ماذا يدور في رأس الداعشي؟

24 مارس 2016 - 22:00

أدان العالم في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب، مجزرة بروكسيل، وتألم الناس من كل الديانات لاستهداف المدنيين في قاعة سفر بالمطار ونفق ميترو تحت الأرض، ولم يفرح بالدم الذي نزل سوى عصابة داعش التي تبنت العملية، وقلة من الإرهابيين الذين ينشرون الرعب حول العالم.
كل من تحدثت معه أمس وجدته يتساءل: من هؤلاء الذين قاموا بهذه الأعمال الوحشية؟ من أين أتوا؟ كيف يولدون في بلجيكا وفرنسا وبرلين ولندن ومدريد… وبعد ذلك يعضون الأيدي التي امتدت إليهم؟ كيف يفجرون مجتمعات ولدوا فيها، وتربوا وسطها، ودرسوا في مدارسها، ولا يتكلمون إلا لغتها؟ أي غسيل دماغ هذا الذي يستطيع أن يدفع شابا في العشرينات إلى الانفجار وسط أناس لا يعرفهم، وأن يغادر هذا العالم الذي مازال عمره يعطيه فيه فرصا للارتقاء والنجاح وتجاوز خيبات الأمل.
إدانة الإرهاب لا تكفي للقضاء عليه، يجب فهمه وتفكيك الإيديولوجيا التي وراءه، وتتبع مسارات المجندين في كتائبه.. إنه مجهود علمي وفكري وتاريخي مطلوب من قبل الباحثين السوسيولوجيين والمثقفين المهتمين بقضايا الاندماج والدين والثقافة والحركات الراديكالية.
 يقول أوليفي روا، الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، في تفسير بروفيلات الجيل الجديد من الإرهابيين: «ليس منهم من سبق له الانتماء إلى الإخوان المسلمين، كما أن لا أحد منهم سبق له النضال في صفوف حركة سياسية، بما فيها الحركات المناصرة للقضية الفلسطينية في أوروبا، ولا أحد منهم سبق له النهوض بمهام من قبيل: توزيع وجبات الإفطار في رمضان، أو إلقاء المواعظ في المساجد، أو في الشارع، بل ولا أحد منهم سبق له متابعة دراسات دينية جادة في معاهد متخصصة، ولا أحد منهم أبدى اهتماما بالفقه الإسلامي أو بطبيعة الجهاد أو طبيعة الدولة الإسلامية حتى».
 من أين يأتي مقاتلو داعش إذن؟ وقبل داعش القاعدة، وقبل القاعدة الجماعة الإسلامية المسلحة؟ يجيب أوليفي روا: «يتشكل هؤلاء الشبان المتطرفون في مجموعات صغيرة من الأصدقاء الذين التقوا في مكان معين (الحي، السجن، ناد للرياضة البار…)، ويعيدون تشكيل ‘‘أسرة’’، ويرتبطون بنوع من ‘‘رابطة الأخوة’’. والواقع أن هناك جانبا لم يهتم أحد بدراسته: رابطة الأخوة غالبا ما تكون بيولوجية، ونعثر بانتظام على حالات قام فيها ‘‘أخوان’’ بتنفيذ عملية إرهابية (الأخوان كواشي، الأخوان عبد السلام، عبد الحميد أباعوض الذي «اختطف» شقيقه الصغير، والآن الأخوان بكراوي، والأخوان «كلين» اللذان اعتنقا الإسلام معا، دون إغفال الأخوين «تسارنييف» اللذين نفذا هجوم بوسطن في أبريل 2013). فكأنما يشكل تطرف الإخوة والأخوات إشارة إلى البعد الجيلي وإلى القطيعة الكاملة مع الآباء». 
لماذا يختار شاب منحرف أو شابة لعوب قبعة الإسلام الراديكالي للقتال تحت رايته؟ يجيب أوليفي روا، الذي اشتغل على محاضر التحقيق مع من اعتقل من هؤلاء المتطرفين، وأجرى مقابلات مع آباء المتطرفين وعائلاتهم: «لماذا الإسلام الراديكالي؟ الأمر واضح ولا لبس فيه بالنسبة إلى أبناء الجيل الثاني: إنهم يستعيدون هوية يعتبرون أن آباءهم لم يكونوا مخلصين لها ولم يمثلوها أحسن تمثيل. إن المتطرف يعتبر نفسه أكثر إسلاما من المسلمين، وبالخصوص أكثر من آبائه، وما يدل على هذا الأمر هو ذلك المجهود الهائل الذي يبذله الداعشي أو القاعدي أو الأصولي عبثا لـ‘‘إعادة’’ هؤلاء الآباء إلى «الإسلام الحق»، ولكن هذا الأمر يكشف، من جهة أخرى، مدى بعدهم عن الواقع (كل الآباء لديهم حكايات حول النقاشات الطويلة مع أبنائهم المتطرفين). أما بالنسبة إلى المعتنقين الجدد، فهم يختارون الإسلام لأنه لا يوجد غيره حاليا في سوق التمرد والتطرف والراديكالية (الالتحاق باليسار الراديكالي يتطلب التوفر على رصيد مهم من الثقافة وحب القراءة، والانخراط في مسار نضالي طويل، ولكن هؤلاء الشباب المتطرفين لا يقرؤون، ولا وقت لديهم لتتبع مسار نضالي طويل)، والانضمام إلى داعش يعني ضمان زرع الخوف في الآخرين وإرهابهم بسرعة وبقوة وفعالية».
أوليفي روا لا يرى في الداعشي إسلاميا راديكاليا ورعا استقطبته داعش بإيديولوجيا، بل يرى أن الداعشي أولا متمرد على ثقافة والده وثقافة بلده، وهو يعيش عزلتين في آن واحد، وهو منحرف جرب السجن والخمر وحياة الليل وأصبح ذا سوابق، وهو، ثالثا، راديكالي وجد في الإسلام الداعشي سلاحا فعالا لنشر الرعب في مجتمع لم يعد يقبل به.
إنه إطار تفسيري يستحق التأمل لجيل ضائع في أوروبا لا يشكل أي نسبة معتبرة وسط المسلمين، لكنه قادر على خلق مشاكل ومتاعب ومخاطر على ملايين المسلمين في أوروبا والعالم.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الورزازي منذ 6 سنوات

المتطرفون أنصاف متعلمين أو بالأحرى أنصاف جهلة، يعتقدون أنهم فقدوا مجدا و يصرون على استعادة مكانة سلبت منهم كما يظنون، و في سبيل استرجاعها يقنعون أنفسهم بأن كل ما يحيط بهم يساهم بشكل أو بآخر في قصتهم المأساوية، ما يعطيهم مبررا للانتقام من كل شيء بما فيهم أنفسهم.. هذه عقلية المتطرف، لا يعطي الفرصة لنفسه و الآخرين، عقلية لا تختلف عن تلك التي لدى المجرم و أفراد العصابات، الفرق الوحيد أن المتطرف يغلف همجيته بفكر انتقائي يعكس ضعف تعليمه و سوء تربيته

المعلم منذ 7 سنوات

مادامت هناك منظمة إجرامية اسمها داعش لها جيش وأموال طائلة وهي تحتضن كل من أراد الانتماء إليها فبالطبع سيبقى الإرهاب ولن يثني الإرهابيين موعظة أو إنذار أو تحذير .يجب قتل رأس الأفعى ورأس الأفعى موجود في العراق وسوريا وليبيا ،يجب على جميع دول العالم أن تعمل على القضاء على داعش باجتثاتها من جذورها وبذلك يتم محو هذا الفكر الماسوني الإجرامي الذي يبيد البشر و يهدم الحضارة الإنسانية.

محمد منذ 7 سنوات

وُضعت النقاط على الحروف، شكرا على تنويرنا

bihi منذ 7 سنوات

الإرهاب يسائل الدات السياسة لكل بلدان العالم متقدمة ومتخلفة. ماهي التربية والقيم التي عملنا ونعمل على تمريرها؟ نعم عملنا على تنمية بلدان على حساب أخرى أو بصفة نظيفة. لكن ماذا كان نصيب شباب العالم الثالث وشباب الضواحي بالمدن الاوروبية والأمريكية. في المغرب لاحظوا كيف تكلم أحد الشباب عن الارهاب الاداري وكيف يتفنن موظفون في تعذيب وبهدلة مواطنين عزل؟

Argaz منذ 7 سنوات

un Da3chi n'utilse pas son cerveau, il utilise les sourates du coran qui font appel au jihad " tuez-les où vous les trouvez...." et c'est exactement ce qu'ils font. Si vous voulez que le terrorisme islamiste s'arrête, il faudrait réformer le coran, annuler les sourates qui appellent à la tuerie. Il faut aller à la base pour vraiment résoudre le problème. Du bla bla bla ne suffit pas. Tant que le coran ne soit pas réformé il y'aura toujours de nouveaux da3chistes...... c'est malheureusement la réalité tel qu'elle est.

عبد الله اغونان منذ 7 سنوات

مقال متميز يبن بوضوح نوع الشباب الضحية للارهاب كي لانضع كل الناس في سلة واحدة