عاشت مجموعة من ملاعب كرة القدم المغربية، في السنوات الأخيرة، على وقع العنف في مدرجاتها أثناء المباريات، بل وفي بعض الأحيان حتى قبل تلك المباريات وبعدها، إذ شهدت شوارع عدة مدن حالات انفلات أدت إلى إزهاق أرواح بريئة، والاعتداء على ممتلكات الغير، وترويع الآمنين (الخميس الأسود في الدار البيضاء 11 أبريل 2013، والأحد الأسود في ثلاث الولاد 4 يناير 2015).
في المجمل، كانت أصابع الاتهام تتوجه نحو محسوبين على الجماهير، وفي العمق إشارة واضحة إلى أن الأمر يتعلق بمنتمين إلى «إلترات»، أو ما يعرف بفصائل المشجعين، أو الروابط المشجعة للفرق، والتي يدين نشطاؤها بعقيدة خاصة، تجعلهم يقدسون «الإلترا»، ويهبونها أغلى ما لديهم.
ورغم أن معظم هؤلاء «الإلتراويين» يشددون على أن لا صلة لهم بالعنف، بل ويدينونه في «بيانات» على الأنترنت، وفي صفحات المواقع الاجتماعية بشكل خاص، إلا أنهم لم يستطيعوا، إلى اليوم، الحد من السلوكات العنيفة؛ سواء تعلق الأمر بما هو لفظي، يتجسد في الأهازيج المترعة بالكلام المتجاوز للآداب العامة، أو المشادات التي تتحول، في الأغلب، إلى صراعات قوية، قد تخلف ضحايا وإصابات.
وبالرجوع إلى المفاهيم المؤطرة لـ«العقلية الإلتراوية»، يتضح أنها تؤدي بشكل من الأشكال إلى العنف، رغم أنها تقدم مشاهد إبداعية رائعة في الملاعب، وتسهم في التشجيع الملتهب للفرق، وتساندها في السراء والضراء، ذلك أن المنتمي إلى «الإلترا» يتشبع بفكر يقنعه بضرورة تقديس فصيله، والمحافظة على الانتماء إليه، والعمل على تتفيه الآخر، ولم لا إنهاء وجوده (سرقة الباش، أو تسريب التيفو مثلا).
ورغم الظاهرة خلفت وراءها حطاما كثيرا منذ نشوئها في المغرب، سنة 2005، فإنها بصمت الملاعب بلوحات لا تنسى، بفعل جماليتها أحيانا، وبفعل رسائلها القوية في أحيان أخرى، ما جعل الباحثين فيها يؤكدون أن منعها ليس هو الحل، بل الحل هو تهذيبها، بالاقتراب من الشباب المشكل لها، ومعرفة أسلوبه في التفكير، وظروفه الحياتية اليومية، وتأهيله ليكون مشجعا مسالما، ويقبل الآخر مهما اختلف معه في الأفكار.
ولاية الدار البيضاء قررت، أخيرا، منع «الإلترات» الرجاوية والودادية من التحرك، إلا أن تلك «الإلترات» ردت، هنا وهناك، بما يفيد بأنها ستظل موجودة بشكل أو بآخر، ما يعني أن الإشكالات المرتبطة بها ستبقى حية وذات أثر قوي في الملاعب، بل وحتى خارجها، بما أن «الإلترات» تتحرك أكثر في الأحياء الشعبية، وتقوم على النواة، والأعضاء النشيطين، والأعضاء المنتمين، وتملك خلايا وفروعا، سواء في الوطن أو خارجه.
في التجربة الألمانية، حيث نشطت «إلترات» كثيرة، وخلفت وراءها صخبا قويا، لم يقع المنع، بقدرما تحركت آلة الدرس العلمي للظاهرة، ولمخلفات عنفها، مستنجدة بمتخصصين في المجال ليتواصلوا مع الشباب «الإلتراوي»، ويفهَموه من ناحية، ويُفهِموه من ناحية أخرى أن ما يجترحه من عنف يسيء إليه وإلى الكرة، حتى تخلى عنه، إلى حد بعيد، وبقي مشجعا متفانيا، أسهم في إنقاذ الكثير من الأندية من الإفلاس، مثلما أنقذ «الإلترا» من الانقراض.
أي طريق سيسلكها المغرب؟
في الثاني من فبراير، التأمت عدة جهات، ضمنها وزارتا الداخلية والشباب والرياضة، لتصدر قرارات تدور في فلك ما هو أمني وزجري، مغلفة بما هو تحسيسي وتأطيري، داعية إلى ضرورة إعادة الاعتبار إلى الجماهير حتى تكون في المستوى.
التفاصيل في عدد نهاية الأسبوع لجريدة أخبار اليوم