الأخير، مفادها: «لو كان في السعودية برلمان لكان أسامة بن لادن معارضا في أقصى الحالات، وليس جهاديا في كهوف تورابورا». عندما تغلق البرلمان والحزب والجريدة والنقابة والجمعية والمجال العام، لا يذهب المواطنون جميعا إلى بيوتهم وإلى فراش زوجاتهم، بل يتوجه بعضهم إلى المساجد يطلبون الخلاص في الدين، ويبحثون عن الجنة في الآخرة عِوَض البحث عنها في الدنيا، وهنا يصير التطرف عملة رائجة، والعنف أداة تختصر المسافات الطويلة، والإرهاب هو سلاح الدمار الشامل.
الأب الثالث لداعش وأخواتها هو الإصلاح الديني الغائب، منذ أكثر من قرن ودعوة الإصلاح الديني على طاولة العالم الإسلامي. منذ جمال الدين الأفغاني إلى يومنا هذا لم يجد أتباع الدين الإسلامي مشروعا إسلاميا تجديديا يخلص قيم الدين الإسلامي العالمي من ثقافة البداوة والجهل والتخلف والعنف الذي يحاصر العرب والمسلمين منذ نزولهم عن عرش الحضارة المعاصرة قبل قرون، وتحولهم من منتجين لقيم التقدم إلى مستهلكين، من حاكمين إلى محكومين. لم نعثر بعد كمسلمين على وصفة لتكييف أنماط التدين مع قيم العصر، ولم نهتدِ إلى مصالحة تاريخية بين التراث الإسلامي وبين مشروع الديمقراطية المعاصرة. أصبح الفهم الضيق للنصوص والتأويل العنيف للدين والاستعمال المسيس للقرآن والتوظيف السيئ للسنة النبوية تقاليد مستحكمة في بنية الجماعات الأصولية المتطرفة، ولأن المناخ السياسي والاقتصادي في العالم العربي معبأ بالاستبداد والفقر والحرمان والجهل، فإن داعش، وقبلها القاعدة، وقبلهما التكفير والهجرة… وجدوا البارود الكافي لبنادقهم، ووجدوا الذخيرة الحية لمدافعهم…
محاربة داعش لا تكون بالأحكام الجاهزة وبيانات الإدانة فقط. إن الفهم مقدم على الحكم، وتفسير الظواهر المعقدة نظريا لا يعني تبريرها واقعيا، والذي لا يفرق بين التفسير والتبرير عليه أن يراجع دروسه جيدا.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مصطفى ايت خويا منذ 7 سنوات

داعش باختصار هي صناعة إسرائلية،وخير دليل هو عدم تعرض الكيان الصهيوني لأي اعتداء سواء داخل إسرائيل،أو إحدى سفاراتها المنتشرة في العالم،وأكاد جزم و أقول بأن أي مواطن صهيوني لم يقتل في اعتداءات داعش التي قامت بتنفيذها.

Yosf منذ 7 سنوات

كما قالت كريستينا رئيسية اﻷرجنتين داعش صناعة أمريكية بمساعدة عملائها العرب

elmehdiboutalha منذ 7 سنوات

الارهاب في الحالة العربية عموما صنعه الاستبداد العربي المسنود بالاستعمار الغربي والذي يتحرك بالارادة الصهيونية العالمية.

أحمد منذ 7 سنوات

كل جهاز مخابرات في العالم يستطيع الآن أن ينفذ عملياته القذرة ويعلقها على مشجب داعش، والمسلمون يدفعون الثمن من دمائهم. كل نظام مستبد يمكنه أن ينشأ شرعية ويلقى دعما بخلقه لجناح داعشي وإدعاء محاربته كل من يريد أن ينتقم من دولة ما أو من شركة ما أو أو... يستطيع أن يدفع للمافيا لتفجر.. ثم يتبناها باسم داعش كل من يريد أن يسبب للمسلمين قتلا أو تهجيرا أو تضييقا فليفجر في مكان ما وليتبنها داعش لا بأس فالحرب العالمية الثالثة قائمة على أشدها، وسفك الدماء وصل للركب، لكن الضحايا كلهم مسلمون

جوادد منذ 7 سنوات

هناك سبب آخر هو تدخل الغرب في الشرق من أجل تدميره وإرجاعه سنوات إلى الوراء ليبقوا هم في المرتبة الاولى والمنتجين والمصدرين لجميع المنتجات في حين يبقى الشرق والعالم العربي في المرتبة الأخير مستوردين مستهلكين وبالتالي يسهل عليهم التحكم في ثرواتهم. وهذا يتجلى من خلال تدمير العراق وتسليمه الى الميلشيات لتتناحر في ما بينها مدمرة ما تبقى منه وبعد فوات الاوان اعترف وزير الدفاع الامريكي ان غزو العراق كان خاطئ واعتمد على معلومات خاطئة والان تدمر سوريا والغرب يتفرج او يشارك في تدميرها ومن ضمنهم توجد فرنسا حيث الطائرات الفرنسية تدمر الأحياء وتصيب الاطفال والشيوخ - كذلك تدمير اليمن وليبيا حيث كانت فرنسا فاعة ومتحمسة للاطاحة بالقذافي ونشر الفوضى وزرع بذور الفتنة فيه وكذلك تدعيمهم للانقلاب الذي حدث في مصر واستقبالهم للسيسي رغم المجازر التي ارتكبت في حق آلاف المصريين . أليس سكان هذه الدول مسلمون ومن حقهم العيش في أمان وعلى الغرب أن يحزن لهم ويقف دقيقة صمت من أجلهم .

ع المصلوحي منذ 7 سنوات

ادا لم تستعجل الاصلاحات الضرورية في كل المجالات الضرورية عندنا نحن العرب ,سنرى الاعجب والاخطر اما الغرب فهم يعرفون جيدا قيمة ذيننا فهم يحاربوننا بدمقراطيتهم.

محمد منذ 7 سنوات

أوافقك الرأي وأقول : يمكن تلخيص الآباء الثلاثة تحت مسمى واحد وهو الشعور بالظلم والقهر والاستبداد. استبداد بعض الحكام العرب واستبداد الغرب الذي بدأ بالحرب على العراق وافغانستان كون البيئة المناسبة لمولد الإرهاب

اهتموا بهذه الطريق إن كنتم صادقين منذ 7 سنوات

ما أوجزها هذه الطريق - لو يعلمون أو لو يقتنعون أو لو يُفَعِّلُونها حقا - وما أرحمها بالبشرية لو لم تكن هناك شركات أسلحة... يُخيّل إلي أن ليس مَن يحفظ المغرب بعد الله تعالى يقضة الأمن والاستخبارات فقط، ولكن أيضا هامش الحرية والديموقراطية ، نعم ، اسمعوا يرحمكم الله: ألا يكون السماح للحركات الاسلامية بالانخراط في العمل السياسي والتشجيع عليه سلاحا قويا ضد استقطابات داعش؟، وبالمقابل ألا تكون محاصرة التيار الاسلامي في مصر مثلا والتضييق عليه ووو زيتا ينتظر شرارة داعش في قابل الايام؟ وأن ذلك ما تريده الدواعش كي لا يبقى أمام المحبط سوى الحزام الناسف، اسمعوا أيها الغربيون: لقد برهنت تفجيرات باريس الإرهابية أكثر على أن الانتحاريين لا يرجون الجنة بعملياتهم، بل الحقيقة الغائبة عنكم أنهم يرجون مغادرة الدنيا بأقصى سرعة حتى ولو عبروا عن غير ذلك ، فانظروا في سلوكاتهم وتاريخهم وحياتهم المرة التي لم يعرف مآلها من يدير شؤونهم ولا من يقتل آباءهم وأقاربهم بطائرات الأباتشي منكم شكرا وإلى أن تفهموا وتتعضوا ، وتنصحوا لأنفسكم وتعدلوا، وتستيقن نفوسكم أن دين الإسلام بقرآنه وحديثه هو لله قاهر كل شيء بأي شيء يريده، حتى ولو بداعش، فمن يدري يا ترى؟ دمتم في عالم أفضل تحبونه ويحبكم

حاتم منذ 7 سنوات

غياب العقل الجمعي وفداحة الجهل الذي يعصف بعقولنا منذ صبانا ومنذ صفوف مدارسنا الأولى وهم يشحنون عقولنا بتاريخ مغلوط ودين مغلوط يقدس كل شيء من العلم إلى الحجر. تخمة في الدين زائفة حتى أصبح الكل يريد أن يدافع عن الله ناسين أو بالأضحى جاهلين أن الله هو الذي " يدافع عن اللذين آمنوا"سورة" الحج38

M.KACEMI منذ 7 سنوات

لا أعتقد شخصيا أن الإصلاح الديني المطلوب ممكن في إطار وضع الاستبداد السياسي في عالمنا العربي. بل أرى أن الإصلاح السياسي المتمثل في دمقرطة الحياة العامة شرط لا مناص منه للإصلاح الديني. ذلك لأن هذا الأخير يقتضي جوا من الحريات العامة يسمح بزحزحة المألوف وإعادة النظر فيه بالجرأة اللازمة، بمبادرة حرة ومستقلة ممن هم أهل لذلك، أي أهل الفكر الملمين بقضايا الدين في ذات الوقت، ودون التعرض لقمع القائمين على الأمور. وأما الاستبداد، فلن يسمح إلا بما يخدم دوامه، أي "ثقافة البداوة والجهل والتخلف" وما تعنيه هذه الثقافة من مقاربة تقليدية يغيب فيها إعمال العقل لأمور الدين. سيكون إذن من الصعب، إن لم يكن من الوهم، توقع استئصال ظاهرة الإرهاب دون تحقيق شرط الديمقراطية في عالمنا العربي. يبقى السؤال الصعب: هل نحن كعرب مؤهلون لتحقيق هذا الشرط؟

حمادة منذ 7 سنوات

الأب الأساسي والرئيسي الذي تحاشى الكاتب ذكره في مقاله هو عائدات النفط والغاز الوافدة من الخليج والتي تصب بالأطنان في خزائن داعش لتدمير الدول التي لا ترضى عنها الأنظمة الخليجية الرجعية التي ما زالت تحكم شعوبها بعقلية القرون الوسطى، ناهيك عن الفتاوى التكفيرية الصادرة عن شيوخ الظلامية القابعين في الجزيرة العربية، بالإضافة للإمبراطورية الإعلامية الجبارة التي تلبس الحق بالباطل والباطل بالحق وتتسلط على كل من يرفض الإذعان للأسر الحاكمة في الخليج.

التالي