يقول المثل: «الكلب الذي يظهر أسنانه طوال الوقت لا يعض»، هذا ما ينطبق تماما على وزير دفاع جبهة البوليساريو في مخيم تندوف ، الذي هدد أول أمس بالعودة إلى الحرب بمناسبة زيارة كريستوفر روس للجزائر، حيث أخبرهم بأن المفاوضات لحل نزاع الصحراء مازالت تراوح مكانها، وأن الرباط تتكلم لغة واحدة حول طاولة المفاوضات، هي لغة الحل السياسي الذي لا غالب فيه ولا مغلوب، وأن يدها مازالت ممدودة للصحراويين على أرضية حكم ذاتي موسع.
أعصاب وزير الدفاع في حكومة المخيمات لم تحتمل هذا الكلام، فخرج إلى وكالة الأنباء الجزائرية يهدد بالعودة لحمل السلاح، والرجوع إلى الحرب ضد المغرب، وهذا طبعا كلام لتسخين الأجواء السياسية، فالحرب ليست نزهة، ووقف إطلاق النار على الجبهة مر عليه ربع قرن، والعالم لا يتحمل اليوم حربا جديدة في منطقة حساسة، والجزائر الآن مشغولة بحروب أخرى، في مقدمتها حروب الرئيس المقعد مع كبار الجنرالات الذين قدم أحدهم الأسبوع الماضي إلى المحاكمة التي دامت لساعات، وانتهت بإصدار حكم بالسجن خمس سنوات على عقل مكافحة الإرهاب لسنوات طويلة الجنرال حسان، الجزائر مشغولة بحرب اقتصادية خطيرة بعد نزول أسعار النفط إلى 40 دولارا، في حين أن موازنة الجزائر كانت تتوقع سعرا لبرميل النفط فوق 80 دولارا.
عبد العزيز الرحابي، وزير جزائري سابق، يرسم صورة أفظع للوضع في بلاده.. يقول: «المؤسسات مشلولة، والرئيس معزول isolé، وليس له من واجهة إلا أخوه سعيد بوتفليقة».
برميل البترول، الذي كان قبل ثلاث سنوات يباع بـ125 دولارا، نزل اليوم إلى 40 دولارا، وهذا يعني أن الجزائر التي تعتمد، في 60٪ من ميزانيتها، على عائدات صادراتها من المحروقات، خسرت عشرات المليارات من الدولارات في سنة واحدة، والأسوأ قادم، فالبلاد لا تصدر شيئا تقريبا إلى الخارج باستثناء الغاز والبترول (98٪ من صادرات الجزائر من المحروقات منذ الاستقلال إلى اليوم، في حين تستورد جارتنا كل شيء تقريبا، حتى البرتقال تستورده من الخارج، وتدفع فاتورة ثقيلة لهذا الاستيراد غير المحدود وصلت سنة 2014 إلى حوالي 60 مليار دولار، حسب أرقام البنك الدولي). هذا ليس كل شيء، جارنا العنيد التزم بدفع فاتورة ثقيلة مقابل السلم الاجتماعي في الجزائر، فعمد إلى توظيف عشرات الآلاف من الشباب في الوظيفة العمومية إبان الربيع العربي دون أن يكون محتاجا إلى كل هذه الحشود في الإدارة الخاملة.. إنه نوع من «التوظيف السياسي»، كما أن أغلبية المواد الأساسية والأدوية والمحروقات مدعومة من قبل الدولة، لهذا سيصل العجز في الميزانية هذا العام إلى حوالي ٪15 ولا يوجد أي أحد له شجاعة مراجعة رفع الدعم.
هل عرفتم الآن لماذا لا نأخذ تهديدات وزير دفاع محمد عبد العزيز على محمل الجد؟ حكام الجزائر اليوم في أزمة كبيرة، وعلى المغرب أن يستغل نزول أسعار النفط والغاز ووجود أزمة في إدارة الحكم من أجل تسجيل نقاط دبلوماسية على نظام اتخذ من العداء للمغرب رأسمالا سياسيا ودبلوماسيا منذ حرب الرمال المشؤومة.
يجب أن يعرف العالم أن جل الصحراويين وقادتهم البارزين يعيشون في المغرب، وينشطون في أحزاب ومؤسسات ونقابات وجمعيات مغربية، وهم مع أطروحة الوحدة لا الانفصال، وحتى جيل المؤسسين لجبهة البوليساريو التحق الكثيرون منهم بالمغرب، هذا أولا. ثانيا، على المغرب أن يرجع إلى الاتحاد الإفريقي، وأن يهجر سياسة المقعد الفارغ في هذه المنظمة الإقليمية التي تتحرك فيها الجزائر بحرية كاملة مستغلة غيابنا. قرار الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية أدى دوره، واليوم هناك أكثر من بلد إفريقي متعاطف مع الأطروحة المغربية لكنه لا يقدر على فتح فمه في اجتماعات الاتحاد الإفريقي لأن الرباط غير موجودة، ثم إن رجوع المغرب، الدولة التي ساهمت في تأسيس الاتحاد الإفريقي في نسخته القديمة، سيعزل البوليساريو هناك، وسيمكن المغاربة من إفشال مخططات مثلث الجزائر-نيجريا-جنوب إفريقيا. هذا هو الوقت المناسب للعودة إلى المقعد الذي ظل فارغا لمدة 31 سنة. هذا هو الوقت المناسب لربط موضوع الوحدة الترابية للمملكة بدورها في مكافحة الإرهاب، وموقعها كشريك في السلم الدولي، أما الباقي فمتروك للجهوية المتقدمة، وللجهود المطلوبة لإبقاء الحراك السياسي والديمقراطي مشتعلا في المملكة. في الوقت الذي توجد فيه الجزائر في قاعة انتظار كبرى.