رسائل غزوة بروكسيل 

23 مارس 2016 - 22:00

غاصت بروكسيل في موجة من الرعب والخوف بعدما ضرب الإرهاب بقوة في عاصمة الاتحاد الأوروبي يوم أمس.. وجوه ملطخة بالدماء، رجال ونساء وأطفال ينتحبون وسط أكوام من الجثث التي سقطت بفعل عملية انتحارية في ميترو أنفاق وقاعة المسافرين في المطار.
رفاق صلاح عبد السلام لم ينتظروا كثيرا، بعدما اعتقل قائدهم مروا إلى تفجير ما بقي في أحزمتهم من عبوات وموت ودمار، وكل هذا من أجل إيصال رسائل داعش إلى مقر الاتحاد الأوروبي، وهي رسائل متعددة ومركبة، منها رسائل سياسية تريد بالإرهاب والرعب إضعاف ثقة الناس في دولهم، والضغط على الحكومات الأوروبية للانسحاب من التحالف الدولي الذي يحارب داعش في العراق وسوريا، ومنها رسائل دعائية حيث تستعرض «شركة الإرهاب الدولي» داعش أذرعها المنتشرة عبر العالم، لتقول للجميع إنها سيدة سوق القتل والدمار فوق هذه الأرض، وأن أحدا لا ينافسها على الريادة في هذا المجال، أما ثالث رسالة من وراء تفجيرات بروكسيل أمس فهي التي تحمل طابعا إيديولوجيا. البغدادي يريد أن يُرّسِم القطيعة بين المسلمين وغير المسلمين في العالم، وأن يختطف ديانة مليار ونصف مليار مسلم، وأن يخوض بهم حربا مفتوحة مع اليمين المسيحي المتطرف الذي ستنعشه هذه الأعمال الإرهابية في القارة العجوز، حيث يعيش أكثر من 20 مليون مسلم في الاتحاد الأوربي لوحده، سيجدون أنفسهم في قفص الاتهام معرضين للعنصرية وللتمييز والعزل، وهنا يلعب التطرف لعبته، حيث تتوسع رقعة استقطابه للمحبطين من شباب المسلمين المنحدرين من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
ثلاث تعليقات سريعة ومؤقتة يمكن كتابتها تحت صور «غزوة بروكسيل»، وقبلها ضربة باتكلان في باريس:
أولا: إن تنظيم داعش أخطر مما يتصوره المراقبون السياسيون أو العسكريون أو الأمنيون. هذا التنظيم، الذي مازال لغزا لم تفك كل طلاسمه، نجح في استقطاب أكثر من 10 آلاف شاب أوروبي مسلم (أغلبهم من أصول مغربية وجزائرية وتونسية)، في حين أن الجهاد الأفغاني (1979-1989)، ورغم الدعم الأمريكي والأوروبي والعربي له، ورغم تمويل دول كبرى لمجهوده الحربي، لم يفلح في استقطاب سوى 400 مجاهد أوروبي على مدى عشر سنوات. هذا يكشف تطور آليات الاستقطاب لدى داعش من البيئة الأوروبية التي تعتبر نظريا بعيدة جدا عن نموج فكر وتدين التنظيم الأصولي الأكثر تطرفا وعنفا على وجه الأرض.
ثانيا: تكشف انفجارات بروكسيل، وقبلها مجزرة باريس في نونبر الماضي، وقبلها عمليات متفرقة في دول أوروبية عديدة، أن هناك ثغرات أمنية واستخباراتية كبيرة في أوروبا، وأن دول القارة العجوز الغنية والمتطورة، التي تمتلك وسائل مادية وتكنولوجية هائلة، لم تنجح في ملاحقة الخلايا النائمة أو المستيقظة التي سافر أعضاؤها إلى سوريا للتدريب على أحدث وسائل القتل والدمار، ورجعوا إلى بلدانهم لتطبيق ما تعلموه في جامعات الإرهاب في الرقة والموصل، وجمعوا ترسانة أسلحة مهمة ومتطورة، وأنشؤوا غرف عمليات وأوراش إعداد المتفجرات في شقق ببروكسيل وباريس ولندن، وغيرها من العواصم الأوروبية، ومع ذلك لم تصل إليهم أيدي الأمن حتى قتلوا المئات وروعوا الملايين، وكبدوا اقتصاد أوروبا مليارات الدولارات من الخسائر الناتجة عن إعلان حالة الطوارئ، وتوقيف حركة الملاحة الجوية، واستدعاء الجيش وقوات الطوارئ. هذا معناه أن الجيل الجديد من الإرهاب والإرهابيين طور وسائل وتقنيات بعيدة عن الرصد، سيبقى خطرها قائما لسنوات مقبلة.
ثالثا: تعتبر أوروبا ثاني مشتل نموذجي تربي فيه داعش وقبلها القاعدة «مقاتلي الرب» الجوالين الذين يتجاوبون بسرعة قياسية مع المشروع الداعشي الإرهابي، الذي يعدهم بالجنة في الآخرة لأن الدنيا لم تعطهم شيئا، ولن تعطيهم سوى العذاب والحرب والإهانة، لأنها دنيا، حسب زعمهم، يحكمها الغرب القوي «الكافر» الذي يحمل عداء جينيا للإسلام والمسلمين، والذي يريد دليلا فما عليه إلا أن يلقي نظرة على الخريطة ليرى الدم الذي ينزف من بلاد المسلمين في فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان… عقول الشبان الصغيرة في ضواحي باريس وبروكسيل ومدريد ولندن وبرلين… لا تحتمل غسيل الأدمغة هذا التي يقوم به خبراء متخصصون في توظيف مشاكل الفوضى الدولية الراهنة، ومشاكل اندماج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية لاصطياد الجانحين منهم والضائعين، والمحبطين الذين يعيشون مشاكل اندماج حقيقية، فيتم إيهامهم بأن الجهاد العابر للقارات يعطي معنى جديدا لحياتهم، ومع الخدمات التي تقدمها تكنولوجيا الاتصال والتواصل وأحلام العودة إلى الخلافة والدولة الإسلامية المتخيلة، والأموال التي تنفقها هذه التنظيمات، نصبح أمام خلايا خطيرة وعناصر غير مرصودة، وشباب يستعمل حياته كأغلى ما عنده من أجل الانتقام من مجتمعه ودولته ومستقبله.. ينشر الموت والرعب بين الأبرياء لأنه عاجز عن فهم تعقيدات العالم الذي يحيط به، ولم يجد من يساعده على استرجاع الأمل فيموت بين براثن اليأس.
الخلاصة أن مشاكل اليوم لم تعد مشاكل محلية، والحروب لم تعد محصورة في حدود معينة، والإرهاب لم تعد له جنسية وجواز سفر وبطاقة إقامة.. العولمة جعلت كل شيء معولما، وأسقطت كل الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية، وإذا لم تواجه كل الدول، خاصة القوية والقادرة منها، آفة الإرهاب يدا في يد، وتعمل على تجفيف منابعه والقضاء على مسبباته، فإن دماء كثيرة ستسيل، وعبوات عديدة ستنفجر، وأحزمة خطيرة ستقود الجاني والضحية إلى قبور بلا عد ولا حصر.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مواطن من تطاون منذ 8 سنوات

اخي ب وعشرين ان الذي يزيد في احتدام ظاهرة الارهاب على ما أتصور ثلاثة عوامل رئيسية : 1- العامل الأول يتمثل في ان الحكومات العربية والغربية لا تحترم الدين الإسلامي على وجه الخصوص والديانات السماوية الأخرى بشكل عام ، فالحكومات العربية بدون استثناء تمس بهوية المسلمين بشكل ممنهج وبطريقة مفضوحة خاصة في وسايل الاعلام العمومية وأحيانا في بعض المناهج التربوية كما تمنع الحضور الإسلامي وفعالياته على الساحة العمومية ، مما يؤجج ذلك الحمية والشعور الديني لدى الشعوب العربية التي تعاين في مقابل ذلك انفلات فاضح في سلوكيات الناس خاصة إطلاق الفساد اللااخلاقي على عوانهه بدون اي رقيب ولامحاسبة فكان هذه الشعوب العربية تعيش في فرنسا أو في مجتمع شيوعي أطلق العنان لغرايز الناس البهيمية. بينما في المجتمعات الغربية التي يعيش فيها المسلمون فإن هؤلاء الأخيرين ملاحقين في سلوكياتهم المتميزة ومتهمين فيها أيضا ، وتلاحقهم أيضا وسايل الاعلام من خلال المس في معتقداتهم والاستهزاء بدينهم وقيمهم وسلوكياتهم الإسلامية التي تمنعها الحكومات الغربية ممارستها في الأماكن العامة حتى داخل المؤسسات التعليمية التي يرتادها ابناؤهم الصغار من الفتيات المحجبات او المنقبات . كل هذه الممنوعات المكشوفة تحز في نفوس أبناء الجاليات العربية الذين بدورهم يتخذون أداءها مواقف جد راديكالية ومتطرفة مما يدفعهم ذلك إلى قناعة تامة ان الغرب يحارب الإسلام ، وهذا الأمر حقيقة لا غبار عليه المعاين والمشاهد داخل المجتمعات الغربية التي تستفز شعور المسلمين بدون توقف وتحظر عليهم منحهم حقوقهم الدينية رغما عن القانون الذي يمنحهم ذلك كاقلية دينية . 2- العامل الثاني ألمتمثل في التنسيق الكبير بين الحكومات العربية نظيرتها الغربية في محاربة وتطويق الإسلام السياسي والحركات الإسلامية بشكل عام وذلك بحكم أن الغرب يخشى على مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية إذا صعد الإسلاميون إلى الحكم ، وهذا ما حدث في الجزائر في فترة التسعينيات من القرن العشرين عندما صعدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الحكم وتم تقويضه بتعاون وتنسيق مع فرنسا وصمت مطبق من طرف الغرب ، او ما حدث في بلدان الربيع العربي عنما صعدت حكومات منتخبة ديمقراطيا وتم الانقلاب عليها بطرق مختلفة كما حدث في مصر بالانقلاب العسكري على محمد مرسي او عن طريق الحصار الاقتصادي والسياسي كما وقع في تونس او في بلاد اليمن او سورية هذين البلدين الاخيرين اللذين تم تدميرهما بدعم من القوى الاقليمية والخارجية. وخلاصة القول ان التآمر بين الحكومات العربية والحكومات الغربية على مصائر الشعوب العربية ومستقبلها والسكوت على الفساد هو الذي اجج غضب الشباب واثار الحمية اادينية لديهم اتجاه ما يعتمل داخل المجتمعات العربية والغربية. 3- العامل الثالث الذي يتمثل في التنسيق الأمني والعسكري بين الحكومات العربية و نظيرتها الغربية التي استهدفت محاربة الحركات الجهادية الإسلامية بدون هوادة وكما نعلم أن الجهاد في الإسلام يصير من الضروريات الأساسية والاعمال به إذا تعرضت الأوطان الإسلامية ودينها ومالها وعرضها للمس من طرف أعداء الإسلام الذين أصبحوا يشكلون إخطارا محدقة بهذه الثوابت السالفة الذكر ، وهذا ما حصل فعلا في بلدان إسلامية مثل باكستان وأفغانستان والعراق وسوريا . هذه المؤامرة المنظورة فعلا على أرض الواقع التي يتحمل وزرها ومسؤوليتها كل من الحكومات العربية والغربية هي التي خلقت القابلية الفكرية والنفسية لدى الشباب المتهم بالارهاب إلى اللجوء إلى هذه الآليات المحظورة للدفاع عن قناعاتهم الاعتقادية والتصورية.

جوادد منذ 8 سنوات

في نظري الاسباب الحقيقية للارهاب الذي يضرب اوروبا له عدة اسباب نذكر منها : 1- تدمير العديد من الدول العربية حيث اصبحت خراب كسوريا وليبيا والعراق واليمن وتشريد شعوبها وللدول الاوربية دور في هذا الخراب. 2- عدم قدرة الدول الاوروبية على ادماج المهاجرين الذين يحملون جنسية دولها ، وممارسة العنصرية في حقهم في العمل او اثناء التوظيف، حيث الاسماء العربية ممنوعة من العمل في هذه الدول. والنسبة الاعلى للبطالة تسجل في صفوف المسلمين والعرب.

مجرد رأي منذ 8 سنوات

تعليق تطرف ابناء المهاجرين على مشجب الاقصاء والتهميش لا يبدو كافيا هم في الاصل ابناء اناس بسطاء هاجروا من بلدانهم طمعا في جمع بعض المال والعودة به فانعزلوا عن المجتمع المضيف في احياءهم حفاضا على دينهم وركزوا فقط على العمل. الابناء شبوا على انفصام حاد بين ثقافة البيت وثقافة المجتمع فكان الفشل وكان الاحساس بالدونية ثم كره الذات والاخر بالمقارنة يعانى السود في تلك المجتمعات من ميز اكبر يصل حد الاحتقار ولكن ذلك لم ينتج ارهابا بل ان ابن مهاجر كيني اسود يحكم امريكا لفترتين وتترأس كبرى مراكز القرار فيها شخصيات من السود كوندوليزا وسوزان رايس وكولن باول و ... وفي فرنسا كم من وزيرة من اصل مغربي المنافسة في الدول المتقدمة شديدة والمهزوزون نفسيا وثقافيا لا فرصة لهم الارهاب اعتراف بالعجز والقصور والتخلف الفكري والاخلاقي قبل اي شئ اخر اما المجتمعات المضيفة فتمجد الناجحين وتعتز بالعلماء والادباء والفنانين وحتى الرياضيين من ابناء المهاجرين ولعل زيدان وقبله كارل لويس ومايكل جوردان تغني عن ذكر المزيد العيب فينا وما لم نواجه انفسنا لنصلحها ونتصالح معها ومع البشر من حولنا فلا مستقبل لنا

Omar منذ 8 سنوات

"...سيجدون أنفسهم في قفص الاتهام معرضين للعنصرية وللتمييز والعزل، وهنا يلعب التطرف لعبته، حيث تتوسع رقعة استقطابه للمحبطين من شباب المسلمين المنحدرين من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط" هذا هو مربط الفرس و الهدف الاساسي من هذه الهجمات الارهابية التي ضرب بروكسيل و قبلها باريس.و لا حول و لا قوة الا بالله. اللهم سلم اللهم سلم..

التالي