لو كنت كاتب برامج انتخابية في حزب سياسي أو مكتب دراسات، لأوصيت زبنائي بإدراج نقطة مهمة في برنامجهم الانتخابي المقبل، لإقناع 15 مليونا المسجلين في اللوائح الانتخابية بالتصويت لهم يوم 7 أكتوبر ليحكموا خمس سنوات.
النقطة الأكثر أهمية لثلثي شباب المغرب اليوم هي استعمال تكنولوجيا الاتصال، والتواصل بحرية كاملة ودون رقابة ولا منع، وشعار هذا المطلب هو: «عودة المكالمات المجانية إلى الهاتف المحمول». لا شيء يغضب الشباب المغربي اليوم أكثر من الاعتداء على حريتهم في الاتصال والتواصل عبر النيت، الذي أصبح أهم من الخبز بالنسبة إليهم، ولهذا فإن الحزب الذي سيعدهم برفع يد شركات الاتصالات عن «الواتساب» و«السكايب» و«الفايبر»… وكل تطبيقات الكلام المجاني والتواصل الحر، سيثير اهتمام الشباب، واهتمام ملايين العائلات التي تتواصل مع أبنائها وبناتها في أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا بالمجان طوال اليوم، ودون دفع أي سنتيم سوى تكاليف الاشتراك في الأنترنت. (قبل عشر سنوات تأسس حزب في ألمانيا تحت اسم «القراصنة»، وكان يرفع شعارا واحدا هو حرية الإبحار في عالم النيت دون قيود قانونية أو تجارية، وقد نجح الحزب في دخول البرلمان الألماني الذي لا تدخله الأحزاب الصغيرة بسهولة. الآن العتبة الانتخابية مرتفعة جدا).
اليوم صارت شركات الاتصالات الثلاث هي العدو الأول لملايين الشباب الذين نظموا حملة «اطفي الهاتف»، على وزن «طفي الضو» في حملة الاحتجاج على «أمانديس» في طنجة. أكثر من هذا، توجه «شعب الفايسبوك» إلى تنظيم حملة لإضعاف الحضوري الإعلاني والتسويقي للشركات الثلاث في العالم الأزرق، حيث دعا الشباب إلى سحب «j’aime» من صفحات الشركات الثلاث، حتى لا تستعمل ملايين معجبيها في التواصل مع الزبناء وتسويق عروضها الجديدة، وهذا سلاح ليس سهلا إطلاقا في عالم «الماركوتينغ».
شركات الاتصالات ترمي الكرة إلى الهيئة الوطنية لتقنين الاتصالات، التي يرأس مجلس إدارتها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي نوه بعمل الوكالة دون أن يتوقف عند هذه النقطة (منع الناس من الكلام المجاني في التطبيقات الجديدة)، ووكالة تقنين الاتصالات ترجع المنع إلى شكوى شركات الاتصالات الثلاث، وخوفها على أرباحها السنوية، ورقم معاملاتها الذي تضرر من هذه التطبيقات. (لا توجد دراسة جدية ومحايدة إلى الآن في المغرب وصلت إلى هذه النتيجة غير ما تردده شركات الاتصالات التي ترتفع أرباحها الإجمالية كل سنة، حيث إن شركة «إينوي»، مثلا، التي كانت تخسر المليارات في السنوات الأولى لتأسيسها، أصبحت اليوم شركة مربحة جدا، وإن كنا لا نعرف تفاصيل كثيرة عن ماليتها لأنها انسحبت من البورصة).
نحن بلاد فيها إدارة وشركات وحكومات ومسؤولون متخصصون في تصدير الأزمات والمشاكل والعجز إلى الشعب، وعوض أن يحلوا مشاكلهم بالعقل والحكمة والتشاور ورعاية مصالح الجميع، تراهم يلجؤون إلى أساليب الماضي، وإلى أسلحة لم تعد توجد سوى في المتاحف، مثل سلاح المنع. خذ هذا النموذج.. منذ عشر سنوات حذرت مؤسسات كثيرة وخبراء كثيرون في بريطانيا وأمريكا من أن تطبيقات المكالمات الهاتفية المجانية ستؤثر على رقم معاملات شركات الهاتف التقليدية، وخاصة في ما يتعلق بالمكالمات الدولية، وأن على شركات الهاتف أن تستعد لهذه المنافسة بتطوير خدمات جديدة، والاعتماد على منتجات جديدة غير «بيع الكلام للزبناء»، ونبهت جل هذه الدراسات إلى أن منع المكالمات الهاتفية عبر هذه التطبيقات لا يفيد شيئا، وهي معركة خاسرة تماما، وستزيد التوتر والعداء بين شركات الهاتف وزبنائها، وستدفع الشركات العملاقة صاحبة هذه التطبيقات في أمريكا إلى الالتفاف على المنع والهروب من الرقابة، وستجد شركات الهاتف التقليدية نفسها في النهاية خاسرة أمام هذه التطبيقات وفي علاقتها بزبنائها.
اليوم الشباب المغربي لا يمكن أن تقنعه بأشياء غير مقنعة، مثل القول: «إن الواتساب لا يتوفر على رخصة من وكالة تقنين الاتصالات»، أو إن «هذه الشركات لا تدفع الضرائب»، سيرد عليك الشباب بعبارة «انت قديم»، وسيسألونك: «ولماذا لم تمنع هذه التطبيقات في إسبانيا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا، وعموم البلاد الأوروبية، وجل الدول العربية، وكل الدول الإفريقية؟». دول قليلة هي التي منعت ولوج هذه التطبيقات، مثل الصين وإيران وروسيا، وكلها لاعتبارات أمنية وسياسية وليست اقتصادية، وجل البلدان التي منعت التطبيقات الأمريكية وفرت للمستهلك تطبيقات محلية مجانية بديلا عن نظيرتها الأمريكية… الحلول السهلة تخلق مشاكل معقدة في غالب الأحيان.