تغير قواعد اللعبة بين المغرب والجزائر

26 مارس 2016 - 22:00

أبعد من الرد على إهانة بان كي مون للمغرب في موضوع حساس مثل موضوع الصحراء، هناك تفسير أعمق لرد الفعل المغربي الغاضب، ولجو التعبئة الذي أعدت له الدولة بعناية لتمرير رسائلها، وللانتقال من وضع إلى وضع، وإعادة التموقع في النزاع الذي طال أمده، سواء على الأرض أو في مكاتب الأمم المتحدة. إليكم قراءة للسيناريو الممكن لإدارة هذا النزاع بطريقة أخرى.
قبل أن نعرض خلفيات الموقف الدبلوماسي والسياسي المغربي الجديد، لا بد من إطلالة على موازين القوى بين المغرب والجزائر. هذه الموازين تغيرت كثيرا منذ خمس سنوات على الأقل، وهذا التغير له عنوانان كبيران؛ أولا، في المغرب استقرار سياسي، وعملية ديمقراطية بدأت مع الربيع العربي ومازالت مستمرة، وقبلها أفرز الحراك المغربي دستورا جديدا وحكومة تمثيلية، ووضعا اقتصاديا تعتبره المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها البنك الدولي، وضعا مطمئنا رغم كل النواقص التي يعيشها نسيج الاقتصاد المغربي، أما في الجزائر فرئيس الجمهورية مريض، وحوله انقسام حاد وغير مسبوق بين الجنرالات من جهة، وبين السياسيين من جهة أخرى، حول توقيت خلافة بوتفليقة، والاسم المرشح لدخول قصر المرادية، وموقع الجيش الجديد في إدارة السلطة والثروة. وحتى التعديلات الدستورية التي جرت حديثا، جاءت متأخرة أربع سنوات عن موعدها، ولم ترض أحدا، علاوة على أن الوضع الاقتصادي كارثي نتيجة انهيار أسعار النفط، التي أصبحت تسبب عجزا مزمنا في ميزانية الجزائر كل شهر، في بلاد تدفع فاتورة ثقيلة للحفاظ على السلم الاجتماعي من خلال دعم الدولة لمواد استهلاكية كثيرة، ومن خلال التوظيف الشكلي في الإدارات العمومية لمئات الآلاف من الشباب.
العنوان الثاني لتغير موازين القوى بين الجارين المتباعدين هو أن المغرب تموقع بشكل جيد في خريطة المخاطر الدولية والرهانات الجيو-استراتيجية، فهو عنصر ناشط في استراتيجية محاربة الإرهاب، سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط أو إفريقيا، وهو مشارك في الحرب على داعش وفي التحالف السني الذي تقوده السعودية، وهو شريك معتمد لأوروبا في تبادل المعلومات، وترصد الجهاديين الجوالين، وعلى أرضه سيقام هذا العام أكبر لقاء عالمي حول تغيرات المناخ، وهو يستعد لعرض تجربته في إنتاج الطاقات النظيفة على أنظار العالم، هذا في الوقت الذي تعتبر الجزائر بلادا مغلقة على نفسها، لا تتحدث مع محيطها الدولي سوى بلغة صفقات التنقيب عن النفط والغاز. لقد انكفأت الجزائر على نفسها منذ انطلاق الربيع العربي ومرض الرئيس، فهي تعتبر جزءا من المشاكل الأمنية في ليبيا وتونس ومالي، وهي نفسها عاجزة عن القضاء على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي ينشط فوق أرضها، وقد يتقوى هذا التنظيم أكثر بعدما بايع جزء منه البغدادي ودولة خلافته التي توجد في سرت الليبية، هذا علاوة على أن علاقة الجزائر متوترة جدا مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لاعتراض بوتفليقة على سياسة السعودية النفطية، حيث تحمل الجزائر الرياض مسؤولية إغراق السوق العالمي بملايين براميل النفط لدفع الأسعار إلى النزول من أجل حرمان إيران من مداخيل النفط. والجزائر، ثانيا، تعارض سياسات دول الخليج في لبنان وليبيا وإيران، هذا في الوقت الذي أصبحت الجامعة العربية مشلولة، فيما فقد المثلث الإفريقي (الجزائر-جنوب إفريقيا-نيجريا)، الذي كان بوتفليقة يوجهه ضد الرباط كسلاح دبلوماسي، قوته وفعاليته وحيويته لاعتبارات كثيرة؛ أولها انهيار أسعار النفط وتصاعد مخاطر الإرهاب وحركاته المعششة في دول جنوب الصحراء.
هكذا يبدو ميزان القوى من فوق وقد تغير كليا عما كان سائدا من قبل بين الجارين، لهذا يسعى المغرب الآن إلى ترجمة جزء من هذا التفوق الاستراتيجي الذي في حوزته على إدارة نزاع الصحراء، وذلك من خلال دفن مشروع الحل القانوني القائم على استفتاء تقرير المصير، ولهذا طلبت الرباط من موظفي الأمم المتحدة المكلفين بتحديد الهوية الانسحاب من الصحراء لأن وجودهم لم يعد له مبرر. رسالة المغرب من وراء التصعيد مع بان كي مون والاستغناء عن موظفي الأمم المتحدة أن هناك حلا واحدا ممكنا لهذا الصراع الإقليمي هو الحل السياسي القائم على حكم ذاتي للصحراويين في ظل السيادة المغربية، هذا الحل الذي اعتبره مجلس الأمن، في أكثر من قرار، حلا جديا وذا مصداقية.. هذا هو المطروح على الطاولة اليوم وليس شيئا آخر.
يوم قبل الحسن الثاني وضع ملف الصحراء في الأمم المتحدة سنة 1991، وكان قد سبق ذلك انهيار الكتلة الشرقية التي كانت الجزائر جزءا منها سنة 1990، والقبول بدخولها إلى رمال الصحراء لمراقبة إطلاق النار، وسبق ذلك عقد مؤتمر مراكش لتأسيس المغرب العربي سنة 1989، وسبق ذلك فتح باب المفاوضات السرية مع البوليساريو سنة 1988 بحضور ولي العهد آنذاك، لهذا فإنه أدخل الملف إلى الأمم المتحدة لأنه ضمن أن أعداءه صاروا بلا أظافر ولا أسنان، وأن التحولات على الأرض تخدمه ولا تخدم خصومه، أما الآن فإن الوضع الجديد تغير كليا، وحجم المتاعب التي تسببها الجزائر للمغرب في أكثر من ساحة بسبب ملف الصحراء، تتطلب ردا من نوع آخر.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عبد المجيد العماري منذ 6 سنوات

أقدرك كثيرا كصحفي قل نظيره في هذا البلد المسكين،ولكن لا يجب أن نفرض علينا قانونا للطوارئ غير معلن بسبب الصحراء أو بأي سبب آخر،بلدنا لن يقوم إلا بقول الحقائق،بغض النظر عن المكتوب في الدستور(بالمناسبة نريد معرفة عدد المصوتين على الدستور وليس نسبتهم)ما زال حتى التدبير اليومي لا يقوم إلا بإشارة مباشرة أوغير مباشرة،وهذا يقوله الوزراء أنفسهم بكل فخر واعتزاز،إذن أين هي الديمقراطية كثيرها أو قليلها،ولا يمكن لك أن تقول بأن الجزائر أو إعلامها أو نظامها هم المسؤولون عن ركوب المغاربة قوارب الموت أو ممارستهم الدعارة في المشرق أو اندساسهم مع لاجئي الحروب.تخيلوا معي لو فتحت أبواب المغرب نحو أوروبا،أم اقتنعنا برواية المخزن أن الذين يندسون مع اللاجئين "شبعانين أ كيقلبو على المغامرة" كما أقنعنا بأن غالبية المتسولين أغنياء ويملكون فيرمات وعمارات...

خالد منذ 6 سنوات

شعرت بالضحك عندما قرات....."المغرب استقرار سياسي، وعملية ديمقراطية بدأت مع الربيع العربي ومازالت مستمرة".

aziz madrane منذ 6 سنوات

تحليل رائع من صحافي متميز. شكرا لك سيد بوعشرين .

قارئ منذ 6 سنوات

ما ميز سياسة المغرب اتجاه الجزائر هو المجانية (منذ أن كان قاعدة خلفية لجبهة التحرير الجزائرية). أما الجزائر فكان همها الاستراتيجي هو إضعاف المغرب. على المغرب أن يفهم جارته أن ثمن العداء المجاني له سيكون غاليا، وأنه سيرتد ضدها في آخر المطاف. آنذاك ستتخلى عن عجرفتها التي تقوم على براميل النفط التي وهبتها لها مصادفة جيولوجية، والتي لن تساوي شيئا بعد عقود من الآن لأن مخزون البترول والغاز أكبر من الحاجة وثلثاه يجب أن يبقيا في الأرض لأن مصير الإنسانية لا يحتمل أن يستهلك كله.

رابح منذ 6 سنوات

وجد عسكر الجزائر في قضية الصحراء فرصة وورقة وسلاحا يشهره ضد المغرب لصده عن المطالبة بتندوف التي جعل العسكر منها قلعة لتدريب البولزاريو , وارساله لمحاربة المغرب بالوكالة . بل جعل حكام الجزائر من القضبة قضية وطنية جيواستراتيجية , ويستغلون رصيد الثورة الجزائرية المتعلق بوسائل عسكرية وديبلوماسية وضعوها رهن اشارة مرتزقتهم في "الكفاح والنضال ضد القوة الاستعمارية المغربية", ويجندون يوميا الآلة الاعلامبة التي تستطيع تحقيق ما لايستطيع العسكر انجازه من مكتسبات محليا واقليميا ودوليا. والغريب العجيب في الصحف الجزائرية انها تعارض الحكم في كل شيىء ما عدا سياسته العدائية للمغرب التي يعتبرها الصحافيون الجزائريون انجازا باهرا يستحق التنويه قضية الصحراء بالنسبة للمغرب قضية وجود , ولذا يشهرها عسكر الجزائر لتهديد وجود المغرب وقوته مستغلا في ذلك القانون الدولي القائل بحق الشعوب في تقرير المصير , ومعتمدا على دول تعترف للثورة الجزائرية بدورها في تحرير الجزائر من الاستعمار , ومنفقا للبترودولار بسخاء من اجل تحطيم احلام المغرب في استعادة وحدته الترابية وقيادة المغرب الكبير نحو الوحدة والرفاهية والديموقراطية مع الاسف , للمغرب باع طويل في مجال القانون الدولي وفي الكفاح ضد اعداء الوحدة الترابية وفي كشف وفضح مناورات والاعيب الجزائر لكن المخزن لا يستخدمها لانه يخشا التصعيد ويخشى اطلاق يد الشعب المغربي للتصدي لتكالب عسكر الجزائر على السيادة المغربية

Lfadl منذ 6 سنوات

Sans me vanter ou d'aspirer être un expert, ma petite analyse logique et realiste, dicte que maintenant, tels que se présentent les définitivement, évènements, LA CLEF d'or pouvant régler le problème définitivement serait notre imposition au CONSEIL DE SÉCURITÉ d'exiger une fois pour toute LE RECENSEMENT DES RETENUS SAHRAOUIS MAROCAINS A TINDOUF. Selon des experts internationaux, les vrais sahraouis marocains ne seraient qu'une vingtaine de mille de personnes, le reste étant composé de sahraouis algériens, tchadiens, nigériens, maliens mauritaniens . Déterminer le nombre reel mettrait l'Algerie et sa falsification face à la colère mondiale. Ceci ne peut plus lui permettre d'avancer son soi-disant appui aux peuples pour leur libération. Ceci d'une part, et il ne serait pas admissible de demander une Independance à une population constituant ce petit nombre. D'autre part s'acharner sur l'UNION EUROPÉENNE POUR AUSSI EXIGER CE RESENSEMENT. L'Europe devrait appuyer LE CONSEIL DE SÉCURITÉ DANS ÇETTE EXIGEANCE, et menacer Alger de bloquer toutes les aides fournies à la population de TINDOUF, sachant bien que çes fournitures alimentaires et financières ont toujours été détournées par Alger et leurs batards. Nous devons conditionner toutes discussions sur notre Sahara sur l'application d'abord de çes exigençes. Il n y a pas de raisons que c'est au Maroc seul à qui on impose les droits de l'homme alors qu'Alger et ses batards ignorent jusqu'au sens de ces droits. Il n y a pas de raison à Çe qu'on mette une grande Nation millénaire au même niveau qu'une meute de batards. Sortons nos politiciens de leurs bureaux et qu ils aillent au devant des autres Nations et defendre nos positions et nos exigences. La situation s'annoncent actuellement très dangereuse et nous nous acheminons chaque jour un peu plus vers la guerre. Mettons les bouchées double et poussons LE CONSEIL DE SÉCURITÉ ET L'UNION EUROPEENE A METTRE ALGER AU PIED DU MUR. !!!!!!!!!

ياسين المعيزي منذ 6 سنوات

تحليل ممتاز من الأستاذ بوعشرين ..... لكن هنا رؤى مخالفة وقراءات أخرى في رد المغرب على بان كي مون..ومن ها أدعو السيد بوعشرين الى الاطلاع على المقال التالي: الواسيني: قرارات المغرب "متهورة" أفادت أطروحة "كي مون" لأنه أيضا مبني على تحليل واقعي. فمن نصدق إذن؟ أو على الأقل بأي وجهة نظر نتفاءل؟ لأن ديبلوماسية المغرب المبنية على الدفاع بدل الهجوم لا تبشر بخير.. وحتى الهجوم الأخير قد يكون غير محسوب العواقب.