توفيق بوعشرين: هذه هي الفتنة الحقيقية

27 نوفمبر 2015 - 22:05

الفتنة لم تكن نائمة في طنجة وتطوان والرباط والبيضاء وسلا وتمارة والمحمدية، وغيرها من المدن التي يوزع فيها الماء والكهرباء من قبل شركات أجنبية. الفتنة كانت مستيقظة في البيوت وفي جيوب المواطنين طيلة 20 سنة، ولم تنفجر إلا أخيرا عندما وصل السكين إلى العظم، وعندما تمادت «أمانديس» في جمع البيض من تحت دجاجة التدبير المفوض، لهذا على رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي اتهم منشطي تظاهرات «طفي الضو» بأنهم يوقظون الفتنة ويهددون الاستقرار، أن يراجع نفسه، وأن يقرأ 71 صفحة من تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي قام بدراسة مهمة جدا بطلب من البرلمان حول سياسة التدبير المفوض في المغرب على مدى 20 سنة وأكثر، وإليكم أبرز خلاصاتها الصادمة التي تكشف حجم الفوضى المنظمة التي نعيشها، وتعطيكم فكرة عن حجم الفساد في دولة لا تعرف كيف تحمي مواطنيها ولا سيادتها ولا سمعتها في الداخل والخارج.
يقول التقرير: «إن المغرب شرع في العمل بعقود التدبير المفوّض قبل أن يضع أي نصّ قانوني لهذا المجال، ورغم صدور القانون عام 2006، فإن النصوص التنظيمية الضرورية لتفعيله وتوضيحه لم تصدر حتى الآن، فيما بقيت آليات المراقبة، التي تنصّ عليها عقود التدبير المفوَّض في مجالات النقل وتوزيع الماء والكهرباء والنظافة، مفتقرة إلى الاستقلالية عن الشركات المدبّرة، ومجرّدة من الحد الأدنى من الخبرة والكفاءة. الدولة تخلت عن صلاحيات سيادية لخواص مغاربة وأجانب دون نص قانوني، ودون ضمان ولوج متكافئ وشامل إلى المرافق العمومية، مع ما يهدد ذلك من مخاطر اجتماعية تمس حقوق المواطنين».
الله أكبر.. وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، ومعه طاقمه، وحولهم ممثلو السكان الذين لا يمثلون شيئا، وقعوا مع شركتي «ليديك» و«ريضال» عقد تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل سنة 1997 في الدار البيضاء والرباط وسلا وتمارة والمحمدية، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء وضع قانون يعطي الشرعية لهذا التفويض ويضبطه، ويحمي حقوق المرتفقين، ثم جاء السيد إدريس جطو في سنة 2002 وفعل الشيء نفسه مع «أمانديس» لتزويد طنجة وتطوان والعرائش بالماء والكهرباء دون إطار قانوني ولا نص تنظيمي، أما القانون فلم يصدر إلا سنة 2006، بعد أن ملأ الكثيرون جيوبهم من أموال المواطنين فقراء وأغنياء، أفرادا وشركات، وحتى عندما وضع قانون التدبير المفوض بعد تسع سنوات من توقيع عقد «ليديك» بالدار البيضاء، لم تضع الحكومات المتعاقبة (حكومة جطو وحكومة الفاسي وحكومة بنكيران) النصوص التنظيمية الضرورية لتفعيل ما جاء في القانون الناقص أصلا.
إننا نتحدث اليوم عن 13.5 مليون مغربي ضحايا التدبير المفوض لسلعة استراتيجية هي الماء والكهرباء، وعن 40 عقدا وقعتها الجماعات مع شركات أجنبية ووطنية لتدبير مرفق النقل خارج القانون. إننا نتحدث عن رقم معاملات سنوي يتجاوز 15 مليار درهم.
الدولة تخلت عن صلاحيات سيادية للخواص، مغاربة وأجانب، خارج القانون، هذا أولا، ووضعت دفاتر تحملات لا تلزم أحدا بشيء، هذا ثانيا، وأحدثت لجان مراقبة لا تراقب شيئا.. لجان لذر الرماد في العيون، هذا ثالثا، وكل هذا بتواطؤ سياسي ومالي مع أصحاب هذه «الهمزة»، هذا رابعا.
تأملوا الملاحظات التي أبداها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول لجان مراقبة شركات التفويض التي وضعتها الداخلية في «ليديك» و«ريضال» و«أمانديس». ما يوجد بين قوسين تعليق من عندي وليس كلام المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
1- هذه اللجان المكلفة بالمراقبة توجد في وضعية تضارب مصالح واضحة (الشركات الأجنبية هي التي تؤدي أجور وتعويضات المراقبين، وبالتالي، هي التي تتحكم فيهم. هل يوجد نموذج في التدبير في العالم يكون فيه المراقِب أجيرا عند المراقَب؟).
2- لجان التفتيش الموضوعة في شركات التدبير المفوض ينحصر عملها في فحص الوثائق التي تقدمها لها هذه الشركات. لا يقومون بزيارات ميدانية (إنهم يفتشون ما تريد لهم الشركات أن يفتشوه).
3- الشركات المكلفة بالتدبير المفوض هي التي تحدد الموارد البشرية والإمكانات المادية ووسائل العمل الموضوعة في يد لجان المراقبة هذه (هذا له اسم واحد: الضحك على الذقون).
هذا أحد أوجه الفساد الكبيرة في المغرب، وللأسف، لا توجد على الطاولة الحكومية جرأة سياسية لوقف هذا النصب والاحتيال المنظم على سيادة الدولة أولا، وعلى جيوب المواطنين ثانيا، وعلى المصلحة العامة ثالثا.
الأسبوع الماضي جاء رئيس الحكومة إلى البرلمان ليقرأ ما كُتب له من أجوبة حول مشكلة «أمانديس» وتظاهرات طنجة وتطوان الحاشدة التي وصل عدد المشاركين فيها كل سبت إلى 40 ألفا، وهذا ما كان يهدد الاستقرار الاجتماعي، لكن ليس بين كل ما قرأه بنكيران في البرلمان حلول جذرية لهذا المشكل. «حزب فرنسا» لا يزعجه الكلام، ولا حتى الاتهامات التي وجهها رئيس الحكومة إلى الشركات الأجنبية من أنها تهرب أرباحها بطرق غير قانونية خارج المغرب لتتملص من دفع الضرائب. حزب فرنسا في المغرب يهاب الفعل والقرار والقانون، وسلطة قوية لتطبيقه، أما التصريحات في الهواء فإنها تنفس الاحتقان الشعبي، وتعطي الانطباع بأن التغيير آتٍ، في حين أن المصالح والامتيازات حول الكعكة محروسة بعناية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ابو سارة منذ 9 سنوات

ومن يحمي المواطن البسيط من هؤلاء الشركات المتوحشة والمفترسه اليس هو بنكيران المنتخب من طرف الشعب

تلميذ بن كيران منذ 9 سنوات

سي توفيق أدار البوصلة في اتجاه جديد و بدأ يهاجم بن كيران ، لكن معك حق ، فبن كيران أعطى الضوء الأخضر لأخنوش بمتابعتك ، أدار لك ظهره بعد ان كنت تهلل له طيلة السنوات التي قضاها في الحكم ، هذا هو بن كيران صديقي ، لا يهمه إلا نفسه ، كان عليك أن تسأل عدد من زملائك الذين أدار له ظهرهم بعد أن اشتغلوا رفقته لسنوات

العروسي منذ 9 سنوات

التفويض أصلا شكل من أشكال التبعية وأسميه ترسيخ الاستعمار الاقتصادي في البلد وارى ان تركيا نجحت في مقاهي ومزارع الورود وأنشئت شركات لحراسة السيارات والآن تركيا انتقلت الى رقم 16 اقتصاديا والبنك الدولي يقترض من تركيا وهده هي السياسة التي يجب على روساء الجهات نهجها فالمغرب سوف يكون كتركيا المجاورة لليونان التي دعمت من أروبا ونامت حتى اصبحت نمودجا للبلد المتأزم الكسول المغرب انشاء الله سوف يتحدى دول البترو دولار ادا ما سمعنا لاقتراحات أناس كبوعشرين الدي اشكره كثيرا

طارق منذ 9 سنوات

بالنظر للموضوعية والإعتراف بالخطء والصدق والشفافية التي يتمع بهم السيد عبد الإلاه بنكيران ،لا اظن أنه سيركب راسه في تأييد بقاء مصاصي دماء المغاربة "شركات التدبير المفوض" ،بل سييقرر مافيه مصلحة البلاد والعباد .أعتقد أن المشكل الرئيس في هذا الملف ،أن الجهات الراعية للفساد ومنها ما ذكرت السيد بوعشرين "حزب فرنسا " لن تطلع رئيس الحكومة بالكوارث التي تقترفها هذه الشركات ،لأنها المستفيد الأول والاخير من وجودها في البلد ،بالإضافة إلى أن نقط السواد التي ترغب في بقائها الجهات المذكورة خارج مراقبة الحكومة هي هذه الملفات .

DRISS DE RABAT منذ 9 سنوات

Bravo c'est la réalité sans maquillage avec des solutions si on cherche à solutionner ce problème qui date de plus de 20 ans

larbi saih منذ 9 سنوات

الله معاك هده المواضيع يجب الحرس نشرها وتكرار ذلك مرات ومرات فهذا قد يجعل الكعكة مرة .....بل وملغمة .

Amori منذ 9 سنوات

اطلب من السيد توفيق بوعشرين ان يوفيد قراء هذه الجريدة عن الوزارة الوحيدة الثي هي تحت تسير سيادة رءيس الحكومه

جيوب المواطنين منذ 9 سنوات

الفلسفة السياسية في المغرب جيوب المواطنين ولا غير وهي نفس السياسية المعتمدة من طرف حكومة بنكيران . ما يجعلنا نطرح السؤال هل نحن داخل دولة ذات سيادة وذات قانون ودولة تحترم مواطنيها . نحن نتعجب كيف ان النهب يكون بهذه الطريقة وكيف يتم افراغ الصناديق ... ثم تأتي الحكومة الى المواطن البسيط ليؤدي هذه الكلفة ... اليوم التعليم العمومي سيطرح في المزاد حسب ما تم التصريح بذلك اما الصحة فالمناورة التي تعتمدها الحكومة لخوصصته بشكل اكثر فضاعة مما هو عليه ليصبح في يد تجار لا اطباء الأمر يؤكد ان المغرب يباع بالتقسيط بمعنى دولة بلا سيادة وبمعنى اخر مواطنين مستعبدين ... قطاعات اجتماعية تكون مجانية في جميع دول العالم تطرح في المزاد من اجل استنزاف المواطن المغربي ... الدعم الاجتماعي الدي كانت تقدمه الدولة يتم تخريبه من غير بدائل تحت مبرر ان هناك طبقات هي المستفيدة منه ... اذا اي معنى للانتخابات واي معنى للحكومات ... واي معنى للسياسة ... لقد احتل المغرب المرتبة الاولى من حيث الديون في عهد هذه الحكومة ... والبقة تأتي ... وما على المغاربة حتى اولئك الذين لم يولدوا بعد ان يجدوا على عاتقهم ديونا ستستخلص من صحتهم ومن تعليمهم ومن وظيفتهم ومن ....

مواطن من تطاون منذ 9 سنوات

أرجوك أخي الكريم بوعشرين أن تبين لنا من هو حزب فرنسا لأننا نعتقد أن هذا الأمر مرتبط بمجموعة من اللوبيات الاقتصادية أو الفرانكفونية التي تريد أن ترهن المغرب بالمصالح الخارجية لمؤسسات أجنبية ومصالح داخلية المرتبطة بمؤسسات مخزنية التي تريد تحقيق مصالحها الشخصية فقط وترسخ جذور هيمنتها الاقتصادية والمالية على مقدرات البلاد التي تنهبها بطريقة منهجية وقانونية ودستورية. وأخيرا أتسائل من أتى بهذه الشركات الأجنبية الى عقر بلادنا لتنهب ثرواتنا المالية ، فليكن رئيس الحكومة بنكيران شهما وصريحا وأن يقول الحقيقة ويكشف عن حقائق مجهولة التي يجهلها الشعب المغربي ، فليكن خادما لشعبه اذا أراد مرة أخرى أن ينتخبه مواطنوه في الاستحقاقات التشريعية القادمة.

youssef منذ 9 سنوات

التصريحات في الهواء فإنها تنفس الاحتقان الشعبي، وتعطي الانطباع بأن التغيير آتٍ، في حين أن المصالح والامتيازات حول الكعكة محروسة بعناية. (هذا هو المغرب بلملخص المفيد جزاك الله خيرا عن هذه القولة)

مواطن منذ 9 سنوات

االفتنة الحقيقية بدأت من اليوم الذي عجز فيه المغرب عن تكوين أو إيجاد أطر لتسيير المرافق العمومية كالماء والكهرباء والنقل وجمع النفايات كم في المغرب الذين يسمون دكاترة ومهندسين ومجازين وأساتدة جامعين وأطرعليا يوجد منهم الآلاف ولم يجد المغرب من بينهم 10 أو 20 يتولون تدبير المرافق العمومية ليتعاقد المغرب مع مجموعة من الأجانب يحسبون على رؤوس الأصابح لتولي تسيير هذه المرافق مقابل الملاييرالتي تخرج من البلاد سنويا وقريبا سيتعاقد المغرب مع اطباء وممرضين من الخارج لتطبيب المغاربة الفقراء في المناطق النائية لأن أطبائنا الذي ندرسوا بأموال الشعب - الله إيخلصهم ويجازيهم بخير - يرفضون الذهاب إلى هذه المناطق النائية خوفا من الإبتعاد عن الأب والأم ومن الوحدة والغربة والعقارب والأوحال وسيتبعهم قريبا الأساتذة كذلك هذه هي الفتنة الحقيقية أصحاب الشواهد - الذين لا أسميهم أطرا - يريدون المكتب المكيف والمجهز بالتلفزة والهاتف والزربية والسيارة والشاوش عند الباب أتحدى أي مسؤول كيفما كان عامل أوكاتب عام أو قائد ملحقة أو رئيس قسم أو رئيس جماعة - هذا الأخير نراه في فترة الإنتخابات فقط - إن كان يخرج إلى القطاع الذي يتولى فيه المسؤولية ويتجول فيه ويراقب كيف تسير فيه الأمور والأشغال جلهم لا نعرف إلا أسماءهم أما وجوههم فحرام أن نراها في الشارع الجامعات المغربية تفرخ موظفين للجلوس بالمكاتب فقط وليس أطرا لتسيير الأشغال والخروج من المكاتب في الثمانيات جاء إلى عمالة الدارالبيضاء بعض المهندسين الصينيين لم تكن لهم مكاتب بل كانت مكاتبهم فوق دراجاتهم النارية وملفات عملهم في حقائب على ظهورهم - اقول لبوعشرين سواء نشرت أم لم تنشر اللهم قد بلغت أن المغرب في حاجة إلى أطر العمل وليس موظفين للمكاتب -

flaf منذ 9 سنوات

المال السايب كيعلم السرقة.

التالي