توفيق بوعشرين :أوقات صعبة

20 نوفمبر 2015 - 21:50

المعلومة هي السلاح الأكثر فعالية لمحاربة الإرهاب، والمعلومة الأكثر أهمية وسط دراما باريس جاءت من الرباط، وقالت للفرنسيين، الذين أصيبوا بصدمة كبيرة جراء المجزرة، إن العقل المدبر لغزوة باطكلان يوجد في شمال باريس، وبالضبط في حي سان دوني، وليس في سوريا كما تعتقدون، وإن عبد الحميد أباعود، البلجيكي من أصل مغربي، مختبئ في إحدى الشقق هناك مع قريبة له تدعى حسناء آيت بولحسن.
سقط أباعود في مواجهات عنيفة مع الشرطة الفرنسية، وأعلن النائب العام الخبر رسميا بعد أن جرى التعرف على هويته عن طريق ADN لأن جثته شوهها الرصاص، ولم يعد أحد قادرًا على التعرف عليه… لعل هذا التعاون الأمني والاستخباراتي المغربي مع أجهزة الأمن الفرنسية يشفع لمليون و500 ألف مغربي الذين يعيشون في فرنسا، ويعانون اليوم بسبب نظرات الشك والارتياب والاتهام، وانتعاش خطاب عنصري يريد أن يضع 5.4 ملايين مسلم يعيشون في فرنسا في قفص الاتهام.
وزير الداخلية الفرنسي، برنارد كازنوف، ذكر يوم أمس أن «دول الاتحاد الأوروبي لم تعط أي معلومة لأجهزة الأمن الفرنسي عن دخول أباعود إلى الأراضي الأوروبية، وأن المعلومة التي جاءتنا عن وجود العقل المدبر لأحداث باريس جاءت من بلد غير أوروبي»، لكنه لم يذكر هذا البلد ولم يشكره، بل عمد إلى ذكر أصول الإرهابي المغربية قبل البلجيكية عندما قال: «أباعود مغربي بلجيكي»، عِوَض أن يقول إنه بلجيكي من أصل مغربي… هذه إشارات غير طيبة من أصدقائنا الفرنسيين، فمن شأن إعلان اسم المغرب كمصدر للمعلومة التي قادت إلى قتل قائد خلية باريس أن يخفف من مشاعر الغضب لدى اليمين الفرنسي وجمهوره العريض اتجاه المسلمين والمغاربة، على اعتبار أن الرباط منخرطة في الحرب على الإرهاب، وتستثمر أجهزتها موارد بشرية ومادية كبيرتين في أوروبا وفي سوريا من أجل الوصول إلى المعلومات التي تفيد في حماية أرواح الأوروبيين وغير الأوروبيين من الإرهاب الأعمى.
هذا ليس وقت عتاب لأن أصدقاءنا الفرنسيين مرتبكون، وأجهزتهم الأمنية معرضة لنقد شديد ومحاسبة عسيرة. وإذا كانت وسائل الإعلام مازالت تحترم فترة الحداد، ومعارضو هولاند مازالوا يحتفظون بسيوفهم في أغمادها، فهذا أمر مؤقت سرعان ما سيزول، ليعوضه نقد شديد للاستخبارات التي لم تفلح في اصطياد خلية باريس، ولم تستطع، بعد أربعة أيام، أن تعرف أن أباعود، مهندس هجمات باريس، موجود على أراضيها وليس في الرقة السورية…
بدأت نبرة الخطاب العنصري تتصاعد في فرنسا ضد الفرنسيين المسلمين وضد المهاجرين، وبدأت ألسنة الشعبوية تمتد إلى أحياء بكاملها، حيث دعا سيئ الذكر إيريك زمور إلى قصف حي كامل في بلجيكا اسمه مولمبيك بدعوى أنه أصبح عشا لتفريخ الإرهابيين، وقال زمور، الفرنسي اليهودي، إن الجيش الفرنسي عليه أن يقصف «مولانبكستان» عِوَض قصف الرقة.
الرئيس الفرنسي، وأمام هول الصدمة، وحتى لا يتهم بالضعف وبالتقصير في اتخاذ كل الإجراءات من أجل حماية الأمن الفرنسي، اختار سياسة أمنية متشددة تميل إلى خارطة اليمين أكثر مما تميل إلى التوجهات التقليدية لليسار، الذي يدعو إلى التوازن بين حماية الأمن وحماية الحريات العامة والفردية، وإلى ملاحقة الإرهاب لكن داخل حدود القانون ودولة المؤسسات.
لقد مدد هولاند حالة الطوارئ في البلاد، ما يعني أنه يعطل القانون واختصاصات القضاء وحرية التعبير، وبمقتضى هذا الإجراء الاستثنائي وضعت الأجهزة الأمنية 10 آلاف فرنسي مسلم على قائمة المشتبه في كونهم يحملون توجهات متطرفة، وجرى وضع المئات في الإقامة الإجبارية من قبل الشرطة دون إذن قضائي ولا ملفات مضبوطة، كما جرى أمس اتخاذ قرار حساس يتعلق بإغلاق مواقع على النيت يشتبه في ترويجها مواد تحرض على العنف، أما المقبل من الإجراءات فهو تعديل الدستور للحد من حرية التنقل ومن شروط منح الجنسية ونزعها، وتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية وفق قوانين جديدة كلها ستوضع تحت ضغط الخوف والغضب.
أمس أصدرت نقابة الصحافيين الفرنسيين بلاغا شديد اللهجة ضد الإجراءات الأمنية المتشددة للسلطات الفرنسية، داعية إلى احترام حرية التعبير والنشر رغم الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وقال البيان: «وظيفة الصحافة ينبغي أن تستمر في مساءلة السياسة الحكومية رغم الوضع الدرامي الذي يعيشه البلد، حيث يجب أن يستمر الصحافيون في تحقيقاتهم بخصوص نتائج تدخل فرنسا عسكريا في عدد من مناطق العالم، وبيع أسلحة لديكتاتوريات عسكرية ودينية في الشرق الأوسط. لا يجب على الصحافيين أن يصبحوا أداة لصالح الدعاية العسكرية».
عندما كتبنا هذا الكلام قبل صدور بيان نقابة الصحافيين الفرنسيين خرج من يتهمنا بالعبث في التحليل وتبرير الإرهاب باسم السياسة، في حين أن إدانتنا للإرهاب كانت واضحة، لكن إدانة الإرهاب لا تلغي البحث عن جذور العنف الديني والسياسي الكامن وراء هذا العمل. يختلف الإرهاب عن جريمة الحق العام، لأن الأول وراءه فكر وإيديولوجيا وسياسة وموقف، وحتى وإن كان مدانا يجب أن يحلل ويسلط عليه الضوء، أما الجريمة فوراءها بواعث ونوازع فردية أو نفسية أو مادية أو جنسية… هذا ما انتبهت إليه نقابة الصحافيين الفرنسيين التي تريد للأسئلة، كل الأسئلة، المتعلقة بالإرهاب وبمواقف فرنسا وسياساتها أن تعبر عن نفسها، وأن تضمن لنفسها مكانا في المجال العام والنقاش العمومي.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

مواطن من تطاون منذ 7 سنوات

حسب رأيي لكي تتجنب الدول الغربية والأنظمة العربية التابعة لها الارهاب المادي يلزم الجميع أن يلتزموا المباديء التالية: 1- احترام جميع الأديان السماوية وعلى رأسه الدين الاسلامي ، حيث نلاحظ أن هذه الدول الغربية والأنظمة العربية تحارب الاسلام بمنهجية منظمة ومنسقة فيما بينها، وقد تم ذلك منذ عقود من الزمن انطلاقا من الدراسات الاستشراقية التي ابتدأتها فرنسا وانجلترا وروسيا قصد التأثير على معتقدات المسلمين وسلوكياتهم وعاداتهم وتغيير بنية الفكر الاسلامي ، بينما تعمدت الأنظمة العربية تغيير العقل المسلم وسلوكياته من خلال المناهج التربوية العصرية وتمييع أخلاقياته عبر الوسائل الحديثة مثل وسائل الاعلام ونشر الثقافة الغربية باسم الحداثة والتقدم. ان هذا التطور الممنهج الذي تستخدمه الدول العربية في محاربة الاسلام عقيدة وسلوكا بدعم من الغرب أدى ذلك الى خلق وعي متميز لدى قوى من المسلمين من العلماء والمفكرين الذين أسسوا ما يعرف بالحركة الاسلامية في جل أقطار العالم الاسلامي للرد على عدوانية الغرب والأنظمة العربية التي تسير في فلكها. 2- أن تحاول الدول الغربية أن تعيد حساباتها اتجاه العالم العربي خاصة منطقة الشرق الأوسط بما تحتويه من مواقع استراتيجية هامة وثروات طبيعية لا حصر لها ومقدسات دينية للمسلمين والمسيحيين ، بحيث يلزم هذه الدول الغربية أن تقطع قطعا تاما مع احتلالها العسكري والهيمنة الاقتصادية لهذه المناطق العربية وتنسحب منها لتقدم الدليل للشعوب العربية على مصداقية ونزاهة علاقاتها بها ، وأن تلتزم هذه الدول الغربية بعدم تعاونها ودعمها العسكري والمادي للأنظمة العربية الديكتاتورية مما يعطي ذلك لدى الشباب والناس تصورا وأفكارا حقيقية على وجود مؤامرات على المسلمين وضد الاسلام. 3- أن تقطع الدول الغربية دعمها للكيان الاسرائيلي سواء كان دعما اقتصاديا أو عسكريا أو استراتيجيا ، وأن تكفر هذه الدول عن جرائمها الاستعمارية عندما منحت لليهود أسباب استعمار واحتلال فلسطين والاستيطان فيها بالرغم من أنوف أهاليها الأصليين والحقيقيين. 4- أن تراجع الدول الغربية أدوارها التي تفتعلها في منطقة الشرق الأوسط من الناحية الاستراتيجية العسكرية وذلك من خلال محاربتها لصنيعتها الارهاب الدولي المتمثل حاليا في منظمة داعش ، فالارهاب اليوم الذي تواجهه الدول الغربية والأنظمة الدائرة في فلكها انما يعتبر مطية وأداة توظفها القوى العظمى كفزاعة لاخافة شعوب العالم من الاسلام خاصة المجتمعات الغربية وجر كل القوى العسكرية الى منطقة الشرق الأوسط قصد تحقيق أهدافها الاستراتيجية والعسكرية ، وهذا ما تم فعلا عندما أقنعت الولايات المتحدة الأمريكية روسيا وايران وتركيا وأخيرا فرنسا الى مستنقع سوريا تحت يافطة محاربة منظمة داعش.

حنان مهاجره منذ 7 سنوات

الله لا بارك لهم جعلوا العالم كله يكره المغاربه اينما كانوا .حسبي الله ونعمه الوكيل

Adil منذ 7 سنوات

الأفعال إما وليدة أفكار أو رد على أفعال. لكن أصولها دائما منظومة من الأفكار. و الإرهاب كفعل و عمل لا يخرج على هذا النطاق. و الأصل في هذا العمل، الذي هو إجرام، هو إعطاءُه صفة الشرعية. هنا تستعمل قدسيات الدين لإضفاء شرعية أعلى من شرعية القوانين على هذا العمل بغض النظر عن الأهداف. يجب علينا أن نَصْدُقَ أنفسنا و نعترف بوجود ترسانة ضخمة في تراثنا الفكري الإسلامي جاهزة لإضفاء مثل هاته الشرعية على مثل هذا العمل. الأجيال المسلمة الناشئة و القادمة أمامها مسؤولية التنقيب و التمحيص في هذا التراث لتطهيره و تقويمه و تحديثه، و ليس تجديده. للقيام بذلك، لا هروب عن النظر في المنظومة الدينية كذلك إذ أن هناك مدارس متنوعة، لكل منها تاريخ و تراث. التطرق لهاته المدارس و أفكارها و آلياتها يستوجب إيجاد مرجعيات أساسية يحتكم إليها لإضفاء شرعية دينية حقيقية تلزم الجميع. إيجاد هاته المرجعيات سيكون أهم حلقة في هذا العمل الضخم و الشاق. لكن هذا المسار الضروري سيتحقق إما طواعية كما هو معروض أعلاه بأقل تكلفة و بطريقة سلمية إلى حد ما، أو ستدفع كل الشعوب المسلمة ثمنا باهضا و سترى عنفا و دماءً و خرابا. كلما تأخر المسلمون عن البدء في هذا العمل الطويل كلما أوغلوا في الفوضى و الدمار و أطالوا في معاناتهم و معاناة إخوانهم في الإنسانية.

علال منذ 7 سنوات

ما الذي فعلته تونس لتتعرض لضربات الارهاب المتتالية الارهابي لا فكر له ولا يحتاج مبررا لقتلك فهو كصياد في غابة الجميع بالنسبة اليه طرائد

التالي