هيبة الدولة أمام الامتحان

21 مارس 2016 - 22:02

لا أعرف شخصا أو هيئة أو فريقا أو عائلة تحتفي بعيد ميلادها بالدم والدموع والضحايا والتخريب والنار والسيوف والعصي والحجارة، وتنتقل من مكان الاحتفال إلى المستعجلات عبر سيارات الإسعاف لتقطيع حلوى عيد الميلاد وفتح علب الهدايا.. هذا ليس مشهدا من فيلم كوميدي، هذا واقع عاشه 34 مليون مغربي فجعوا أول أمس بأخبار مقتل طفلين ودخول ثلاثة إلى الإنعاش، وإصابة سبعين مشجعا في ملعب محمد الخامس بالبيضاء.
ستسمعون كلاما كثيرا عن الهمجية التي ضربت بقوة بين جمهور الرجاء البيضاوي، وسترون دموعا كثيرة تنزل أمام الكاميرات، وستشاهدون المسؤولين عن الدم الذي سفك يقفون في طابور طويل للعزاء، ثم ستطوى الصفحة في انتظار سقوط ضحايا آخرين، وفي انتظار أن يستأنف «الهوليغانز» نشاطهم وعبثهم بأرواح القاصرين وممتلكات المواطنين ومشاعر المغاربة واستقرار وأمن البلد.
ماذا سيقول رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير العدل والحريات والمدير العام للأمن الوطني لعائلات الضحايا التي فقدت فلذات أكبادها في الملعب أول أمس، إذا سألت الأم التي فقدت ابنها الصغير في الملعب كل هؤلاء المسؤولين: لماذا لم تمنع وتحل الدولة «الألتراس»، باعتبارها تنظيمات غير قانونية تتحرك خارج الشرعية، وتمارس نشاطا خطيرا شبه عسكري يهدد أمن وسلامة واستقرار البلد؟ إذا سأل الأب الذي فجع في ابنه القاصر عمن سمح لولده الصغير بدخول ملعب محمد الخامس دون ولي أمره، كما ينص على ذلك القانون، الذي يمنع دخول القاصرين إلى الملعب دون ولي أمرهم؟ ماذا سيقول المسؤولون للمغاربة وهم يرون عشرات الآلاف من المشجعين الذين يدخلون إلى الملعب دون ولوج بابه الرسمي، يتسلقون أسوار الملعب في غفلة أو تواطؤ مع رجال الأمن، حاملين معهم الأسلحة البيضاء والعصي السوداء وكل أنواع المخدرات؟ ماذا ننتظر من ملعب معبأ بكل أنواع المتفجرات والمواد سريعة الاحتراق (قاصرون، مخدرات، أسلحة، إحباط)، وهوليغانز يفيض عنفا وغضبا، وفوق هذا انقسام حاد بين المشجعين المتنافسين على اختطاف الفريق، بلا شك ستنتهي جميع المقابلات بنتيجة واحدة.
ألا يسمع وزير الداخلية الخلايا الناشطة للهوليغانز تفتخر بالخروج عن القانون وعن سلطة الدولة وهي تردد الشعار الشهير أمام وسائل الإعلام والجمهور الواسع في الملعب: «عايشين عيشة مهبولة، خارجين على قانون الدولة»؟ ألا تعرف أجهزة الدولة التي تراقب دبيب النمل أن «الألتراس» كتائب منظمة لها منظرون وقادة وتمويل ومقرات للاجتماع وأدبيات للتعبئة وشعارات وإعلام وإيديولوجيا فوضوية، تختفي وراء العشق المجنون للكرة لتصرف إحباطاتها وفوضاها وإجرامها وحقدها على الجميع، دولة ومجتمعا، وأن وراء هذه الظاهرة هناك بزنس وسياسة وحسابات كبيرة وصغيرة لرؤساء الفرق الرياضية؟
طبعا الدولة تعرف كل هذا وأكثر، لكنها تغمض العين ولا تريد أن تدخل في مواجهات مع هؤلاء، والذي يشك في ذلك ما عليه إلا أن يرجع إلى محاضر الاجتماعات التي تعقد في ولاية أمن الدار البيضاء بين المسؤولين الأمنيين وقادة هذه التنظيمات الفوضوية، الذين يدعون بمناسبة مقابلات الديربي بين الرجاء والوداد من أجل تهدئة اللعب، والتحكم في منسوب العنف الذي ينفجر في وجه الخصوم، ووسط الفريق نفسه الذي صار مقسما بين «حزبين كبيرين» يتناحران على بسط سيطرتهما على جمهور الرجاء، وعلى توجيه دفة التشجيع إلى الوجهة التي تخدم كل طرف، وهذا طبعا لا يحدث بالصدفة أو بالعاطفة، فمنذ مدة يعرف الجميع أن كتائب المشجعين مخترقة، فيوم رفع جمهور الألتراس شعارا في وجه رئيس الرجاء السابق (باسطا والا…)، فهم الجميع خطورة الهوليغانز، ولهذا منذ أن دخل بودريقة إلى بيت الرجاء وهو يضرب حسابا لهذا الجمهور المجنون (حمق وحاضي حوايجو)، ويحاول إرضاءه بكل الطرق حتى لا يطيح به من عرش الفريق الأخضر، وهذا ما قوى هذه التنظيمات، وجعل لها أسنانا وأظافر يخافها الآخرون. لقد اشتكى بعض المسؤولين، أكثر من مرة، تدخل رؤساء النوادي للضغط على الأمن والقضاء للإفراج عن عناصر الألتراس. هؤلاء كل مرة يقعون في أيدي الأمن، ما يعني أن هناك تواطؤا بين رؤساء النوادي ورموز هذه الكتائب الكروية الخطيرة، التي أصبحت منظمة ومسلحة وممولة بطريقة تخيف ليس فقط خصومها، بل تخيف كذلك المواطنين ووسائل الإعلام، وتضرب الدولة لها حسابات غير مفهومة على الإطلاق.
نحن أمام إرهاب كروي، وهذا ليس وصفا لتضخيم الظاهرة، أو لإحداث الصدمة النفسية لدى الجمهور، أبدا، فالإرهاب، ببساطة، هو كل عمل أو قول ينتج عن رغبة في السيطرة على الجمهور عن طريق بث الخوف والرعب في نفوس الناس، وتعريض حياتهم أو سلامتهم للخطر بغرض تحقيق أهداف فرد أو جماعة، والإرهابي هو الذي يتحرك خارج القانون، وينزع حق استعمال أدوات العنف الشرعي من يد الدولة ويوظفها في معاركه الخاصة.
الرأي العام ينتظر قرارا حازما من الدولة صباح الاثنين لحل جميع les ultras فوق التراب الوطني، ودفعها إلى الانتظام في شكل جمعيات قانونية معترف بها حتى نعرف من يقف وراءها ومن يمولها ومن ينشط فيها. الرأي العام ينتظر من وزارة الداخلية تحقيقا جديا في ما جرى، وترتيب المسؤوليات القانونية في حق كل واحد ساهم في إحداث العنف الأعمى الذي أودى بحياة الأبرياء، وزرع الرعب في قلب الجمهور. المغاربة يريدون أن يروا مؤشرات على وجود دولة القانون في وجه هذا اللاقانون.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عبدالرحيم منذ 8 سنوات

مقال في المستوى كسابقيه الا ان هناك ملاحظة .لمادا نبرئ الاسر هل ليس لها دور في تربية ابنائها ?كيف تتملص من مسوؤلياتها او نحاول نحن ان نجعلها ضحية ? دلك الطفل القاصر الدى نلوم المسؤولين الدين تركوه يدخل الى الملعب اليس له اهل ?

با ميلود منذ 8 سنوات

أتمنى من الصحفيين في هذا المقام أن يكون لهم مقال في حظ الإعلام (مقروءا و مسموعا و مشاهدا) من المسؤولية فيما يقع و يقروا أن الاعلام له مسؤولية معنوية في كثير مما يحصل من الأحداث فحينما نسائل السلطات العمومية لا ينبغي أن ننسى مسائلة السلطة الرابعة أيضا .... (الإعلام) باعتباره أداة من أدوات تشكيل الوعي الجمعي .

yassine منذ 8 سنوات

السلام عليكم . ماشاء الله كلام جميل . هل تضن أن إزالة الألطراس هو الحل ؟ إن أزلتها ستخرج لك أشياء أخرى أو بالأحرى ستتفشى ضواهر موجودة في مجتمعنا أخص بالدكر السرقة .... الحل أخي هو التعليم هو التربية هو الوعي . هو أتشطة و أشياء إجابية يطفي فيها المواطن تعب أيام العمل إلى غير ذالك . إن جلست في الماغانا ستعرف أن الكل آ تي لإفراغ ضغط أو بؤس في المنزل أو أو أ و . لكي تصيب في كلامك خد المعلومة من الأصل و شكراا

مواطن منذ 8 سنوات

المشكلة ليست في الكرة أو جمهورها أو حتى إلتراس، غياب التربية السليمة للأولاد هي الطامة الكبرى التي تهدد استقرار وأمن بلدنا ظاهرة العنف موجودة في المدارس الإعداديات الثانويات بشكل يومي أما الجامعات فالطلاب يتناحرون في الأحياء الجامعية، الدولة لها مسؤولية محاربة تجارة المخدرات في أوساط الشباب وعقاب المنحرفين ليس بوضعهم في السجن ولكن بعقوبات أخرى مثل الأشغال الشاقة. وأحسن حل في نظري هو إعادة التجنيد الإجباري لتربيتهم على حب الوطن

AZIZ منذ 8 سنوات

نحن أمام إرهاب كروي نعم، نعم هو ارهاب بالفعل يجب حل هذه المصيبة التي اصابتنا التراس خاوي مجنون ارهابي بليد عنيف امي لا يعرف قيمة للتحضر يهدم امامه كل شيء اذا ربح الفريق يهدم غضبا واذا انتصر يهدم فرحا لغة الهدم هي عنوانه يجب حله بقوة هيبة الدولة والسلام

abdou منذ 8 سنوات

(ختفي وراء العشق المجنون للكرة لتصرف إحباطاتها وفوضاها وإجرامها وحقدها على الجميع، دولة ومجتمعا،) هنا بيت القصيد ولكن لا حياة لمن تنادي .رحم الله من مات والهم دويهم الصبر والسلوان

abdellah منذ 8 سنوات

عندما تكون تحت غطاءين بالكاد تشعر معهما بالدفئ فماذا تنتظر ممن تراه عاريا على الشاشة مباشرة من ملعب به الالاف أليس الخراب والدمار

moroco منذ 8 سنوات

على الخط المستقيم نحن أيضاً مع ما ذهبت اليه يا توفيق ونقول : اللهم قد بلغ توفيق فاشهد يا تاريخ

التالي