المغرب المُحاصر

18 مارس 2016 - 22:00

الذي يريد أن يتحدث في السياسة عليه أن يضع الخريطة أمامه قبل أن يدلي برأي أو يقطع بحكم.. هكذا كان الجنرال دوغول يوصي الفرنسيين في زمن الحرب والسلم، واليوم عندما نفتح نحن هنا الخريطة المغربية ماذا نجد؟ في الشرق جار عنيد اتخذ من عداء المغرب إيديولوجيا في الحكم، ورغم أن ثلوج الحرب الباردة ذابت قبل ربع قرن، فإن توتفليقة وجنرالاته مازالوا مصرين على أن قوة الجزائر تخرج وجوبا من ضعف المغرب، وأن نزاع الصحراء حجر في حذاء الرباط، ويجب أن يبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. تنسى الجزائر أن كلفة «اللامغرب عربي» باهظة، وأنها تتراوح، حسب الخبراء، بين 1 و5.1 من نسبة النمو في كل بلد من البلدين. ربما تتعلم الجزائر علم الحساب إذا بقي سعر البرميل من النفط والغاز في المستويات المتدنية الآن، آذاك ربما نرى أحد السيناريوهين، إما أن يقع تغيير حقيقي في إدارة البلد وفي توجهاتها داخليا وخارجيا، أو سنشهد انفجار الوضع بصورة دراماتيكية، خاصة أن الجيش الجزائري لم يعد كتلة واحدة موحدة. لقد نجح الرئيس المريض في تفتيت الجيش لترويضه، وخلق منه مراكز قوى ونفوذ متصارعة.

في شمال المغرب هناك الاتحاد الأوروبي، وهو اتحاد مريض منذ 2008، والآن تتعرض وحدته لاختبار حقيقي، وهو، للأسف، لم يعد ينتج غير الخوف من الإرهاب والمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين والمخدرات، وبين الحين والآخر يسبب المتاعب للرباط، مثل ما حصل مع المحكمة الأوروبية التي أسقطت الاتفاق الفلاحي الأخير بين الرباط وبروكسيل، واعتبرت الصحراء مناطق محتلة، ونصبت البوليساريو ممثلا وحيدا للصحراويين، وهذا ما لا يقول به حتى محمد بنعبد العزيز، زعيم الانفصاليين. نعم، على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي توجد إسبانيا جارتنا الشمالية، التي تخلت عن أظافرها تجاه المغرب من أجل حماية مصالحها التي تكبر يوما بعد آخر في بلاد «المورو»، لكن هذا الجار مازال يحتل أراضي مغربية في الشمال، ومازال بعيدا عن فهم المغرب ومتطلبات التنمية فيه.. إنه جار وليس شريكا. في الجنوب هناك طرفان كلاهما غير صديق بالمعنى التقليدي للكلمة.. هناك موريتانيا التي لا يخفي حاكمها تبرمه من المغرب، حتى إنه لم يزر الرباط منذ وصوله إلى السلطة بانقلاب عسكري، وهو ما رد عليه المغرب بإبقاء السفير المغربي في نواكشوط رغم أن عبد العزيز لا يحبه لأسباب مازالت مجهولة. موريتانيا تريد أن “تبيع شبابها غالي” للمغرب، والرباط لا تريد أن تدفع مقابل هذا الحب، ويبقى الوضع على ما هو عليه. أما الطرف الثاني الذي يجاور المغرب في الجنوب فهي قوات المينورسو المرابطة في الصحراء، وهي تذكر الجميع بأن الحرب مع البوليساريو لم تنتهِ، وأن وقف إطلاق النار ما هو إلا إجراء مؤقت من أجل إتاحة الفرصة للسياسيين للوصول إلى حل متفاوض عليه. القبعات الزرقاء التي تجوب مدن الصحراء تذكرنا كل صباح بالحصى الموضوعة في حذائنا، وهي حصى أصبحت دولية تعرض على مجلس الأمن كل سنة، ومن هنا تأتي خطورة تصريحات بان كي مون الأخيرة.

ماذا بقي أيضا على الخريطة؟ إنه عالم عربي ممزق، خرج من التاريخ المعاصر ورجع إلى القرون الوسطى يبحث فيها عن قواميس الحرب الطائفية وفقه الفتنة الكبرى… ليبيا مهيأة في أي لحظة لإعلان إمارة جديدة لداعش، بعد وصول المقاتلين الجوالين هناك إلى رقم 20 ألفا وأكثر في بلاد مساحتها أكبر من مساحة فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبلجيكا مجتمعة، وفوق رمالها أكثر من 50 مليون قطعة سلاح وحكومتان وبرلمانان، ومئات الميلشيات التي تتاجر بالنفط وبمستقبل بلاد عمر المختار… سوريا تتفتت، والعراق ممزق، واليمن ينزف، ودول إفريقيا جنوب الصحراء تتفرج على تفريخ الخلايا الإرهابية ولسانها يردد: «العين بصيرة واليد قصيرة»، وفوق كل هذا يقول الرجل الأول في العالم، باراك أوباما، لمجلة أتلنتيك: «إن مخاطر تلوث البيئة أكبر من مخاطر الإرهاب»، وكأن الدولة الأعظم في العالم لا يمكن أن تحارب الأمرين معا في وقت واحد.

هكذا تبدو المملكة الشريفة شبه محاصرة من الشمال والجنوب والشرق، أما على الأطلسي فإن ساكن البيت الأبيض لم يعد يرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلا منطقة معقدة مليئة بالمشاكل، وهو يفتخر بأنه أبعد بلاده عن التورط في مستنقعاتها، وترك الأمر للقيصر بوتن والملك سلمان وملالي إيران والسلطان أردوغان ومناورات رعد الشمال.

للأسف، النخب السياسية المغربية تحتاج إلى دروس تقوية في مادة الجغرافيا السياسية، وجل عناصرها يخوضون في السياسة وحروبها وعلى عيونهم غشاوة تمنعهم من رؤية المشاكل المحيطة بالبلد، والمخاطر التي تلوح من قريب ومن بعيد… لا يمكن للساسة اليوم أن يُسقطوا حسابات الجغرافيا والمحيط الإقليمي والدولي من تفكيرهم وخططهم ومعاركهم. الاقتصاد صار معولما، والإرهاب صار معولما، والإعلام صار معولما، والثقافة صارت معولمة، والحرب صارت معولمة… فلا يمكن أن نشتغل نحن بنخب لا تفقه إلا القليل في شؤون العصر وأحوال الزمان وتقلبات الوقت.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عبد الله منذ 7 سنوات

يجب على الاحزاب المغربية ان تتخلى عن حبها لكراسي الحكم وتترك الخلافات الجانبية جانبا وتتوحد مع بعضها للدفاع عن حوزة الوطن قبل فوات الاوان فالجزائر تخطط منذ مدة وتصرف الاموال الطائلة لابتلاع المغرب بعد السيطرة على الصحراء والوصول الى المحيط .فيائخوتي المغاربة ضعوا ايديكم جميعا مع يد الملك للدفاع عن حوزة الوطن

عبد الله منذ 7 سنوات

يجب على الاحزاب المغربية ان تتخلى عن حبها لكراسي الحكم وتترك الخلافات الجانبية جانبا وتتوحد مع بعضها للدفاع عن حوزة الوطن قبل فوات الاوان فالجزائر تخطط منذ مدة وتصرف الاموال الطائلة لابتلاع المغرب بعد السيطرة على الصحراء والوصول الى المحيط .فيائخوتي المغاربة ضعوا ايديكم جميعا مع يد الملك للدفاع عن حوزة الوطن

قاسم انيق منذ 8 سنوات

تحليل واضح و واقعي .مع الاسف قليل من يستوعب .

عبد الحفيظ .ش منذ 8 سنوات

الله يعطينا شي عشرينات من بوعشرين شخصيا ارى صحفيا في المستوى وديال الوقت جرأة ، أسلوب وحِدّة نظر بالتوفيق أ سي توفيق

محمد منذ 8 سنوات

مع الاسف.. الكفار يساندون المغرب في قضيته و الجار المسلم الذي يشهد بلا اله الا الله يزرع لنا الالغام وكأننا لسنا نحن من ساندهم بالسلاح و الكفاح في الامس القريب من اجل طرد الفرنسيين.

Dbich منذ 8 سنوات

Une bonne approche sauf que la réalité est autre que la géographie politique N oubliez pas que le degré de la civilisation est primordial dans les relations entre le Maroc et ses voisins . Si vous visionnez qq séquences sur les algériens comment ils fêtent l aid al adha vous allez constaté que nos chers frères sont d une violence inwi et les intérêts ne représentent rien dans leurs calculs mental Lors de l émission célèbre de notre très regretté Malika Malak Abdellah Laroui à indiqué que la construction du future ne se fera jamais avec qq qui croit que la colonisation de l algerie est une faute marocaine .La relation avec le voisin de l est restera tel qu'elle est jusqu'à ce que vous pouvez constater que le degré de développement est le même entre nos deux pays.

yalli hanie منذ 8 سنوات

فعلا ، هنا وهناك مجموع من الإرهاصات المتفخخة التي أصبحت تنفجر يوما بعد يوم والآن وصلت السفينة إلى منتهاها وهي متعبة منهوكة القوى ، أما المغفلون والسياسيون فهم في واد لا يهمهم إلا تجارتهم وأشياءهم الصغيرة وأسرهم المتحزبة طبعا /////

Lfadl منذ 8 سنوات

Tout un mélange de colère , d'inquiétude, de peur meme , m'étouffe craignant un éventuel à mon pays . A çela s'ajoute mon impuissance de ne pouvoir ni agir, ni dicter ni defendre Çe Maroc que j'adore. M.Bouachrine et d'autres , à travers leurs articles, nous démontre combien nos Institutions sont faibles, faiblesses dues au niveau intellectuel de çeux qui nous représentent. Ces derniers ne sont compétents que dans leur adversité et leur égoïsmes renfermés dans leurs coquilles aux odeurs repoussantes. Des odeurs qui puent le bien être personnel et tant pis pour la Nation. Dans toute foire, UN SEUL HOMME SE DÉMÈNE , SE BAT, SE COUPE EN MILLE MORCEAUX POUR SAUVER ÇE QUI EST À SAUVER ET GARDER LA NATION EN SECURITE ET AU RYTHME DES AUTRES NATIONS : NOTRE ROI !!! Dans ses bienfaits, et sachant que sur notre terre vivent des marchands aptent à vendre meme la Nation, DIEU nous a secouru par ÇET HOMME SAUVEUR,PROTECTEUR, ASSEMBLEUR. Que Dieu nous vienne en aide et protege notre pays !!! ALLAH ALWATANE ALMALIK

newline منذ 8 سنوات

الحل واضح. يجب علينا الاعتماد على أنفسنا و تقوية جبهتنا الداخلية بنبذ الخلافات والتوحد من أجل العلم والعمل. أما التودد للآخرين فلا جدوى منه، لآن غرضهم الانتفاع و لا شيء غيره. يجب محاربة الجهل و بناء المواطن الايجابي. المغرب يملك من مقومات الوحدة ما لا يملكه غيرنا و على سبيل الذكر فقط : المملكة موحدة تحت راية أمير المومنين، موقعنا الجغرافي جد ممتاز ...

aziz madrane منذ 8 سنوات

Bravo mr Bouachrine on apprend beaucoup des choses en lisant vos articles

MOMO13 منذ 8 سنوات

la lecture des articles de M.Bouachrine est un régal. C'est dommage que nos politiciens ne prennent pas la peine de lire :si c'était le cas, ils auraient éviter demander le rapatriement des soldats marocains et se de raviser le lendemain. mais que comme vous dites, nous sommes en présence de channaka et rien d'autres

التالي